رشوة عناصر "داعش" تسهّل هروب المدنيين

رشوة عناصر "داعش" تسهّل هروب المدنيين

09 مارس 2016
المهمّ كان خروجهم من مناطق سيطرة داعش (الأناضول)
+ الخط -
يحاول عراقيون كثر الهروب من سيطرة "داعش". في أغلب الأحيان، يبدو الأمر مستحيلاً، لكن الرشوة تبقى وسيلة ناجعة

لم ينجح تنظيم "داعش" على الرغم من إعلانه "دولة الخلافة" في صيف 2014 عقب سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسورية، في جذب سكان المناطق التي سيطر عليها وجعلهم يؤمنون بمبادئه، باستثناء قلّة. وهذا ما يؤكده هروب أعداد كبيرة من المواطنين من تلك المناطق.

مع كل التشديدات التي يفرضها التنظيم على السكان الخاضعين لسيطرته، يبقى الهرب ممكناً. داعش الذي يطبق قرارات صارمة وتعاليم إسلامية مشددة، يغري المال عناصره، فيفتحون المجال للهرب لمن يدفع رشوة في مقابل حريته.

وفقاً لهاربين من مدن يسيطر عليها التنظيم، فإن بعض الذين انضموا إلى داعش كانت غايتهم فرصة عمل في وقت توقفت فيه أعمال ووظائف كثيرة. آخرون، هم شباب نزقون يبحثون عن القوة والظهور، فكان لهم ذلك مع التنظيم. هؤلاء جميعهم يمكن رشوتهم بسهولة.

خضر الحمداني من الهاربين من الموصل، يقول إن "من يملك مالاً يمكنه إقناع عناصر في التنظيم لمساعدته في الهرب". يضيف لـ"العربي الجديد" أنه هرب قبل شهرين من المدينة، بعدما دفع ثلاثة ملايين دينار عراقي (أكثر من 2700 دولار أميركي) لأحد العاملين في دوريات شرطة الموصل. والأخير كان قد طلب ضعفَي المبلغ، بداية. ويخبر الحمداني أن "هذا الشخص أعرفه جيداً، فهو جار قديم لي. كان منبوذاً وعاطلاً من العمل ويتعاطى الحبوب المخدرة. لكنه وجد في داعش فرصة، لا سيما للتسلط على الآخرين. أخبرته بأنني لم أعد قادراً على توفير الطعام لأسرتي، إذ إنني موظف وحكومة بغداد قطعت الرواتب عن موظفي الموصل". ووافق الرجل على تهريبه في النهاية.

حتى مطلع عام 2015 كانت نسبة نجاح الهروب تصل إلى 80%، لمن يجازف ويسلك طرقات محفوفة بالمخاطر تخرجه من الموصل وتوصله إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد، سواء في كركوك أو أربيل عبر شمال المدينة وشرقها. لكنّ الأمر اختلف كثيراً بعد ذلك، إذ شدد التنظيم سيطرته على المدن الواقعة تحت سيطرته.

نبيل النعيمي أيضاً، خرج من الموصل بعد اتفاق مع عنصر من داعش. يخبر "العربي الجديد" أن نية الهروب كانت تراوده منذ وقت طويل. ولم تسنح الفرصة إلا حينما بادل سيارتَيه بحريته. يضيف: "كان يبدو على هذا الشخص أنه ليس من المتشددين وأنه من ممكن التحاور معه. لذلك وطدت علاقتي به وصرت أتعمد المرور من أمام دورية الشرطة التي يعمل فيها وألقي عليه التحية". وفي أحد الأيام، قلت له إن ولدي مريض جداً وعليّ إخراجه من الموصل لعلاجه في إقليم كردستان، فعرض عليّ المساعدة في مقابل مبلغ مالي كبير من المال. لكنني أقنعته بأخذ السيارتين اللتَين كنت أملكهما. وهكذا هرّبني".

كل الذين هربوا من مناطق سيطرة داعش يؤكدون أن الرشوة منتشرة بين صفوف التنظيم، وأن أمراء وقياديين كباراً يغضّون الطرف في مقابل الحصول على المال بالطرق شتى. ويلفت هؤلاء إلى أن الرشوة باتت طريقة سهلة يلجأ إليها السكان للحصول على ما يحتاجونه من عناصر التنظيم، ليس فقط من أجل الهروب من سيطرته وإنما للحصول على فرص عمل أو مواد عينية أو أدوية.

في مدينة الفلوجة (غرب) التي يسيطر عليها داعش منذ نحو عام، أغرى عامر الزوبعي أحد عناصره بمبلغ 10 ملايين دينار (أكثر من 9 آلاف دولار) فتمكن من الهرب وعائلته، نحو بساتين قضاء أبو غريب ومنه إلى بغداد ومن ثم إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان حيث يستقر اليوم. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن "بالإمكان رشوة عنصر أو مجموعة من الشباب المنتمين إلى داعش. عدد كبير من هؤلاء من سكان المدينة، وبعضهم مجبر على العمل مع التنظيم لكسب ما يعيلون به أسرهم".

من جهته، تمكّن حسن الجميل من قرية واقعة عند أطراف الفلوجة، من الهرب مع زوجته وطفليه بعد تقديمه رشوة بقيمة خمسة ملايين دينار (أكثر من 4500 دولار). يخبر أنه لم يكن يملك ذلك المبلغ، ما اضطره إلى بيع ما يملك من ماشية بمبلغ يقدّر بنحو ستة آلاف دولار، فيما سعرها خارج المدينة لا يقل عن 40 ألف دولار. كل ذلك في سبيل الهروب.

ويؤكد الجميل لـ"العربي الجديد" أنّ "أحداً لم يعد يطيق وجود هؤلاء الذين يحكمون مدينتنا بالخوف والرعب. هم استغلوا موقف العداء بين السكان والمليشيات وكذلك القوات الأمنية التي كانت تحكم المدينة قبل تنظيم داعش، ليتمكنوا من السيطرة على المدينة من دون أن يتعرض لهم سكانها". يضيف: "بالفعل وجد بعض السكان في داعش فرصة للرد بالقوة على تلك المليشيات والقوات الأمنية". ويلفت إلى أنه "ما من حياة في الفلوجة اليوم، فالأعمال متوقفة والأمراض متفشية وأولادنا لا مستقبل لهم. وأهالي المدينة الذين ما زالوا فيها، يعيشون مهدّدين بالموت في كلّ لحظة، إذ المدينة تُقصف من جهة من قبل المليشيات والقوات الحكومية، ومن جهة أخرى يأتي تشدد داعش الذي ينشر الموت بطريقته الخاصة. لذلك، قررت التخلي عن كل شيء، عن بيتي وماشيتي، والهرب من أجل عائلتي".

اقرأ أيضاً: ترك الموصل.. حلمٌ بات صعب المنال