سارة جاد الله.. "أفضل إنسانة في الدنيا" وبطلة سباحة

سارة جاد الله.. "أفضل إنسانة في الدنيا" وبطلة سباحة

04 مارس 2015
(رسم أنس عوض)
+ الخط -

حين كانت رضيعة، أُصيبت السبّاحة السودانية سارة جاد الله بمرض شلل الأطفال. إلا أن مرضها هذا لم يمنعها من أن تصير بطلة. ولدت في الخرطوم عام 1956، ودرست الرسوم المتحركة والإخراج السينمائي في القاهرة. وتعد أول سودانية تعمل في مجال الإخراج التلفزيوني والسينمائي. حالياً، تدرب على السباحة، وقد صارت جدة اليوم.

كيفَ بدأتِ السباحة؟
الحقيقة أنني دخلت عالم السباحة بالصدفة. لم أفكر يوماً أنني قد أصبح بطلة في هذه الرياضة. فقد أصبت بمرض شلل الأطفال حين كان عمري سنتين. سعى أهلي إلى علاجي من دون فائدة. نصحهم أحد الأطباء بالسباحة كونها تساعد على تقوية عضلاتي. وبالفعل، بدأت أتعلّم السباحة كنوع من العلاج. وحين صرت في السابعة من عمري، طلب مني المدرب الانضمام إلى فريقه والمشاركة في المسابقات. وبالفعل، شاركت وفزت ببطولة الجمهورية حين كنت في الثامنة من عمري. ومثّلت السودان في بطولات حين كنت في الـ14 من عمري.

ما قصة مشاركتك في سباق "كابري نابولي"، وفيلم "فيفا سارة" الذي يحكي مسيرتك، وقد ترجم إلى الإيطالية؟
في أحد الأيام، قرأت عن بطلة مصرية في السباحة تدعى سحر منصور، شاركت في سباق "كابري نابولي". حينها، قررت المشاركة في هذا السباق، وأخبرت والدي الذي لم يرحب بالأمر، باعتبار أنه سباق مسافات طويلة وأنا لم أشارك في سباق مماثل من قبل. لكنني أصريت وبدأت التدريب.

كيف تمكنت من المشاركة إذاً؟
قبل أن يوافق والدي، اشترط عليّ الفوز في سباق محلي في النيل لمسافة 50 كيلومتراً (عام 1975). في ذلك الوقت، كانت الأحوال الجوية سيئة لدرجة أن المنظمين منعوني من المشاركة باعتبار أنني كنت الفتاة الوحيدة. رفضت وأحرزت المركز الثالث بعد 12 ساعة سباحة متواصلة. بعدها، نفّذ والدي رغبتي في المشاركة في السباق الدولي وعلى نفقته.

هل واجهتِ أية عقبات هناك؟
كانت المشكلة أنني لم أسبح في بحر في حياتي. لم يكن معي مدرباً ولا طبيباً ولا أي شخص. وكابري نابولي تعد جزيرة للأغنياء. أذكر أن سائق التاكسي الذي أوصلنا من المطار ضحك حين علم بوجهتنا، حتى أنه اعتبر أننا نمازحه. الجميع كان ينظر إلينا على هذا النحو.

ماذا عن المنظمين؟
هناك اختبارات إذا اجتازها السباح يصير بإمكانه المشاركة، وقد اجتزتها. وقبل أيام من انطلاق السباق، قررت أن أتدرب لوحدي في البحر. حينها، شعرت أنني اتخذت قراراً خاطئاً بإصراري على المشاركة. إلا أن مدرب المنتخب السعودي، وهو مصري الجنسية، سمح لي بالتدرب مع فريقه بعدما اختبر أدائي. وبالفعل، شاركت في سباق الـ35 كيلومتراً وحصلت على المركز الثاني عالمياً. تعبت كثيراً وكنت على وشك الانسحاب لولا التشجيع. كانوا يهتفون "فيفا سارة". ولدى وصولي إلى خط النهاية، جرى رفع العلم السوداني وعزف النشيد الوطني، على الرغم من حصولي على المركز الثاني، فبكيت.

هل وجدتِ تشجيعاً كونك امرأة في مجتمع محافظ؟
أعتبر نفسي محظوظة لأنني ابنة جاد الله جبارة. في السودان، وتحديداً بالنسبة للفتاة، هناك عمر معيّن يفضّل أن تتوقف فيه عن السباحة مراعاة للعادات والتقاليد. لذلك تختفي البطلات. لم أتوقف بسبب تشجيع المحيطين بي، عدا عن أن فترة السبعينيات شهدت تشجيعاً للرياضة، وكنا نرتدي المايوه من دون أي تقييد. ظللت أسبح حتى عام 1990، قبل أن أنتقل للتدريب. لم تخلفني أي بطلة، وهذه مشكلة حقيقية.

هل يتم تنظيم مسابقات في الوقت الحالي؟
ليس كثيراً على الرغم من أنه لا توجد موانع. الخوف يتملّك الناس والمسؤولين. لكن لن تنتهي هذه الرياضة طالما أنا على قيد الحياة. نظّمت آخر بطولة في يناير/ كانون الثاني عام 2014، وشاركت فيها أربع فتيات جامعيات، وقد ارتدين بنطالاً تحت المايوه.

هل هناك إقبال على رياضة السباحة بالسودان؟
هناك إقبال كبير ولكن بطريقة خاطئة. أساساً، ليس هناك أسس واضحة لدعم الرياضة في السودان. على سبيل المثال، نسبح في أماكن مغلقة، كما أنه دائماً ما يكون وقت التدريب غير كاف. نعاني بسبب نظرة الحكومة للرياضة، بالإضافة إلى المجتمع. على سبيل المثال، يقبل البعض بالمشاركة في سباقات محلية فقط.

هل هناك دعم لرياضة سباحة النساء؟
في الوقت الحالي، الرياضة ليست من ضمن أولويات الدولة. على سبيل المثال، وتحديداً في فترة السبعينيات، حين كنت أشارك في سباق، أصر رئيس الجمهورية جعفر النميري على استقبالي.

ما هو عدد البطولات التي شاركتِ فيها؟
شاركت في 19 بطولة محلية وثلاث بطولات إقليمية وعالمية.

ما هي اللحظات الجميلة التي ليس بإمكانك نسيانها؟
أذكر الرئيس جعفر النميري وهو يطلق إشارة البداية للسباق، والجماهير التي كانت تأتي للاستمتاع بالعروض. كان هناك اهتمام أكبر بالرياضة في فترة السبعينيات، وقد أحرزنا بطولات عدة في السباحة وكرة القدم وغيرها. كذلك، كانت هناك معسكرات تدريب في الإسكندرية، وأندية خاصة للسباحة.

هل تعرّضتِ لمواقف مؤلمة؟
كان هناك مهرجان للسباحة في التسعينيات، كنا مستعدين له تماماً، لكن المسؤول رفض مشاركة الفتيات، وأصر على موقفه.

هل كان لإصابتك بشلل الأطفال تأثير عليك؟
لم يشكل مرضي عائقاً لي طوال حياتي. أذكر فقط أنني حين كنت صغيرة، كنت أخبر والدي أن الأطفال يسخرون مني. لكنني حين بدأت السباحة، صرت أشعر بأنني أقوم بأمر مميّز، ولا أحد يشبهني.

هل نجحتِ كونك ابنة المخرج جاد الله جبارة؟
نعم، نجحت لأن والدي جاد الله. من المهم أن يكون هناك إلى جانبك شخص يجعلك متفائلة. حتى اللحظة، أعيش من خلال القوة التي أعطاني إياها. مذ كنت صغيرة، اعتاد أن يقول لي: "أنت أفضل إنسانة في الدنيا"، ولا أقبل أن أكون أقل من ذلك.

ما هي تجربتك مع السينما؟
عملت أكثر في الإخراج التلفزيوني، بالإضافة إلى فيلم واحد وكذلك في مجال الرسوم المتحركة. أراد والدي إنتاج فيلم البؤساء. ومع إصراره، أخرجته بنفسي، لأنه كان قد فقد بصره في ذلك الوقت، إلا أن الفيلم لم يعرض إلا مرة واحدة، عند الافتتاح.

مَن يعيق تقدم المرأة السودانية؟
المرأة تظلم نفسها، وهي من تجبر الناس على التعامل معها بالطريقة التي تريد.

لكن ألا تعتقدين أن هناك قوانين تقيّدها، بالإضافة إلى المجتمع؟
أرى أنه ما زال هناك مساحة للحرية ولو بسيطة. لا علاقة لي بالسياسة. أحب السباحة، وأقاتل من أجل استمرار هذه الرياضة. كثرت القيود المفروضة على المرأة، والمجتمع لا يقبل أن تمارس المرأة الرياضة.

المساهمون