سلام هي تونس

26 ديسمبر 2014
+ الخط -

نخجل من الكتابة عن الثورة التونسية المجيدة في زحمة الكلام. نخجل، لأنّ الكلمات، ما زالت تحوم في الفلك المحيط بجوهر الثورة، ولأنها تصبح فعلاً مجسّداً خارجاً من شرايين جسدها الغاضب وأوردتها. وستكون الكتابة عن هذه الثورة المدهشة فعلاً مفعماً بالصدق، إذ تصبح عملا معادلاً لعظمة اليأس الذي تجلى فيها من دون مساومة.
وهكذا تحوّل الانتظار الذي طال إلى ثورة ترسم المستقبل، تلك الثورة الشعبية العارمة التي انطلقت شرارتها الأولى، ذات شتاء عاصف من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010، هي ليست رداً على الاستبداد وحسب، بل ثورة على الماضي بكل تراكماته المخزية وتداعياته المؤلمة.
هل نخجل من الكتابة، لأننا بانتظار "هومير" عربي، لكي يسجّل ملحمة التحرّر العربي الحديثة، وهي تتخبّط في بحر التآمر الإقليمي والدولي، أو لأنّ الملحمة التونسية التي ستكتب بالكلمات ستكون المعادل الحقيقي لعظمة هذه الثورة؟
المقهورون وحدهم يمهّدون الأرض أمام من سيكتب تلك الملحمة، لتدخلَ في سجل التاريخ، عملاً عظيماً يوازي الملاحم الكبرى في حياة الإنسانية.
الغاضبون هم الذين يصنعون أسس عمارة الملحمة التي ستنتصب في مسيرة التاريخ شاهداً على أنّ الكتابة فعل يوازي عظمة الغضب.
لذا، نخجل من الكتابة عن الثورة التونسية المجيدة التي ما زالت إنشاء لغوياً، يبرّر هزيمة قدراتنا على الدوران خارج النبل التاريخي المتمثّل في غضب الثورة.
لهذا تطلّعنا جميعا إلى ملحمة البطولة التي تمثّلت على الأرض بالرفض والمقاومة، وتجلّت في تصحيح التاريخ العربي، بأمثولة تكتب لكل الشعوب العربية، ملحمة خالدة تقاوم القهر والاستبداد، وتكشف زيف قوّة الديكتاتورية العمياء والظلم الحافي، لتمجّد ألقَ الروح الشعبية التي تكتب الشعر بإيقاع الانفتاح على الخلود.
لا أقول إنّ الرأسَ تطأطأ أمام الاستشهاد من أجل تونس، بل إنّ الرأسَ تظل مرفوعة، فخراً بشعب أعزل، آمن بأنّ الشجرة إذا ما اقتلعت تفجّرت جذورها حياة جديدة، وتلك هي ملحمة الانبعاث من رماد القهر، بانتظار من يدخلها ذاكرة التاريخ عملاً عظيماً، يشعّ منارة في المسيرة الظالمة التي تنشر ظلمتها قوى الشر في العالم.
سلام هي تونس، فلا بهجة لأبنائها خارج فضائها، وهي مقامنا أنّى حللنا، وهي السفر.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)