شتات المشهد الفلسطيني الوطني

02 يناير 2015
+ الخط -

على الرغم من كثرة الضجيج في الساحة السياسية الفلسطينية، سواء على مسار التسوية أو فيما يتعلق بالشأن الداخلي، إلا أن المشهد السياسي والوطني الفلسطيني تسوده حالة جمود استثنائية، تبدو وكأنها نتيجة حالة عجز أصابت مختلف الفرقاء. ولا يبدو أي طرف، لأسباب ذاتية وبعضها موضوعية، قادراً على تجاوز الآخر، أو دفعه إلى مساندة مشروعه السياسي، أو حتى العمل سوياً.
ساهم الوضع العربي والإقليمي، بشكل كبير، في تعزيز هذه الحالة، فبات الفلسطينيون ينتظرون، كلٌ لأسبابه، ما ستؤول إليه الحالة العربية، خصوصاً بعد الهجمة العنيفة للثورة المضادة للربيع العربي. فقد قدم الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر، وعودة النظام السياسي الشمولي الذي يربط مصيره بمصير دولة الاحتلال والنفوذ الأميركي في المنطقة، قبلة حياة لتيار التسوية، وشعر هؤلاء بأن الساعة عادت إلى الوراء، وأن خيار التسويات هو الوحيد الممكن في ظل التّيه العربي الممتد.
في الوقت نفسه، يصرّ تيار المقاومة على التمسك بخياره، مستنداً إلى ما يراه حقائق في التعامل مع الاحتلال، وقوة مؤثرة رسّخها على الأرض.
ومما يجعل من حالة الجمود خطراً على القضية الوطنية، أن كلاً من برنامجي التسوية والمقاومة أصبح له حيز جغرافي يسيطر عليه، ولا يبدو أنه سيسمح لبرنامج الآخر أن يشاركه هذا الحيز. ويبدو، ولو مرحلياً، أن كل برنامج، بما لديه من أوراق قوة وجغرافيا، قد وصل إلى ذروة الفعل الممكن، فلا المقاومة، على الرغم من أدائها الاستثنائي، قادرة على تغيير قواعد اللعبة التي فرضت بعد انسحاب قوات الاحتلال من غزة (2005)، ورسختها ثلاث حروب بين 2008-2014، ولا تيار التسوية قادر على تحقيق شيء ما على أرض الواقع.
يتطلب هذا التعقيد الخطير في المشهد الفلسطيني البحث عن عوامل مؤثرة أخرى في الشأن السياسي والوطني الفلسطيني، لديها شرعية وطنية وقادرة على التأثير، بحيث تحمي البوصلة الوطنية من الانحراف، وتتجاوز ثنائية غزة والضفة أو المقاومة والتسوية.
وهنا يبرز دور الشتات الفلسطيني، حيث باتت عودة الدور الوطني الفاعل لفلسطينيي الشتات ضرورة ملحة، وحاجة وطنية ماسة. ولا ينبغي للشتات أن يستسلم للتهميش الذي فرضه اتفاق أوسلو. إذ يسمح الهامش المتاح في دول كثيرة مضيفة بأن يخرج صوت سياسي مؤثر، مساند للثوابت، وضاغط لإخراج المشروع الوطني، وبالذات على المستوى القيادي، من أزمته؛ ولا سيما في القضايا التي تمس الشتات مباشرة، فهل يعقل أن يُعلي من هم على أرض فلسطين صوتهم الرافض للمساس بحق العودة، ولا يسمع صوت للاجئين في الشتات؟
تمر القضية الوطنية الفلسطينية، اليوم، بمأزق جدّي، يستدعي جهد كل أبنائها بفصائلهم ومؤسساتهم في كل أماكن وجودهم.

avata
avata
أحمد عطاونة (فلسطين)
أحمد عطاونة (فلسطين)