سورية في عيون الألمان بعد الثورة تختلف عمّا قبلها

سورية في عيون الألمان بعد الثورة تختلف عمّا قبلها

12 يونيو 2014
سوريون في وقفة احتجاجية في برلين (GETTY)
+ الخط -

أنت من سورية، من مصر، من تونس، من أي بلد عربي، قبل الربيع العربي، فأنت من بلاد العالم الثالث. هكذا كان ينظر الأوروبيون، ومن بينهم الألمان إلى مواطني الشرق، بصورة عامة، ولكن الربيع العربي بدّل هذه الصورة. غيّرها في أماكن، قلبها في أخرى، وأحيانا شوهها بالكامل.

هو الربيع العربي إذن، وكيف تنقله آلة الإعلام الغربي. ولعل سورية أصبحت إحدى البلدان التي شُوهت بالكامل، ثورة وبلداً، فقد حصدت الثورة في بدايتها تعاطفاً كبيراً من الألمان ولكن مع مرور الوقت، وفظاعة ما يشاهده المواطن الألماني، وما يسمعه عن سورية، أخذ وهج الصورة يبهت والتعاطف مع شعبها يخف.

الألماني أعجبته الحالة في ميدان التحرير، حشود تندد بحاكم فتسقطه، وتهلل لآخر فتنتخبه، لكن لا تعجبه الصور القادمة من سورية، جموع مشردة، وأخرى جائعة، وثالثة تحت القصف، وجماعات مسلحة تفتك بالمجتمع، ونظام دكتاتوري يقمع ويقتل بلا هوادة.

"العربي الجديد" استطلع آراء ومواقف وشهادات بعض زوار سورية من الألمان أو سمع عنها، قبل الثورة وخلالها.

كريستينا ليدا، برلمانية ألمانية سابقة، قالت: كان لدي صديقان، أحدهما لبناني والآخر سوري، درسنا معاً في ألمانيا الشرقية قبل التوحيد، وكانا يحدثانني عن بلديهما. تخيلت سورية دائما بلاداً جميلة وتمنيت لو أني زرتها، رغم معرفتي أن عائلة الأسد تحكم هذه البلاد منذ زمن طويل بطريقة غير ديمقراطية، وهذا ما جعل الشعب السوري غير راض، وعلى إثر ذلك تحرك جزء من الشعب ضد حكامه".

وتضيف ليدا: خلافاً لما حدث في تونس ومصر، لا زالت هذه الاحتجاجات مستمرة وقد تحولت اليوم إلى حرب أهلية، وأصبح الجميع أطرافاً في نزاع دامٍ، خاصة مع ظهور إسلاميين متشددين. هذا ما ينقل لنا عبر الإعلام، وتمر فترات طويلة لا نسمع فيها جديداً".

وعن مسألة اللاجئين السوريين، اعتبرت ليدا، "أن استقبال ألمانيا نحو 10 آلاف لاجئ، أمر غير مقبول"، فألمانيا على حد قولها "بلد غني يمكنه استيعاب عدد أكبر من ذلك بكثير".

وكان قبول الحكومة الألمانية بهذا العدد القليل من اللاجئين السوريين قد عرضها لانتقادات حادة من وسائل إعلام ألمانية وصحافيين وعدد من السياسيين. ورغم ذلك قامت مجموعة من العاملين في قسم الهجرة واللجوء بجهد كبير في مدينة (رودل شتات) الألمانية، لإقناع سكان تلك المدينة بالكف عن التظاهر ضد إنشاء مركز جديد للاجئين في مدينتهم، يتوقع أن يكون أغلب رواده من السوريين.

وحجة أهل المدينة لرفض المزيد من اللاجئين، هو الضجة التي يحدثونها، وعدم انسجامهم مع الحياة الأوروبية، والمجتمع الألماني على وجه التحديد.

ولا تقل مشاهد دمار المدن والمواقع الأثرية في سوريا، تأثيراً لدى الشعب الألماني عن مشاهد القتل، وضحايا آلة النظام السوري الحربية، واللاجئين. فبالنسبة لشعب عانى من حربين عالميتين، وعايش بعضه الحرب العالمية الثانية، حيث دمر معظم مدنه وتراثه، يثيره دمار الحضارة والتاريخ أينما كان، لإدراكه كم استغرق من جهد ووقت، كي يعيد بناء ما تم تدميره، ويعيد له الحياة.

الطبيب جونتر بوف، زار سورية منذ سنوات عدة بدعوة من أحد أصدقائه القدامى الذي درس معه في ألمانيا الشرقية سابقاً، يقول لـ"العربي الجديد": أنا شديد الحزن لما آلت إليه الأمور هناك، شعب طيب وحضارة عريقة، فلا تكاد تخلو مدينة واحدة من قصص التاريخ. نشاهد هذا ينهار كل يوم. لقد خططت قبل بدء الثورة بقليل لزيارة سورية، ولكن صديقي نفسه عاد إلى هنا بعد أن ساءت الأحوال هناك، والسؤال الملح والمستمر، كلما شاهدت نشرات الأخبار. متى سيتوقف كل هذا؟".

كريستيان شولدر، شاب ألماني عاش فترة من الزمن في دير (مار تقلا) ببلدة معلولا في ريف دمشق، ورافق الأب باولو، في كثير من المسيرات، وتعرف على الأب فرانس وحادثه هناك. يجمع شولدر، ذكريات كثيرة وصوراً عن سورية. يتابع كثيراً الأخبار المقبلة من هناك.

يقول: حتى الآن أحدث الناس هنا عن سورية، عن شعبها، تنوعها، يسمعون ولا يصدقون؛ فالأخبار القادمة من هناك تخلق تناقضاً كبيراً مع ما أرويه لهم. تعلمت العربية في سورية، وأنوي المتابعة، وأنا أعمل الآن مع اللاجئين السوريين وأرغب في تواصل أفضل معهم. أتذكر بشكل واضح خلال الأحداث في سورية، حين جاءت مجموعة من العناصر المسلحة إلى (الدير) رموا النار بشكل عشوائي ورحلوا، لم نعلم لأية جهة يتبعون، ولكن بدا واضحاً أنهم تابعون للنظام، كانوا يحاولون بث الرعب. لم أتمكن من البقاء طويلاً هناك بعد هذه الحادثة، ولكني ما زلت أرى سورية بلداً جميلاً يدمر وهذا يحزنني كثيراً، ويفقدني الأمل في زيارة سورية مرة أخرى".

شتيفان مولر، شابة ألمانية باحثة في الشؤون الإسلامية، تعلمت اللغة العربية وسافرت إلى مصر وسورية، قبل الربيع العربي وخلاله، تقول: كثيرون هنا لم يعرفوا سورية، كيف كانت، وكيف أصبحت الآن، وكثيرون لا يفرقون بين دولة عربية وأخرى، فجل ما يعنيهم الآن هو إنقاذ مسيحيي الشرق، بما فيهم السوريون. يتصورون الأمر على أنه صراع إسلامي-إسلامي، وأن على المسيحيين تجنبه. من الصعب شرح أن ما يجري في سورية هو ثورة كما كانت في مصر، فالعقل الغربي لا يفهم الفرق بين البلدان العربية، وربما هنا تكمن المشكلة.

وعلى المنوال نفسه، تنسج شادية أبو حمدان، إحدى الناشطات في تقديم المساعدات للاجئين السوريين وتنظيمها في ألمانيا، فتقول: الثورتان، المصرية والتونسية نجحتا في حصد جماهيرية وتأييد شعبي، رغم أن النتيجة قد لا تكون مرضية للكثيرين، ولكن تأييد الثورة السورية وفعالياتها، أصبح أقل في مدينة مثل برلين، فالحماس لها قد تراجع كثيراً، وبات الناس يمرون بجانب الاعتصامات الاحتجاجية الخاصة بالثورة السورية من دون أن يلتفتوا إلى المعتصمين، وكأنهم يدركون أن هذا الوضع في سورية قد يستمر سنوات، فالتسليح لم يفقد الثورة شعبيتها فقط، بل أفقدها المانح المالي، لقد أصبح المواطن الألماني الذي كان يرغب في التبرع، شديد الحذر، فربما يصل هذا التمويل لشراء السلاح، كما بات تأثير وحشية النظام السوري ضد شعبه، يتراجع أمام تأثير وحشية بعض التنظيمات المسلحة.

غالبية الصحف والمجلات الألمانية كانت قد عنونت أخبارها وتحليلاتها الإخبارية غداة الانتخابات السورية الأخيرة، بـ"المهزلة"، كما كانت معظم التعليقات السياسية ساخرة، حيال هذه الانتخابات، من قبيل: كيف انتخبوا، أو هل تم إرسال رسالة باستمارة انتخابية إلى صندوق بريدي؟ وهل فوجئتم بالنتيجة؟.

الانتخابات، والحرب، والدكتاتور، واللاجئون السوريون، موضوعات تذكر كل يوم في الإعلام الألماني، ولكنها لا تحدث فرقاً، ولا تصنع رأياً جديداً، فالكل ينتظر، بمن فيهم الأوروبيون، أن تنتهي المأساة فقط.