سيناريوهات مستقبل "طالبان" مع الجماعات المسلحة

سيناريوهات مستقبل "طالبان" مع الجماعات المسلحة

11 مارس 2020
مقاتلو "طالبان" يحتفلون باتفاق السلام مع الولايات المتحدة(Getty)
+ الخط -

بقدر ما كان التوقيع على اتفاق السلام التاريخي بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان" في 29 فبراير/شباط الماضي في العاصمة القطرية الدوحة مهما للأفغان، بقدر ما كان الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس المكتب السياسي للحركة الملا برادر أخوند مهما لمراقبي الوضع في أفغانستان والمنطقة ولكل من تابع تغيّر اللعبة في أفغانستان خلال أربعة عقود. لا شك أن ما حدث يُعدّ اختراقاً كبيراً، لا يدلّ فقط على أن الولايات المتحدة ماضية إلى أبعد الحدود من أجل الخروج من مأزق أفغانستان وتسعى إلى تطبيع علاقاتها بـ"طالبان"، بل ثمة من يعتبر أن الولايات المتحدة ترى في الحركة شريكة مستقبلية، لذا كان توقيع الاتفاق بينهما محط استياء من معارضي السياسات الأميركية في المنطقة، كإيران وروسيا.

في المقابل، تجلّى انتصار حركة "طالبان"، بكونها نجحت في تغيير النظرة الأميركية بشأنها، بعد أن كانت "جماعة إرهابية" قبل عقدين وحتى الفترة القريبة، غير أنها أصبحت الآن جهة مُعتبرة في سياسة أفغانستان، بعد عقد الأميركيين 12 جولة حوار معها، وتوقيع اتفاق في ظل غياب الحكومة الأفغانية. ومع تتالي التطورات برزت تساؤلات عدة، ومنها هل أن الولايات المتحدة حاضرة لأن تضحي بكل شيء من أجل الخروج من المأزق؟ وهو ما برز من خلال تصريحات ترامب الأخيرة التي طرح خلالها احتمال عودة "طالبان" إلى سدة الحكم في أفغانستان، مؤكداً أنه ليس من المفترض أن يحصل ذلك، لكنه احتمال. وأضاف أنه يتعين على الدول أن تتولى مسؤولية نفسها، وأن على الحكومة الأفغانية ضمان أمنها بنفسها، إذ لا يمكن لبلاده أن تبقى هناك خلال الأعوام العشرين المقبلة، مشدّداً على أنه لا يمكن أن نمسك بيد أحدهم إلى الأبد. وبذلك ينسى ترامب تماماً ما أكدته الولايات المتحدة طيلة وجودها في أفغانستان، من خطورة الجماعات المسلّحة في أفغانستان على أمنها القومي وسياساتها في المنطقة.

ويبدو أن تطبيع العلاقات بين واشنطن و"طالبان" أمر محتمل إذا سارت الأمور وفقاً لتوقعات الطرفين، وهو ما يتطلعان إليه أصلاً بحسب تصريحات مسؤوليهما، إذ كشفت الحركة أن برادر أكد لترامب أن "طالبان" قوة سياسية وعسكرية موحّدة تملك ثقلاً وتريد أن تمضي قدماً في علاقاتها السلمية مع الولايات المتحدة، بينما تحدث ترامب عن احتمال عودة الحركة إلى السلطة. وإذا سارت الأمور على هذا المنوال فقد يجد الأفغان في الاتفاق منفذاً من مأزق الحرب، مع أن أكثر ما يخشونه هو استمرارها، خصوصاً أن المعطيات الميدانية لا تطمئن.

ومن بين الأمور المنذرة باستمرار دوامة الحرب في أفغانستان، حتى ما بعد الاتفاق الأميركي مع "طالبان"، هو وجود الجماعات المسلحة الأخرى، وهجمات "داعش" الأخيرة دليل على ذلك. وبحسب السلطات الأفغانية فإن هناك أكثر من 20 جماعة نشطة في أفغانستان تحت مظلة "طالبان"، لكن التوافق على خفض وتيرة الحرب أثبت تماسك الحركة سياسياً وعسكرياً، رغم تعهّدها بالقضاء على "داعش" و"القاعدة"، حسبما ذكر الأميركيون. ويُنذر هذا الأمر باستمرار الحرب، لا سيما أن للجماعتين وجودا ونفوذا، و"طالبان" تعهّدت بعدم السماح للتنظيمات المسلحة باستخدام الأراضي الأفغانية، في إشارة إلى حتمية المواجهة العسكرية. مع العلم أن العداء موجود منذ بروز "داعش" في أفغانستان، وخوض الحركة معارك معه في الشرق وفي بعض مناطق الجنوب والشمال.

كما بات من الصعب جداً تفكيك العلاقات بين "طالبان" و"القاعدة"، والمتابع لتاريخ أفغانستان يدرك مدى عمق العلاقة بين الطرفين، فمؤسس الحركة الملا عمر آثر الحرب مع الولايات المتحدة على تسليم مؤسس "القاعدة" أسامة بن لادن إليها، في المقابل أعلن أيمن الظواهري خليفة بن لادن، ولاءه وبيعته لـ"طالبان" ولمؤسسها الملا عمر. من هنا فإن العلاقة بين الطرفين قوية وعميقة، لا سيما في المناطق الأفغانية التي يسود فيها الفكر السلفي، كإقليمي كنر ونورستان على الحدود مع باكستان.



ومع غياب القيادات الرئيسية لتنظيم "القاعدة" في السنوات الأخيرة، اتجه التنظيم نحو تجنيد أبناء المنطقة في باكستان وأفغانستان، ونشأ فرعه في شبه القارة الهندية نتيجة عملية التجنيد. كما أن لقادة ميدانيين في شرق أفغانستان، خصوصاً كنر ونورستان، ولاءات وعلاقات وطيدة بـ"القاعدة". بالتالي، ليس من السهل تفكيك تلك العلاقة العميقة، بل إن هناك خشية من انفصال قادة ميدانيين في الحركة وانضمامهم إلى "القاعدة" أو "داعش".

في السياق، اعتبر القيادي السابق في "طالبان" عبد الودود صديقي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لا شك أن للحركة علاقات مع جميع الجماعات الدينية، لكن تلك العلاقة لن تتسبب في خلق معضلة أخرى، لأنه إذا تعهّدت "طالبان" بالقضاء على أي جماعة، يمكنها ذلك. ونفى في الوقت نفسه انضمام قياديين في الحركة إلى "داعش" أو "القاعدة"، لأن قيادات الحركة أثبتت تماسكها وولاءها لأميرها في الفترات المختلفة. غير أنه لا ينفي احتمال خوض "طالبان" الحرب ضد "داعش".

لكن الإعلامي ولي الله شاهين، لا ينفي في حديث لـ"العربي الجديد"، احتمال خروج بعض القادة الميدانيين من الحركة وانضمامهم إلى "داعش"، لا سيما أصحاب الفكر المتطرف على حد وصفه، لكنه لا يتوقع أن يكون لهم أثر كبير، لأن عملية الانضمام ستكون على أساس مصالح مادية. أما عن حرب "طالبان" على التنظيمات الأخرى فيرى شاهين أنها ستحصل في حالة واحدة، إذا كانت السلطة بيد الحركة، وحينها يحقّ لها كمرجع شرعي أن ترفع السلاح ضد كل من يخرج عليها ويستخدم الأراضي الأفغانية ضد الآخرين. ولم يتضح بعد إذا كان الاتفاق بين "طالبان" وواشنطن سيصل إلى بر الأمان وسينجح بحسب تطلّع الطرفين، لأن نجاحه مرهون بنجاح المرحلة الثانية وهو الحوار الأفغاني – الأفغاني، لأن لفشله آثارا عكسية على مستقبل الحركة.

وكانت معارضة إيران للاتفاق بين "طالبان" والولايات المتحدة واضحة من خلال البيان الذي أصدرته الخارجية الإيرانية عقب توقيع الاتفاق في 29 فبراير الماضي، وجاء فيه أن الولايات المتحدة ليست في موقع قانوني يخوّلها التوقيع على اتفاقية سلام بشأن أفغانستان أو تقرير مستقبلها. وبدت معارضة روسيا واضحة لأي تقارب بين الولايات المتحدة و"طالبان"، لأنها تعتبره تحدّيا لها. وقد نوّه المبعوث الروسي الخاص لأفغانستان ضمير كابلوف، إلى أن بلاده مستعدة لإرسال جنودها إلى أفغانستان. من هنا فإن "طالبان" قد تخسر الداعمين لها بسبب الاتفاق مع واشنطن. مع العلم أن البعض اعتبر رفض عبد الله عبد الله نتائج الانتخابات الرئاسية، بل تنصيبه نفسه رئيساً حتى يوم الاثنين الماضي، تمّ بالدفع من روسيا وإيران لطرح قوة عسكرية مقابل قوة "طالبان"، بسبب حصوله على تأييد الكثير من قادة الجهاد السابقين المسلّحين.