شادية: الدلوعة التي لم تهجرها الأضواء

القاهرة

مروة عبد الفضيل

avata
مروة عبد الفضيل
30 نوفمبر 2017
0C7D4E17-E5C0-4196-8F37-04F838544A50
+ الخط -
رحلت شادية. الجميلة التي التصقت بها كل الألقاب، أغمضت عينيها ورحلت. هذه المرة الخبر حقيقي، ليس تسريباً صحافياً، ولا شائعة على مواقع التواصل، فـ"دلوعة الشاشة" ماتت. ورغم توقّع موتها منذ أسابيع بعد تدهور سريع لوضعها الصحي، جاء إعلان الخبر حزيناً، حزيناً جداً، وقاسياً.

86 عاماً عاشتها شادية بكل تفاصيلها: عاشت الفن والدلع والإغراء والشهرة والنجومية والحب، ثمّ الانكفاء والحجاب والاعتزال. وبين الأضواء والاعتزال بقيت شادية هي شادية: نجمة الشباك، ومعبودة الجماهير.

عند البحث في أرشيف شادية، يبدو واضحاً أنها ظاهرة حقيقية على صعيد التمثيل والغناء. ظاهرة بمعنى الفرادة وبمعنى العبقرية في أداء الأداور المختلفة، والغناء والرقص بدلع لم يتكرّر كثيراً في السينما العربية.

فاطمة كمال شاكر، هو اسم شادية الحقيقي، و"فتوش" هو لقبها في البيت. فمن أين جاء اسم شادية؟ روايات كثيرة تم تناقلها حول هذا الاسم الفني. الرواية الأولى هي أن شادية نفسها اختارت هذا الاسم، بعدما كانت تريد أن يطلق عليها اسم هدى. لكنها غيرت رأيها عندما شاهدت مولودة إحدى صديقتها وكان اسم الطفلة شادية. أما الرواية الثانية فتقول إن المخرج عبد الوارث عسر اختار لها الاسم بسبب الطريقة "الشادية" التي تردد بها جملها التمثيلية. لكن الطريق من "فتوش" إلى "شادية" لم يكن سهلاً. فوالدها لم يكن يشجّع دخول ابنته عالم الفنّ. وهذا الموقف تحديداً هو الذي أدى إلى فشل شقيقتها عفاف في عالم التمثل، ثمّ زواجها وهجرتها إلى الكويت. لكن فاطمة الشقية عرفت كيف تقنع والدها بحبها للفنّ. وفي الثامنة من عمرها عرفت فاطمة أنها تريد أن تشبه ليلى مراد: الممثلة التي تظهر على الشاشة، فتمثّل وتغنّي، بإتقان. في الـ15 من عمرها (1947) ظهرت في فيلم "العقل في إجازة"، في أول تجربة إخراجية لحلمي رفلة، وأول إنتاج لمحمد فوزي. هكذا اكتسب هذا العمل أهمية على أكثر من مستوى. ورغم أن هذا الفيلم يعتبر بدايتها الحقيقية، إلا أنه ظهرت قبلها في العام نفسه بدور صغير في فيلم "أزهار وأشواك" للمخرج محمد عبد الجواد.

بعدها انطلقت مسيرتها، وفتحت لها أبواب النجومية: 118 فيلماً و700 أغنية و10 مسلسلات إذاعية. وفي غمرة نجاحها الكبير، بدأت بعض الأصوات تعتبر أن نجاح شادية سببه غنائها وليس تمثيلها. فتوقفت لأربع سنوات عن الغناء وركزت على التمثيل، في تحدٍّ يشبه شخصيتها، ونجحت بالفعل، إلى أن جاءها الموسيقار بليغ حمدي بلحن أغنية "يا أسمراني اللون" (كتابة الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي ــ 1966) فوافقت على غنائها وكانت عودتها للغناء من خلالها.

لعبت شادية أدواراً كثيرة، بدأتها بدور الشابة الجميلة والعاشقة التي تعرف جيداً كيف تجذب المشاهد بدلعها. لكنّ هذه الصورة التي التصقت بها، لم تمنع شادية من تقديم شخصيات أخرى، أكثر جدية ربما، بالتوازي مع دخول مصر حقبة جديدة من تاريخها إثر قيام ثورة يوليو (1952).

عرفت شادية كيف تنتقل بخفة قلّ نظيرها بين الأدوار الكوميدية، وأدوار الإغراء، وتلك الأكثر جدية في الأداء. وعرفت كيف تترك بمصتها على كل عمل تشارك فيه، ونتحدّث هنا عن أفلام كثيرة، بينها طبعا الأفلام المقتبسة عن روايات نجيب محفوظ، مثل "اللص والكلاب" (1962- إخراج كمال الشيخ"، و"زقاق المدقّ" (1963- إخراج حسن الإمام)، و"ميرامار" (إخراج كما الشيخ- 1969). رسّخت شادية نجوميتها في أعمال قدّمتها مع عبد الحليم حافظ وهي "لحن الوفاء" (1955- إخراج: إبراهيم عمارة)، ثمّ "دليلة" (1956- إخراج محمد كريم)، والفيلم الأشهر "معبودة الجماهير" (1967- إخراج حلمي رفلة). فكانت شادية الصوت النسائي الوحيد الذي غنّى مع "العندليب الأسمر" أغاني مثل "حاجة غريبة"، و"إحنا كنا فين"، و"تعالى أقولك"...

وبينما كانت شادية تواصل نجاحاتها، بدأ عرض مسرحية "ريا وسكينة" (1983)، وهي المسرحية الوحيدة التي شاركت فيها إلى جانب سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير. وجاء هذا الأخير بديلاً للفنان حمدي أحمد الذي لم يقدم العرض سوى ثمانية شهور فقط وتراشق بالألفاظ مع شادية التي تعاملت معه "بتعالٍ شديد"، وفق ما قال في مقابلة صحافية.
حققت المسرحية نجاحاً باهراً، وغنّت فيها شادية أيضاً أغاني كثيرة لاقت انتشاراً واسعاً مثل "حبك جننا يا اسمك ايه"، "يا بنات اسكندرية"...

لكن شادية التي ارتفعت وكبرت نجوميتها بالتوازي مع ثورة يوليو، لم تغنّ الأغاني الوطنية بشكل مكرر كما فعل أقرانها وقتها، وبينهم كبار مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم. لكنّ مع نصر أكتوبر، وقفت وغنّت أغنيتها الأيقونية "يا حبيبتي يا مصر". تروي شادية في لقاء تلفزيوني أن الأغنية ولدت بطريقة سريعة ومن دون تخطيط، فكتبها محمد حمزة ولحّنها بليغ حمدي. نقلت هذه الأغنية تحديداً، الأغاني الوطنية المصرية إلى مستوى آخر، بعيداً عن الغناء للزعماء، فكانت أغنية مصرية لمصر والمصريين.

مع قيام الجمهورية، وفي عزّ سنوات الثورة، لمعت شادية، ووصلت إلى قمة مجدها الفني... قمّة تربّعت عليها حتى العام 1986، عندما اتخذت قراراً اعتبر مفاجئاً: ارتداء الحجاب والاعتزال. وجاء قرارها النهائي بالابتعاد عن الفن بعد لقائها بالشيخ محمد متولي الشعراوي في مكة المكرمة، حيث ذهبت إليه وعرّفته بنفسها. وبعد عودتها إلى القاهرة ذهبت إلى منزله وخرجت منه وقد استقرت على قرارها بالاعتزال.

الزواج والحب الفاشل والأطفال
خاضت شادية تجربة الزواج ثلاث مرات. الأولى كانت من الفنان عماد حمدي، وقدمت معه بعض الأعمال منها "ارحم حبي" (1959- إخراج هنري بركات) و"مشغول بغيري" (1951- إخراج إبراهيم عمارة) و"شاطئ الذكريات" (1955- إخراج عز الدين ذو الفقار). ثم تزوجت من المهندس الإذاعي عزيز فتحي، ثم تزوجت زيجتها الأخيرة من الفنان صلاح ذو الفقار، الذي شاركته "أغلى من حياتي" (1965- إخراج محمود ذو الفقار)، و"كرامة زوجتي" (1967- إخراج فطين عبد الوهاب)، والفيلم الشهير "مراتي مدير عام" (1966- إخراج فطين عبد الوهاب). انفصلت شادية عن ذو الفقار عام 1969. ولم ترزق شادية بأطفال من زيجاتها الثلاث، حيث كانت تواجه مشاكل صحية تؤدي إلى الإجهاض في أشهر الحمل الأولى.

لكن الزيجات الثلاث هذه لم تكن قصص الحب الوحيدة في حياة شادية، بل أشهر قصص حبها انتهت بالفشل، وهي قصتها مع فريد الأطرش. بدأت شرارة هذا الحب في فيلمهما الأول معا "ودعت حبك" (1956- إخراج يوسف شاهين)، ثم قدما معاً فيلماً آخر هو "أنت حبيبي" (1957- إخراج يوسف شاهين)، وكانت قصة حبهما مادة خصبة للصحافة والإعلام وقتها، لكنهما التزما الصمت حفاظا على خصوصيتهما. سافر فريد الأطرش إلى فرنسا لإجراء فحوصات طبية ووعدها بالزواج بعد عودته، لكن العلاقة انتهت لأسباب كثيرة.

أمس شُيّعت شادية، لترقد تحت تراب "حبيبتها مصر". شيّعها مصريون جاؤوا وأحضروا معهم أولادهم لوداعها. رحلت الدلوعة التي رغم اعتزالها وابتعادها عن الأضواء، ستبقى صورتها الأبهى والأقرب إلى قلوب ملايين العرب هي معبودة الجماهير... قبل الرحيل وبعده.




دلالات

ذات صلة

الصورة
إلياس خوري

ثقافة

جمع الروائي اللبناني إلياس خوري، الذي غادر عالمنا اليوم الأحد، بين الكتابة بشقّيها الإبداعي والبحثي، وبين العمل الصحافي والتدريس الأكاديمي.
الصورة
يوسف سلامة (1946-2024)

ثقافة

رحل أستاذ الفلسفة المعاصرة والباحث الفلسطيني السوري يوسف سلامة (1946 – 2024)، أمس الاثنين، في مدينة مالمو السويدية.
الصورة
هبة أبو ندى - القسم الثقافي

ثقافة

استشهدت، أول أمس الجمعة، الشاعرة والمدوّنة الفلسطينية هبة أبو ندى عن اثنين وثلاثين عاماً، بعد قصف همجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على أحد الأحياء السكنية في غزة. صدر للراحلة رواية واحدة بعنوان "الأكسجين ليس للموتى"، كما شاركت في إصدارات شعرية مختلفة.
الصورة
نجاح سلام مطربة لبنانية ( يوتيوب)

منوعات

قبل سنوات اعتزلت نجاح سلام الغناء، لكنها لم تعتزل الأصدقاء الذين استمروا بزيارتها في منزلها البيروتي. صاحبة "برهوم حاكيني"، لم تغضب أحداً خلال مسيرتها، فعاشت حتى أيامها الأخيرة شغوفة بالفنون.
المساهمون