رمضان ولّى!

19 يونيو 2015
أفخم الإفطارات كان ينظمها الإخوان (فرانس برس)
+ الخط -
رمضان الذي أعرفه ولى، لم يبق سوى ما لله، وهو يجزي به، حتى هذا خصموا من رصيده الدنيوي، وصار عبئاً علينا إيجاده، بعد أن كان من المعلوم من الشهر بالضرورة، للإنصاف: الاسم، أيضاً، ما زال هو الاسم، "شهر رمضان"، لم يغيروه إلى شهر المشير السيسي بعد!
بهجة الأطفال ومذاق الحواري والشوارع، 40 ألف معتقل، 40 ألف بيت حزين، كم لهم من الأهالي، والأقارب، والأصدقاء، والجيران، 40 ألف مضروب في 40 ألفاً، حتى شعب السيسي وطبقته سيطاولهم من الهم نصيب!

ألوان الشوارع باهتة، نريد أن نفرح، نحاول، لكن مجرد تخيل عزيز وراء ذل القضبان، وبين يدي لا آدمية السجان، يجعل من الفرح صائماً دونما إفطار..


لم أصل، يوماً، خلف الشيخ محمد جبريل، مزاجي في السمع غير ذلك، لكنني أعرف قيمته عند من يحبونه، جبريل جزء من الوجدان الإسلامي في الشهر الكريم، مثله مثل الشعراوي على الشاشة، قبل المدفع، وأذان رفعت، وسحور سيد مكاوي، جبريل ممنوع من الصلاة هذا العام بأوامر عسكرية!

موائد السياسة، وذكريات النضال ضد مبارك، إفطار حزب الوسط الذي ظل لستة عشر عاماً يحاول أن يكون حزباً شرعياً من دون جدوى، مصر كلها كانت تأتي إلى مائدة أبو العلا ماضي وعصام سلطان، إفطار "كحيان" لا ينافسه في فقره سوى إفطار "كفاية" على سطوح مبنى نقابة الصحافيين، كنا نذهب للونس، والشبع من الحبايب، لا الأكل، ما زلت أذكر كلمتي أستاذنا عبد الوهاب المسيري، هنا وهنا، تعليقاته، طلبه إلى الشاعر، عبد الرحمن يوسف، أن يسمعنا قصيدة "امرأة العزيز"، انفعالاته معها مثل طفل أدرك لعبته، أكلته الضعيفة، ونكاته الكثيرة، آخرها كان يشير إلى إشفاق أبي لهب من مصير مبارك في الآخرة، ذلك الذي تجاوزه إلى درك أسفل، بعدها جاءت مانشيتات إحدى جرائد المعارضة: المسيري: مبارك أسوأ من أبي لهب!

أيامها كانت بهجة الإفطار الحقيقية صور نلتقطها وعلى وجوهنا ابتسامات المستقبل مع قاماتنا الرفيعة: عبد الجليل مصطفى، عبد الحليم قنديل، محمد سليم العوا، عبد الغفار شكر، عصام العريان، الشيخ علي جمعة، تخيلوا، وآخرون!

أفخم الإفطارات كان إفطار الإخوان، لم يدعوني يوماً، ربما لطول لساني، أرشيف مقالاتي على "بص وطل" طار ومعه خطابات لا يمكنني تقييمها الآن سوى أنها كانت خطابات لا تحمل من النقد بقدر ما تحمل من الكراهية، يبدو أن ذاكرة الشبكة الرئيسة لم تحتملها، فذهبت أدراج الـ recycle.

موائد المصريين طاولها هي الأخرى كثيرٌ من الخصم، أطعمة وأشربة، غلا ثمنها بشكل جنوني، لم تعد تستوعبه ميزانية الأسرة فوق المتوسطة، زمان، كان عبد المعطي حجازي يتألم من ضياع القيمة في مدينة بلا قلب، يأسى لسلة ليمون غادرت القرية في الفجر ليباع العشرين منها في شوارع المدينة بقرش، والولد ينادي بالصوت المحزون/ عشرون بقرش، بالقرش الواحد عشرون؟!! زاد الصوت حزناً على حزنه القديم، وصار الكيلو بـ 28 جنيهاً، أي 2800 قرش!

حتى موائد الرحمن، وما كانت تحمله من بهجة للفقراء، صارت عبئاً على نفسية بعضهم، من أين لهم أن يطمئنوا أن هذا الذي يأكلونه ليس لحم حمير، من أين لصاحبها نفسه أن يعلم وهو الذي اكتشف، أخيراً، أن أفخم مطاعم القاهرة، التي يأكل فيها القادر على دفع 300 جنيه على الأقل (نحو 40 دولاراً أميركياً) في وجبة لفردين، تقدم لحوم حمير، إذا كان هذا حال القادرين فكيف بالفقراء والمساكين؟

رمضان ولى، وفرصتنا في إعادته كما كان تكمن في قدرتنا على أن نعود نحن كما كنا، في أن نتجاوز لحظات رخيصة إلى أخرى تدفع عنّا ما لحق بنا من صدمات، وعثرات، وتخبطات، وأخطاء، أبحث هذا العام عن هذا الذي ولى، أتطلع إلى مائدة تجمع ما تبقى من ذاكرة الأيام، وتفتح الطريق أمام ما هو آت، رمضان كريم.

(مصر)
المساهمون