زيارة أوباما إلى الرياض... الجمر والرماد

زيارة أوباما إلى الرياض... الجمر والرماد

30 مارس 2014

عبد الله بن عبد العزيز وأوباما في لقاء سابق

+ الخط -

لا أحد كان يظن في الشرق، أو الغرب، أن العلاقات السعودية الأميركية سوف تصل إلى مرحلة الأزمة، فالمملكة التي راهنت على الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً تراجع نفسها منذ سنوات، وتعيد حساباتها، في ظل تغير متلاحق في أولويات الإدارة الأميركية الحالية، وتراجع اهتماماتها تجاه منطقة الخليج والشرق الأوسط.

كانت الرياض المحطة الأولى في أول جولة قادت الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى منطقة الشرق الأوسط في سنة 2009، لكنها باتت اليوم الأخيرة على جدول جولةٍ بدأت في أوروبا الأسبوع الجاري.
ومن دون شك، لا تقارن السعودية نفسها بدولةٍ من الدول التي مر فيها الرئيس الأميركي، وكانت تود لو أنها استأثرت باهتمام خاص. لكن، ليس في وسعها سوى أن تتقبل الأمر كما هو، فخبر الزيارة، في حد ذاته، فأل حسن، طالما أن أوباما يريد أن "يطمئن السعوديين أنه لن يهجرهم"، على حد تعبير افتتاحية صحيفة التايمز البريطانية، والتي عكست جو القلق في المملكة من سياسات واشنطن.

فجرت السعودية غضبها تجاه السياسة الأميركية، حين رفضت في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أَن تمارس عضوية مجلس الأمن، وعلى الرغم من أنها سعت إلى احتلال مقعد العضوية غير الدائمة التي تدوم سنتين، فإنها تخلت عنها في قرار مفاجئ، فسرته أغلبية الأوساط بأنه رسالة موجهة للرئيس أوباما وإدارته، على الرغم من أن التبرير الرسمي السعودي لم يخرج عما وصفه بـ "ازدواجية المعايير" و"عجز" المنظمة الدولية، لا سيما حيال المأساة السورية.

جاء التقدم في المفاوضات بين إيران ودول (5+1) بشأن الملف النووي، ليعطي مادة غنية لمراقبين كثيرين، ربطوا بقوة بين قرار السعودية التخلي عن العضوية في مجلس الأمن والاتفاق الغربي الإيراني. وهناك من اعتبر توقيت قرار السعودية ذا مغزى واضح، ولو لم يأت احتجاجاً على تقارب واشنطن طهران، لكان في وسع التوقيت أن يتأخر، ولاسيما أن مفعول العضوية كان سيسري رسميا في الشهر الأول من سنة 2014.

ثمة من يرى من المتابعين لتطورات العلاقات بين البلدين أَن المرونة التي أبدتها واشنطن تجاه طهران لم تكن سوى النقطة التي أَفاضت الكأس الملآن، وحركت الجمر تحت الرماد.

تباعد وجفاء

لم يتوقف المتخصصون في العلاقات السعودية الأميركية كثيراً أمام تفسيرات تقدمها شخصيات رسمية سعودية أسباباً للبرود المتنامي بين الرياض وواشنطن، وتتخذ غالبيتها من الوضع في سوريا والقضية الفلسطينية مبررات لذلك.
وقدم خبراء أَميركيون أَسباباً مختلفة، تنسب إلى إدارة أوباما مواقف صريحة حيال جملة ملفات وسياسات سعودية. وهناك من يرى في المواقف الأميركية نوعاً من ممارسة الضغط على الرياض، من أجل إحداث تغييرات جذرية في جملة من الملفات، وليس سراً أَن جناحاً مؤثراً في الحزب الديموقراطي الحاكم يمثله نائب الرئيس، جوزيف بايدن، ووزير الخارجية، جون كيري، يتزعم الحملة.

ومن القضايا التي تمت إثارتها أن السياسات السعودية الداخلية تتراوح بين الحداثة في بعض الشؤون والقرون الوسطى في شؤون أخرى. والأمر الثاني أن التزام السعودية بحقوق الإنسان محدود للغاية، ومعاملتها النساء والسجناء قاسية جداً.

ويتعلق الموضوع الثالث بعملية الإصلاح الداخلي، ويرى الطرف الأميركي أن الملك عبد الله بن عبد العزيز لم يتقدم كثيراً على هذا الطريق، ما سبب خيبة أَمل داخلية وخارجية. وعلى الرغم من وعود إصلاحية قطعها منذ عقد، فإنه لم يقم بخطوات انفتاحيه ملموسة، وكانت الحجة في السابق أَن الإصلاح يواجه معارضة قوية من كتلة داخلية، تلتف حول ولي العهد ووزير الداخلية السابق، الأمير نايف بن عبد العزيز، والذي لم يحصل بعد رحيله في يونيو/ حزيران 2012 أي تغير ملموس في المعادلة الداخلية.

الربيع العربي

تعود بداية البرودة الحالية إلى خلافات أميركية سعودية بشأن ملف الثورات العربية. وقد بدأ التباين بين الطرفين في مطلع سنة 2011، حينما طالبت واشنطن الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي بالتنحي.
وحسب مصدر سعودي، فإن الملك عبد الله اتصل بالرئيس الأميركي، حينذاك، من مقر استراحته العلاجية في المغرب، وطلب منه تخفيف الضغط على بن علي، بحجة أن مسايرة واشنطن التحركات الشعبية من شأنها أن تجرّ إلى الفوضى، وتقود إلى خريطة سياسية جديدة، يصعب التحكم بها.
ويؤكد المصدر أن أوباما اعتذر من الملك عبد الله، وبرر له موقف واشنطن الذي لا يستطيع أن يتجاهل الحراك الشعبي، وأن الولايات المتحدة محرجة من تأييد الأنظمة الديكتاتورية زمناً طويلاً، وتشعر أنها مضطرة لاختيار صف المتظاهرين، وفق نظرة تقوم على ضبط إيقاع المد الشعبي.
ولذا، فإن أكثر ما يمكن أن تدافع عنه في هذه المرحلة هو أجندة إصلاح تقوم بها الحكومات، قبل أن يتطور الموقف نحو الانفجار، ولا تعود هناك إمكانية للتهدئة، أو البحث عن حل وسط. وقال المصدر إن الرئيس الأميركي نصح الملك عبد الله أن يستخدم نفوذه لدى أصدقائه من الحكام العرب، من أجل المسارعة إلى الإصلاح، واقترح عليه أن تتولى السعودية دعوة إلى مؤتمر قمة عربي، يناقش مسألة الإصلاح، وأن تتقدم بمبادرة في هذا الشأن، لكن العاهل السعودي اعتذر عن ذلك، لأن عرضاً من هذا القبيل لن يكون له صدى خارج بعض الدوائر الخليجية.
وأشار المصدر إلى أن الملك عبد الله فهم من الاقتراح الأميركي أن تتبنى السعودية استراتيجية تنمية عربية، وتقوم هي ودول الخليج بتمويلها، ما لم يتحمس له السعوديون في صورة عربية شاملة، واكتفوا فقط بأن يباشروه في الخليج بتقديم مساعدات إلى البحرين وسلطنة عمان. عشرة مليار دولار لكل بلد، على مدى عشر سنوات، وهو أمر لم يثر ردود فعل مُرضية، نظراً لتواضع المبلغ المكرس للبلدين، مقارنة بحجم الصعوبات الاقتصادية في كل منهما.

تطور التباين الأميركي السعودي، وصار خلافاً حاداً، حينما بدأت الولايات المتحدة تطالب الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، بالتنحي. وهنا، عاود الملك عبد الله الاتصال بأوباما، وكرر على مسامعه ما كان قد طلبه بصدد حالة بن علي، بل أبلغ أوباما أن السعودية تعتبر رحيل مبارك خطاً أحمر، ولن تقف مكتوفة الأيدي.
وانعكس ذلك، لاحقاً، في ممارسة ضغوط اقتصادية على الحكم المصري خلال حكومة عصام شرف، من أجل منع محاكمة مبارك وأفراد عائلته.

نقطة الخلاف الأخرى، هي قرار المملكة إرسال قوات عسكرية إلى البحرين، خلال التحركات الاحتجاجية سنة 2011. ويؤكد مصدر سعودي أن الرياض لم تستشر واشنطن بالأمر، عندما قررت إرسال قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين.
كما أن السعودية امتنعت عن الأخذ بنصيحة أميركية بشأن التعامل مع أزمة البحرين، وأَوضحت، عوضاً عن ذلك، أنها لن تتسامح مع أي تحديات ديمقراطية على حدودها، بل، وأنها مستعدة، أيضاً، لتجاهل ورفض أي ضغط أميركي.
وقال المصدر إن الجانب السعودي تصرف من موقع قوة في لقاءات أعقبت إرسال قوات سعودية إلى البحرين، ورفض طلباً أميركياً بتقديم مساعدات اقتصادية عاجلة إلى مصر، لمساعدة اقتصادها الذي تضرر في الأشهر الأولى التي أعقبت تنحية مبارك، واشترط ربطها بوضع مبارك.
ويرى المصدر السعودي أن التجاذب كشف، في تلك الفترة، عن تباعد بين الطرفين إلى حد شعور الرياض بأن واشنطن لن تتحرك، في حال وصلت رياح التغيير إلى المملكة.

حلفاء جدد

برزت في الأشهر الأخيرة معطيات تتعلق بالعلاقات الثنائية. من أبرزها دعم السعودية الانقلاب العسكري في مصر ضد الرئيس الشرعي، محمد مرسي، وبعدها توقيع اتفاق جنيف مع إيران في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأخيراً، زيارة وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف في 10 فبراير/ شباط الماضي، والتي جرى فيها التركيز على ضرورة أن تتخذ المملكة مواقف صارمة حيال مواطنيها الذين يذهبون للتطوع في صفوف تنظيم القاعدة في سوريا والعراق واليمن.
ومنذ أسابيع، حين تأكد خبر زيارة أوباما الرياض، انتقد الأمير الوليد بن طلال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قائلا إن" تواصله مع السعودية خلال ولايته الأولى كان شبه منعدم، باستثناء زيارة قصيرة قام بها إلى الرياض عام 2009"، وأضاف، تعليقاً على اتفاق جنيف، إنها " المرة الأولى التي تلتقي المصالح السعودية مع الإسرائيلية، وهذا أمر لا يصدق".
وحفلت صحف عربية مقربة من السعودية بمقالات رأي، عبّرت عن غضب سعودي من التقارب الأميركي الإيراني، وعن إحساس الرياض بخذلان الولايات المتحدة أبرز حليف لها في المنطقة.
ووجد ذلك صداه في الصحافة الأجنبية، وتساءل الكاتب، ماري دجيفسكي، في مقال، في صحيفة الغارديان البريطانية، عن إمكان أن تعوض أوروبا الولايات المتحدة، وكتب" لم يعد مستغرباً سماع أن الاتحاد الأوروبي يمكن أَن يصبح حليفاً كبيراً للسعودية في المستقبل"، الأمر الذي يفسر الاحتفاء السعودي بزيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد جفاء طويل بين الرياض وباريس، استمر نحو سبع سنوات.
وبصدد زيارة وزير الداخلية السعودي، كتب الصحافي المعروف، ديفيد أغناسيوس، في صحيفة واشنطن بوست أن دور الأمير محمد، وتسلمه الملف، يعكس حالة القلق السعودي، والدول الجارة لسورية، من تزايد قوة القاعدة داخل المعارضة السورية.
وأشار إلى أن عمل الأمير وزيراً للداخلية، وإشرافه على تنفيذ سياسة مكافحة الإرهاب، والتي تقودها بلاده، يجعله قريباً من الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) والمؤسسات الأمنية الأخرى. وبحسب مصادره، تم الاتفاق على أهمية تنسيق الدعم الذي يجب أن يذهب، مباشرة، للمعارضة المعتدلة، بدلا من جبهة النصرة والكتائب "المتشددة" الأخرى.
تتركز أهمية هذه الخطوة في أنها ترضي الجانب الأميركي الذي ظل يسرب معلومات، أكثر من سنة، عن دعم الأمير بندر سلطان أطرافاً من "القاعدة" في سوريا ولبنان. ولكن، من غير المفهوم، حتى الآن، كيف ستنعكس إيجابياً بما يبعث الدفء في العلاقات السعودية الأميركية، لاسيما وأن هذا الملف، على الرغم من أهميته، ليس الوحيد مثار الخلاف بين البلدين، علاوة على أنه يحتل المرتبة الثالثة على جدول أعمال وضعه البيت الأبيض لزيارة أوباما الرياض، حيث تأتي "جهود إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط" في مرتبة أولى، وتليها "المصالح المشتركة في منطقة الخليج.