سيارات الغاز في الجزائر... قوارير مغشوشة تنفجر في المركبات

سيارات الغاز في الجزائر... قوارير مغشوشة تنفجر في المركبات

24 اغسطس 2017
حماية المستهلك تنصح الجزائريين باستخدام قوارير غاز أصلية(العربي الجديد)
+ الخط -

ينصح الأربعيني الجزائري عبد القادر كشرود أصدقاءه وأقاربه بعدم تكرار خطئه بتحويل سيارته التي تعمل بالبنزين لتشتغل بالغاز الطبيعي المسال، في مؤسسات خاصة والتوجه مباشرة إلى مؤسستي نفطال وغزال الحكوميتين حتى لو استغرق الأمر ستة أشهر أو حتى عاما كاملا، إذ يظل عنصر الأمان خير من إنجاز الأمر سريعا في مؤسسات تستخدم بعضها قوارير مغشوشة تنفجر للعديد من الأسباب، مثل ما وقع لسيارته التي اشتعلت النيران فيها في شهر إبريل/نيسان من عام 2016، بعد أن قام بتحويلها لتعمل بالغاز بدلا من البنزين في مؤسسة خاصة بمحافظة عين الدفلى غربي الجزائر.

عقب التحقيق في حادثة سيارة كشرود، اتضح أن الغاز تسرب من القارورة بسبب أخطاء في التركيب وغياب اشتراطات وعوامل الأمان في عملية التوصيل، وأهمها افتقاد القارورة لصمام الأمان، وفق ما أوضحه النقيب كمال حمدي المكلف بالإعلام في الحماية المدنية لمحافظة عين الدفلى.

ولم تكن تلك حادثة عين الدفلي الوحيدة، بل سبقتها وتلتها حالات أخرى في أماكن متفرقة من الجزائر، يجمع بينها، وفق تصريح المكلف بالإعلام في المديرية العامة للحماية المدنية نسيم برناوي، كونها وقعت بسبب قوارير صينية مغشوشة جرى تركيبها في مؤسسات خاصة، ففي يونيو/حزيران 2016 وقع انفجار سيارة في محافظة تيبازة غربي الجزائر وراح ضحية الحادث شابين، وفي يناير/كانون الثاني الماضي انفجرت مركبة تسير بنظام الغاز، في محافظة بسكرة جنوبي الجزائر توفي بداخلها طفلين حرقاً عمر أكبرهما خمسة أعوام، وفي فبراير/شباط الماضي شب حريق في سيارة بمحافظة ورقلة في الجنوب أيضا دون أن تخلف وفيات، بينما توفي شخص في محافظة غرداية بعد اشتعال سيارته في مارس/ آذار 2017.

وبالرغم من تنظيم جمعية حماية المستهلك لفعالية توعوية حول الغاز الطبيعي قبل انتشار استعماله، تطرقت خلالها إلى خطر الغش في القوارير، وسبل محاربة الظاهرة، مشددة على ضرورة مواجهة التقليد، ومراقبة قطع الغيار الموصولة بصهاريج الغاز، "لكن الغش في القوارير ما زال مستمرا"، وفقا لرئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، والذي تلقى مؤخرا شكويين، لغش في نظام تحديد ضغط الغاز واتضح بعد المعاينة تلفه بسبب رداءة مكوناته غير الأصلية، مشيرا إلى مطالبته الأجهزة الحكومية المعنية بالتدخل، "لكن لم يتحقق شيء" على حد تعبيره.


خطر الانفجار

بدأ تحويل السيارات لتعمل بالغاز بدلا من البنزين في الجزائر، مطلع عام 1980 لكن تلك العملية لم تشهد إقبالا بسبب انخفاض سعر الوقود طوال الفترة الماضية، وحتى مطلع العام الجاري الذي شهد زيادة سعرية، إذ كشف إحصاء صادر عن شركة نفطال بعد 19 عاما على إدخال تلك التقنية إلى الجزائر، أن عدد السيارات التي تسير بالغاز لم تزد عن 160 ألف سيارة أي بنسبة 7 بالمائة من مجموع الحظيرة الوطنية للسيارات حتى عام 2009، غير أن تراجع عائدات بيع الوقود الذي يمثل 95% من إجمالي صادرات الجزائر، وتشكل عائداته 60% من ميزانية البلاد، دفع سلطة ضبط المحروقات، إلى الإعلان عن رفع أسعار الوقود في يناير الماضي لتصبح 35.33 دينارا جزائريا للتر البنزين الخالي من الرصاص (0.32 دولار)، بعدما كان السعر 23.00 دينار جزائري في مقابل اللتر (0.21 دولار) تطبيقا لقانون المالية لعام 2017، وهو ما دفع بالجزائريين إلى تحويل سياراتهم لتعمل بنظام الغاز في ظل تشجيع الحكومة الجزائرية للأمر عبر إبقاء سعر اللتر المكعب من الغاز الطبيعي المميع (المسال) ثابتا عند 9 دنانير جزائرية (0.08 دولار)، وفق ما أوضحه مدير مصلحة تطوير الغاز المميع بشركة نفطال الحكومية مصطفى نوري.

وتعمل مؤسستا نفطال وغزال الحكوميتان (NAFTAL/GHAZAL) على تحويل السيارات التي تعمل بالبنزين لتشتغل بالغاز المسال (خليط من البروبان والبوتان، يسوق في الجزائر كعلامة تجارية تحمل تسمية "سير غاز")، وتبلغ تكلفة عملية التحويل لديهما 60 ألف دينار جزائري، فيما تنتشر مؤسسات خاصة عبر مختلف محافظات الجزائر، وتتراوح قيمة عملية التحويل فيها بين 30 ألف دينار جزائري (272 دولارا) وتصل حتى 60 ألف دينار جزائري (545 دولارا)، وفق ما رصده معد التحقيق عبر جولة في 3 مؤسسات خاصة.

قوارير ونظم غاز مقلدة في السوق الجزائرية

يعترف مدير مصلحة تطوير الغاز المميع في شركة نفطال، بوجود قوارير وأنظمة غاز للسيارات مقلدة قائلا "مثلما تدخل باقي المنتجات الأصلية والمقلدة إلى أسواق الجزائر يحدث هذا الأمر كذلك في ما يخص الغاز، إذ إن السوق الجزائرية حرة ومفتوحة، ولا يمكن منع مستورد من جلب سلع لتسويقها محليا، لكن ما على الزبون سوى الاختيار وانتقاء السلع الأصلية".

وتستورد الجزائر 250 ألف قارورة غاز في العام بكل لواحقها من إيطاليا، "والعدد مرشح للارتفاع بسبب تزايد الطلب"، بحسب ما أكده مصطفى نوري، في حين يجلب مستوردون من القطاع الخاص 10 آلاف قارورة من الصين لا يتعدى سعر الواحدة 30 ألف دينار جزائري، ويكشف المتحدث أن هناك وكلاء خواص ليست لديهم خبرة يستوردون نظم غاز السيارات وفقا لمعيار السعر المنخفض، من دون اعتبار لمعايير السلامة والأمان، وهو ما يؤدي إلى انفجار السيارات التي تستخدم تلك القوارير المقلدة، في ظل افتقاد الكثير من مستهلكي غاز السيارات خاصة ممن يتحرون الأسعار المنخفضة، إلى ثقافة صيانة نظام غاز السيارة.

ويتفق عدلان بونازو خبير صهاريج الغاز ورئيس ورشة تركيب في مؤسسة غزال، مع الخبير نوري في أن القارورة الأصلية يزيد ثمنها بمقدار الضعف عن تلك المقلدة، "لكن الزبون بإمكانه تفادي الخطر في حال اقتنى القارورة الأصلية من عند الوكلاء الحاصلين على ترخيص من مؤسسات الدولة المعنية" كما يقول.


معايير الجودة

يحصر الخبير عدلان مواصفات قارورة ونظام الغاز الأصليين في عدة خواص، قائلا "قارورة الغاز يجب أن تحتوي على سعة 80 في المائة من الغاز و20 في المائة من الهواء، لتفادي الضغط داخل القارورة، إضافة إلى صمام أمان يعتبر المنقذ في حالات ارتفاع الضغط داخل القارورة، موضحا أن "الغاز يخزن تحت ضغط عال يصل إلى 200 بار، وعند الشحن يصل حتى 220 بار، لكن في حالة زيادة وارتفاع ضغط الغاز عن ذلك، يفتح صمام الأمان آليا لتفادي الضغط وتجنب الانفجار، كما أن هذا النظام لديه أيضا خاصية الانتقال الأوتوماتيكي إلى البنزين عندما يصل خزان الغاز إلى أدنى مستوى، بالإضافة إلى أن النظام يعمل في الصباح وفقا لنمط التزويد بالبنزين بسبب برودة المحرك، عكس القوارير المقلدة حيث التحكم عن طريق استعمال زرّين اثنين خلال القيادة، ما يشكل خطرا يؤدي إلى تلف الكابلات الناقلة للغاز من القارورة إلى المحرك"، بحسب عدلان، والذي حذر من استعمال قوارير مقلدة لا تحترم نسبة الغاز والهواء، ما يجعلها تحت خطر ارتفاع الضغط ومن ثم انفجارها، خاصة أن العديد منها تفتقد إلى صمام الأمان وفقا لما رصده ووثقه.

ويستدعي تركيب قارورة غاز في السيارة ثلاث مراحل، هي التركيب ومراقبة تسرب الغاز، ثم ترك المحرك يدور لمدة نصف ساعة لمراقبة حركة الغاز، وأخيرا مراقبة ضغط الغاز قبل السماح بالسير، "وهو ما لا يحترمه من يقومون بتركيب القوارير والأنظمة المقلدة، إذ لا يقومون بتطبيق شروط مراحل تركيب الغاز، كما لا يمنحون الزبائن دفتر الصيانة ولا عقد الضمان"، وهو ما يعد سبباً كافياً لتجاهل التعامل مع هؤلاء، بحسب الخبيرين نوري وعدلان.

ويكشف مصطفى نوري أن عدد السيارات التي تشتغل بنظام الغاز بلغ 260 ألف سيارة حتى منتصف العام الجاري، قائلا "نفطال قامت بتركيب 18 ألف قارورة في الأشهر الستة الأولى من العام وبلغ حجم المبيعات 300 ألف طن من غاز السيارات".


لوائح انتظار طويلة

تهدف شركة نفطال إلى تحويل مليون سيارة للسير بالغاز خلال الفترة من 2017 وحتى 2020، ويوضح مدير مصلحة تطوير الغاز المسال أن "الزيادة المفاجئة لأسعار الوقود حولت الاهتمام من البنزين إلى الغاز، قائلا "لم نكن مستعدين لكننا نعمل على تدارك التأخر، اليوم لائحة المواعيد طويلة بسبب كثرة الإقبال، لكننا نمنح ضمان سنة لأصحاب السيارات ونزودهم بدفتر الصيانة ومواعيد المراقبة، وهو ما يستحق الانتظار".

لكن التاجر عبد الغاني حميدي لم يحتمل هذا الانتظار الذي بلغ ستة أشهر على لائحة شركة نفطال، ما دفعه إلى التوجه إلى مؤسسة خاصة في سطيف شرقي الجزائر حيث يقيم، وتحويل سيارته الشيفروليه لتعمل بالغاز، وهو ما ندم عليه بعد ذلك إذ يعيش هاجس الانفجار في ظل سماعه صوتا غريبا يدل على حدوث تسريب في نظام الغاز، قائلا "أعيش في قلق بسبب تسرب الغاز من القارورة، لا أشم رائحة الغاز، لكنني أسمع صوت التسرب، اقتنيت القارورة ولواحقها الصينية بـ 30 ألف دينار جزائري، سأتجه الى خبير لمعاينتها قبل وقوع كارثة"، وهو ما ينويه أيضا سائق سيارة الأجرة لخضر بوسعيد الذي يشكو من ساعة قياس ضغط القارورة والتي أخبره فني يعمل بمحطة بنزين أنها تخطئ مرارا، ما قد يتسبب في انفجار سيارته وضياع حياته ومصدر رزقه الوحيد.

وتخضع عقوبة بيع القوارير وأنظمة الغاز المقلدة، للمادة 429 من قانون العقوبات والتي تنص على "السجن من شهرين وحتى ثلاث سنوات مع دفع غرامة تتراوح ما بين ألفي دينار جزائري (18 دولارا) وحتى 20 ألف دينار جزائري (181 دولارا) على كل تاجر يغش أو يحاول أن يغش زبائنه" وينصح المحامي في مجلس قضاء الجزائر يوسف بودينة كل من تعرض لغش في تحويل سيارته من الوقود إلى الغاز، إلى رفع دعوى قضائية ضد الوكيل التجاري الذي تعامل معه لتطبيق القانون والحصول على التعويض ووقف المتلاعبين بأرواح الجزائريين.