سدّ "النهضة": إشكالية مصرية ووساطة سودانية

سدّ "النهضة": إشكالية مصرية ووساطة سودانية

12 مارس 2015
74 مليار متر مكعّب سعة السدّ (ميناسي وونديمو هايلي/الأناضول)
+ الخط -
تقدّمت مفاوضات مصر والسودان وإثيوبيا، خطوة واحدة الأسبوع الماضي، في شأن التوصّل إلى حلول مناسبة في ملف سدّ "النهضة" الإثيوبي. وبدت الجهود المصرية المبذولة في هذا الصدد متأخرة، في وقتٍ طرقت فيه بوابة دولة جنوب السودان لتأمين بدائل احتياطية في الموضوع المائي. أما إثيوبيا، فكانت قد شرعت في تنفيذ السدّ قبل ثلاثة أعوام، وأكملت حوالي الـ60 في المائة من أعمال بنائه، في ظلّ الخلافات المحتدمة بين الدول المعنية.

من جهته، بدا السودان الرابح الأكبر، في ظلّ إعلانه تأييد سدّ "النهضة" منذ نحو العامين، باعتبار أن في قيامه تحقيقاً لمصالح السودان، بما يتعلق بحصوله على كهرباء رخيصة، والحدّ من الفيضانات التي تعاني منها البلاد سنوياً، ليتحول إلى وسيطٍ بين المصريين والإثيوبيين في محاولة لتقريب المسافات، خصوصاً أن الدول الثلاث فقط، معنية بسدّ "النهضة"، القائم على مياه النيل الأزرق، من دون غيرهم من دول حوض النيل.

وكانت الاجتماعات التي اختُتمت، يوم الخميس، في الخرطوم، بعد ثلاثة أيام من المحادثات التي ضمّت وزراء خارجية السودان ومصر وإثيوبيا، قد ركّزت على سعة السد وفترة تخزين المياه فيه. مع العلم أن القاهرة تنظر للمسألة التقنية من زاوية سياسية، على اعتبار أن أديس أبابا فاجأت الجميع بتحديد سعة السد بـ74 مليار متر مكعّب من المياه، علماً بأن "هيئة الاستصلاح الأميركية"، التي وضعت خطط السدود لصالح إثيوبيا، حددت سعة السد في العام 1962، بـ11 مليار متر مكعّب.

ولم تكن اجتماعات الخرطوم مريحة، فوزير الري الإثيوبي غاب عنها، على الرغم من حضور نظيريه السوداني والمصري. كما أن المفاوضات كادت أن تنهار أكثر من مرة بسبب التوتر بين الوفدين المصري والإثيوبي، وانسحاب الأخير أحياناً من الاجتماع.

ودفعت تلك المحطات الخلافية، الجانب السوداني إلى بذل الجهود لإبقاء الأمور تحت السيطرة، إلى أن تُوّجت المباحثات بوثيقة "سرية" من المفترض أن تحسم الخلافات حول السدّ، ولم يوقّع عليها أي طرف، لكنها رُفعت لرؤساء الدول الثلاث لدراستها ومراجعتها.

وظهر المضيف السوداني، في تأديته دور الوسيط بين الإثيوبيين والمصريين، وكأن الأمر لا يعنيه، على الرغم من نفي وزيري الري والخارجية السودانيين ذلك، مؤكدين على "دور السودان الأصيل في المحادثات باعتباره دولة مصبّ".

اقرأ أيضاً: انقسام الخبراء حول البيان المشترك لحلّ "أزمة النهضة"

وساهمت التصريحات المصرية والإثيوبية، في تكريس دور الوساطة السوداني، في حسم الخلافات حول السدّ، والحدّ من تطورها إلى حدّ النزاع بين الدولتين. ويرى مراقبون أن تأييد الخرطوم السدّ الإثيوبي، ينبع من اعتبارات سياسية، أكثر مما هي فنية، فالمصالح الاستراتيجية التي تجمع الخرطوم بأديس أبابا، والدور الفاعل الذي تؤديه الأخيرة في القضايا الداخلية السودانية والجنوب سودانية كبير.

يتجلّى دور أديس أبابا في احتضانها مفاوضات حكومة جنوب السودان والحركات المسلّحة، وكذلك مفاوضات الخرطوم وجوبا، إلى جانب قيام القوات الإثيوبية بمهمات المراقبة في منطقة أبيي، المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان. كما أن بعض الخلافات الحدودية بين السودان وإثيوبيا، تساهم في الحدّ من التوتر في العلاقات، التي يُمكن أن تؤدي إلى احتضان أديس أبابا المعارضة السودانية المسلّحة، الأمر الذي يمكن به زعزعة السلطة في الخرطوم.

وعدا الأسباب السياسية، أكدت وزارة الري في الخرطوم، أن "قرار الحكومة بتأييد سدّ النهضة جاء بناءً على دراسة علمية فنية، أعدّها خبراء أكدوا فيها أن للسد فوائد على البلاد، وسيوفر طاقة كهربائية رخيصة". وأكد وزير الري السوداني معتز موسى، أن "قضية المياه بالنسبة للسودان فوق كل الحسابات السياسية". لكن وزير الري السابق كمال علي، انتقد موسى في رسالة مفتوحة، جاء فيها أن "الخرطوم استعجلت تأييد سد النهضة"، لافتاً إلى "تباين الخبراء السودانيين في ما يتصل بسلبيات السدّ".

وطلب علي الأخذ بعين الاعتبار برأي المختصين، الذين أكدوا وجود "أضرار في السدّ وتأكيدهم بأن قرار الحكومة غير صحيح". وكشف بأنه "يوجد تناقض في القرار الحكومي وارتباك، بالنظر للقرارات الأخيرة التي أصدرتها، في شأن تشكيل لجنة فنية سودانية ولجنة ثلاثية مع مصر وإثيوبيا، ولجنة دولية لدراسة آثار وأضرار ومنافع السدّ على البلاد". ويضيف "من الغريب أن هذه الدراسات ستبدأ، بعد بدء إثيوبيا تشييد السدّ منذ أكثر من ثلاث سنوات، الأمر الذي يؤكد أن موافقة السودان المطلقة على السدّ منذ مايو/أيار 2013، لم تكن مدروسة".

بالنسبة للتحركات المصرية بما يتصل بالسدّ، تبدو أكثر اتّساعاً، إذ إن القاهرة سعت للتواصل مع جوبا بسبب فقدانها الأمل بالخرطوم، خصوصاً أن مصر تنظر لمشروع قناة "جونقلي"، الذي توقف العمل فيه منذ العام 1983 بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في السودان بين "الحركة الشعبية" بقيادة الراحل جون قرنق، والحكومة في الخرطوم، كمنقذٍ لها، في ظلّ مواصلة أديس أبابا تشييد سدّ "النهضة"، المفترض أن ينتهي في العام 2017.

وبعد انفصال جنوب السودان في العام 2011، جعل التضييق الذي واجهته مصر، وخلافاتها مع دول حوض النيل، في ظلّ إعادة النظر باتفاقية "أنتيبي" لتقسيم المياه، القاهرة تنظر لجوبا كـ"بديل إستراتيجي" يؤمّن لها المياه، في حال فشلت مفاوضات سدّ "النهضة" في تحقيق كل ما تصبو إليه. كما أن استمالة جوبا يُمكن أن تحصّن موقف القاهرة حول اتفاق "أنتيبي"، إذ سيكون هناك أربع دول تعارض الاتفاق: مصر والسودان والكونغو وجنوب السودان.

وتعتبر دولة جنوب السودان، الدولة الوحيدة ضمن دول حوض النيل، التي تملك فائضاً من المياه، وتطمح القاهرة في ذلك إلى الاستفادة من مياه النيل الأبيض، خصوصاً أنه غير مرتبط بسدّ "النهضة"، ويمكنها بالتالي تعويض أي إشكالية قد تواجهها جراء السدّ الإثيوبي من جوبا، عبر الاستفادة من تفعيل مشروع سدّ "جونقلي" وإقامة سدود أخرى.

وسيوفر مشروع "جونقلي"، 4 مليارات متر مكعّب من المياه التي تمرّ في النيل، ليستفيد منها مصر والسودان. ونصّت اتفاقية 1959، الخاصة بالمياه، على تقسيم النسبة مناصفة بين الخرطوم والقاهرة، وهذا ما دفع جنوب السودان بعد الانفصال، للمطالبة بمراجعة المشروع وفتحه باب التفاوض من جديد، بغية تقسيم النسب بين الدول الثلاث.

وكان وزير الري المصري حسام مغازي، قد أكد في وقتٍ سابق، أن "جنوب السودان وافق على إعادة العمل في مشروع جونقلي، حين تتحسّن الأوضاع الأمنية هناك، خصوصاً أن الجنوب يشهد حرباً أهلية منذ حوالي العام ونصف العام، تدور معظمها في منطقة المشروع".

لكن تلك الحرب لم تمنع القاهرة من تقديم القرابين لحثّ الجنوبيين على إكمال العمل بقناة "جونقلي"، إذ بدأت أخيراً تمويل وتنفيذ مشروع سدّ "واو" المائي، المتعدد الأغراض، ودعت في هذا الصدد 16 جهة دولية مانحة إلى تمويل المشروع الذي يكلّف ملياري دولار، من أجل تنمية الجنوب وتوليد الطاقة الكهربائية، وتوفير مياه شرب لأكثر من 700 ألف نسمة بالمناطق الجنوبية.

وواجه مشروع قناة "جونقلي"، معارضة قوية، في مرحلة سابقة. ورأى المعارضون أن "لا مصلحة لجوبا في إقامة القناة، ولن تعود بأية فائدة عليها". ورأوا في الخطوة "استغلالاً لموارد الجنوب المائية، مستندين في ذلك إلى دراسة بريطانية صدرت في 1982، ذكرت أن للسدّ مخاطر بيئية كثيرة، وسيحيل المستنقعات الجنوبية إلى صحراء، كما سيُسهم في تغيير نمط حياة القبائل القاطنة على نهر النيل، ما يتطلّب من مصر بذل مجهودٍ أكبر".

ويرى الخبير السياسي محجوب محمد صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع وزراء خارجية السودان ومصر وإثيوبيا الأخير، أدخل متغيرات جديدة في ملف سدّ النهضة، من ناحية التعاون السياسي. الأمر الذي حوّل دور الخرطوم من وسيط إلى شريك أساسي".

واعتبر أن "دخول السودان كوسيط ليس بغريب، لأن في مقدوره تأدية دور الوسيط، لكن خطأه الوحيد يكمن في تأييده السدّ، من دون تحفظات". واعتبر أن "التقارب المصري الجنوب سوداني، ناتج من مصالح القاهرة المائية في الجنوب، ونظرتها إليه كبديلٍ في حال نقص حصتها من مياه النيل الأزرق".

اقرأ أيضاً: خطر سد النهضة على السودان

المساهمون