سورية بين الثورة والحرب الأهليّة

15 اغسطس 2014
+ الخط -

قال المؤرخ الفرنسي مارك بلوك: "سوء فهم الحاضر نتيجة حتمية لجهل الماضي". ما يهمّنا  الحقيقة التي يقدمها بلوك، وهو في عبارته هذه يصف حال معظم الشباب السوريين، الذين دخلوا في ثورة، مع جهل مشاركين كثيرين حقائق عن التاريخ، لو علموها كانت ساعدتهم على فهم ما يحصل، الآن، في حاضرهم، وعملوا على تغيير مجرى المستقبل لصالحهم وصالح بلادهم.

الثورة تعبّر عن محاولة لإنهاء حكم قديم، وإنشاء حكم جديد، وعادة تكون مفاجئة، ونتيجتها تكون تغييراً جزئياً، أو كاملاً في طريقة عيش المجتمع، وتغييراً في الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أمّا الحرب الأهلية فتجري بين طرفين متعادلين تقريباً في القوة والتنظيم داخل حدود دولة واحدة، للسيطرة على الحكم.

ومعروف أن الثورة ينتج عنها تغيير كبير دراماتيكي في تركيب المجتمع، وفي طريقة إدارة البلاد، وتصبح القوة بيد مَن أطاح بالنظام السابق.

وهذا يشكل خطراً كبيراً بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يعتبر سورية من المناطق الاستراتيجية، لعدة أسباب، منها أمن إسرائيل. لذلك، جرى تحويل الثورة إلى حرب أهلية، خصوصاً في نظر المجتمع الدولي والإعلام، لخدمة هذه القوى التي تتصارع على المصالح في الساحة السورية، ولتكون الأطراف السورية المتصارعة مرهونةً بتنفيذ مصالحهم في المنطقة.

ولتحويل أي ثورة إلى حرب أهلية، يجب العمل على تحويل الثوار إلى قوة متساوية سياسياً وعسكرياً مع القوات الحكومية، بالعمل على إنشاء نظير سياسي لحكومة النظام، معترف به دولياً كما هو معترف بالحكومة النظامية.

لذلك، جرى إيجاد الائتلاف السوري المعارض وإعلان الاعتراف به دولياً كجهة ممثّلة للشعب السوري، وليس الجهة الوحيدة.
 
كذلك جرى العمل على إيجاد ما يسمى "توازن القوى العسكرية"، وهذا عبر السماح بدخول الأسلحة إلى الثوار، وتشكيل قوى عسكرية عدة لتكون مناهضة للقوات النظامية، وإبقاء هذه القوات تحت سيطرة الجهات الداعمة، بطرق مباشرة وغير مباشرة.

وكذلك السماح لقوات المعارضة بالاستيلاء على نحو ٥٠٪ من الأراضي السورية، لتتساوى بذلك مع النظام. ومنعها من التقدم في المناطق الاستراتيجية، وذلك عبر التحكّم بكميات الذخيرة والأسلحة التي يتم منحها إياها، وقطع الدعم عن المناطق التي لا يُراد تحريرها. ومثال على ذلك حمص والخط الأحمر الذي وُضع منعاً لتحريرها وإبقائها محررة.

وبذلك، أصبحت قوى المعارضة مساوية تقريباً لقوى النظام سياسياً وعسكرياً، وجرى إنجاز شرط التساوي بين الطرفين ضمن حدود دولة واحدة، فأصبح وَسمها بالحرب الأهلية مقبولاً في نظر المجتمع الدولي، وفي نظر الإعلام العالمي والعربي.

ومن ذلك، نستنتج أن ما بدأ في سورية ثورة حقيقية، جرى تحويلها، بأيدي القوى العظمى، إلى حرب أهلية، بعد منتصف العام الثاني من الثورة.

في حالة الحروب الأهلية، يشكل نصر أحد الطرفين، أحد الخيارات، وهو الوسيلة الأنسب لإنهاء الحرب، إذ تكون الحروب التي تنتهي بنصر أحد الأطراف احتمالية إعادة اندلاع الحرب فيها أقل.

بينما يظهر التقسيم خياراً آخر، ويعدّ من الحلول الفُضلى لدى المجتمع الدولي، في الحالات التي لا يقبل فيها الطرفان المتصارعان بالعيش المشترك، وهذا لمنع إراقة مزيد من الدماء، كما حصل في السّودان وجنوب السودان، وكذلك فصل باكستان عن الهند. لكن التقسيم يحفّز مصاعب كُبرى، أولها صعوبة التقسيم في مناطق قد لا تكون الأطراف المتنازعة مفصولة نهائياً بعضها عن البعض.

وهنا يستخدم العنف، في معظم الأحيان، لإخراج الموالين لكل طرف من أراضي الطرف الآخر، قبل رسم الحدود الجديدة. كما يحصل في حمص وريفها. يأتي ثالث الخيارات عن طريق المفاوضات، وإقامة حكومة انتقالية مشتركة، تضمن الحفاظ على مصالح الطرفين ووجودهما، والحفاظ على الدولة كياناً واحداً يديره الطرفان. وهذا الحل يمنع التغيير الدراماتيكي الذي قد يسببه انتصار المعارضة واستيلائها على الحكم وحدها.

وقد تسبّب دراسة الثورات والحروب الأهلية في التاريخ، وإسقاطها على الواقع السوري، بعض التشاؤم، خصوصاً بعد اليقين بأن الثورة باتت مرهونة في يد الدول العظمى ومصالحها، وأن الأمل بات ضئيلاً في الانتصار على النظام السوري المجرم، إذا بقي الحال كما هو.

ولكن المعرفة وفهم ما يحدث من حولنا، وعدم التخبّط، فائدة بحدّ ذاتها. إذ قد يمكننا، بناءً على هذه المعرفة، محاولة تغيير المسار الذي تُدفع إليه الثورة، ومنع الانزلاق أكثر في هذه المكيدة المرسومة والمخططة والمدروسة بأدق التفاصيل.

نعم، علينا دراسة الماضي، لنفهم الحاضر، كما يقول المؤرخ مارك بلوك، ولكن، علينا العمل جدياً على تغيير الحاضر لكي لا نقع في نهاية مؤلمة له.

avata
avata
شادية العجلوني (الأردن)
شادية العجلوني (الأردن)