سورية.. الموت جوعاً

سورية.. الموت جوعاً

07 ابريل 2015
من مخيم باب السلامة للاجئين السوريين (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
قلبت ثورة السوريين المفاهيم الاقتصادية بالقدر الذي عرّت خلاله نظريات السياسة وشعارات السياسيين، فخمس سنين عجاف أذاقت "بلد الخيرات" وأهليه، ما لم توثقه حرب أو يكتبه مؤرخ، بعد التخلي، الذي يصح عنواناً عاماً، لكل معاناة طلاب الكرامة والحرية في "هذا الزمان الرخو".
يقال في أمثال السوريين "ما حدا بموت من الجوع" ولكن، إلى ما قبل حصار حمص لنحو 700 يوم مات خلالها المئات جوعاً، بعد أن أكلوا كل ما يمشي على الأرض وينب منها، قبل أن تضن، هي الأخرى، حتى بخشاشها ونفدت حتى من القطط والفئران.
والمشهد ذاته اليوم، يتكرر بجنوبي دمشق، في الغوطة ومخيم اليرموك، وإن بحبكة وإخراج أكثر قساوة، جعلت من الإنسان "كومبارس" وأعطت دور البطولة للبصل والزواحف وحتى الفجل.
قصارى القول: بلغ سعر "ربطة الفجل" أقل من نصف كيلوغرام نحو 700 ليرة سورية في مخيم اليرموك المحاصر منذ زهاء 600 يوم، وبات الخبز والأرّز الذي يزيد سعر الكيلوغرام الواحد على خمسة آلاف ليرة من الكماليات، بعد أن نسي من صمد من الفلسطينيين والسوريين بالمخيم، كي لا تتكرر التغريبة ثانية أو ثالثة لكثيرين . كل ما تزدهر به موائد القمم العربية والدولية أثناء بحث قضيتهم، أو تعمّر به "طاولات" المعارضة السياسية خلال أحلام الدولة الديمقراطية بعد سقوط الأسد.
في المقابل، لا يزيد سعر الغسالة أو الثلاجة أو التلفاز في سورية على ألف ليرة، رغم التضخم النقدي الذي جعل من "الألف" أقل من أربعة دولارات، فبكل معنى الكلمة، وليس بالتشبيه أي مجاز، تفرش بيتك في المناطق المحاصرة بأقل تكلفة من إعداد وجبة طعام لأسرتك، وخصوصاً بعد العرض الزائد لأثاث البيوت وازدهار "أسواق السنة" التي يرفدها شبيحة الأسد بمسروقاتهم من منازل النازحين أو حواضن الثورة.
نهاية القول: لم يتبق من سكان مخيم اليرموك الذين نافوا قبل ثورة 2011 مليون قاطن، منهم 250 ألف فلسطيني، سوى الآلاف ممن لم يستطيعوا الهروب أو يخافون "التغريبة الثانية" ليقعوا اليوم بين مطرقة وسندان، حصار وقصاص من نظام وجد في مؤازرتهم ثورة السوريين جريمة وغرباء، وجدوا في "فلسطينيتهم" فرصة للمساومة وفي جغرافية المخيم بوابة لدخول العاصمة وتهديد قصور الأسد.
يقال خلال الحروب إن سعر الإنسان بسعر الطلقة التي تقتله، بيد أنه اليوم، وضمن ما غيّرت الثورة السورية من أعراف ومفاهيم، بات السوري المجازف بحياته ليؤمن خبزاً أو ماء لأولاده المحاصرين، بسعر وجبة طعام أو ربطة فجل تبقي المنتظرين على قيد الأمل والحياة.

اقرأ أيضا:
الغلاء يدفع سوريين للانتحار

المساهمون