رسائل صامتة للبابا أمام جدار الفصل

رسائل صامتة للبابا أمام جدار الفصل

25 مايو 2014
تمتم البابا صلواته تحت أنظار أبراج المراقبة الإسرائيلية(أسوشيتد برس)
+ الخط -
لم يُرد بابا الفاتيكان أن يغادر الأراضي الفلسطينية المحتلة من دون أن يوجّه رسائل تدين الاحتلال على اجراءاته، بحق أهل الأرض، اذ قبل القداس الإلهي في كنيسة المهد، كانت هناك صلاة خاصة، ملأها بابا الفاتيكان، فرنسيس الأول، بالرسائل ولو الصامتة، عندما اختار التوقف أمام جدار الفصل العنصري الذي يفصل بيت لحم عن القدس، واتكأ عليه متمتماً صلاة خاصة استمرت عدة دقائق.

تمتم البابا صلواته تحت أنظار أبراج اسرائيلية للمراقبة، وأمام الجدار، في المكان الذي توجد فيه بوابة حديدية تفضي إلى القدس وجهة البابا الثانية في رحلة حجه للأراضي المقدسة.

وكان من المخطط أن يسير موكب البابا بسيارته البيضاء المكشوفة من قصر الرئاسة حيث استقبله الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى وسط بيت لحم "شارع الخليل" باتجاه ساحة كنيسة المهد ليقيم القداس الإلهي.

لكن البابا لم يستطع أن يمر مرور الكرام أمام جدار الفصل العنصري المتاخم لمخيم عايدة للّاجئين.

وأوضحت مصادر مواكبة للزيارة لـ"العربي الجديد" أن البابا عندما مر بجوار الجدار قال لمرافقيه في السيارة "أريد أن أترجل هنا". وكان له ذلك، ليمشي خطوات عدة نحو الجدار. وهي خطوات غير مدرجة في برنامجه، المرتب بشدة، تماماً مثلما كانت صلواته أمام الجدار غير مخطط لها.

وحين ترجل البابا سادت حالة من الصمت بين عشرات المواطنين الذين تجمعوا لتحيته. صلّى البابا بينما كان جنود الاحتلال يتمترسون مع كاميراتهم في برج مراقبة، لا تزال آثار حرقه جراء المواجهات مع شبان المخيم ماثلة للعيان.

وغادر البابا المكان بعد دقائق تاركاً وراءه استغاثات أهالي مخيم عايدة، التي كتبوها على الجدار. بعضها كُتب بالأسود والبعض الآخر بالأحمر القاني، مثل كلمة "حرية"، التي يشبه لونها دم أبنائهم الذي ينزف بفعل رصاص جنود الاحتلال الذين يعتلون الأبراج ويغلقون البوابة.

ومر موكب بابا الفاتيكان، بعد دقائق، أمام مخيم العزة للاجئين، واصطف المئات من أهالي المخيم لتحيّته ملوحين بعلمي فلسطين والفاتيكان، وهم يهتفون "يحيا البابا... تحيا فلسطين".

الغالبية العظمى من سكان المخيمين "عايدة" و"عزة" مسلمون، لكنهم بدأوا الإعداد للاحتفال بزيارة البابا قبل أسابيع. ويؤكد أحد القائمين على الفعاليات في مخيم عايدة محمد العزة، لـ"العربي الجديد" أن "البابا هو رمز للسلام، وزياته لفلسطين المحتلة تعني الكثير لنا".

وأضاف "نريد له أن يرى كيف أن المسيح الفلسطيني لا يزال يُصلب على يد الإسرائيلي منذ أكثر من ألفي عام، معاناة المسيح لم تنته والبابا يدرك ذلك، واليوم شاهدَ ذلك بأم عينه".

وانتهى موكب بابا الفاتيكان في ساحة ،أي ساحة كنيسة المهد، إذ أقام البابا القداس الإلهي الذي حضره الآلاف من المسيحيين من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى الرئيس الفلسطيني ورئيس الحكومة رامي الحمد الله، وعدد من أعضاء الحكومة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

وكان الآلاف من المسيحيين قد حضروا فجراً إلى بيت لحم عبر الطرق الرئيسية والفرعية ليتجنبوا عشرات الحواجز العسكرية التي نصبها جنود الاحتلال لعرقلة وصولهم.
وارتدى الكبار والصغار قمصاناً وقبّعات بيضاء كتب عليها "حج قداسة البابا فرنسيس إلى الأراضي المقدسة.. دولة فلسطين 25 – 26 مايو / أيار". ورددوا "معاً نمضي قدماً.. على خطى فرنسيس".

وبدأت ترتيلة بيت لحم "المجد لله في العلا.. وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"، ليترأس البابا القداس ممسكاً بصليب من خشب الزيتون الفلسطيني، يطلق عليه "عصا الراعي"، تم إعداده في بيت لحم خصيصاً للبابا على غرار المقعد الذي جلس عليه.
أما الجدارية خلفه، فكانت صورة العذراء مريم والقديس يوسف والطفل عيسى وهو مغطى بالحطَّة الفلسطينية.

ويرى الفلسطينيون أن لزيارة البابا، معاني مختلفة. وتؤكد المتحدثة الرسمية باسم البابا أميرة حنانيا، أن "هذه الزيارة تعتبر سابقة تاريخية، لأن البابا يزور فلسطين بصفتها دولة، وحضر إليها مباشرةً من الأردن".

والبابا فرنسيس الأول هو أول بابا يزور فلسطين مباشرة عن طريق الأردن. وهو الحبر الأعظم الرابع الذي يحج للأراضي المقدسة المحتلة، إذ سبقه البابا بولس السادس عام 1964، والبابا يوحنا بولس الثاني عام 2000، والبابا بنيديكتوس عام 2009.

المساهمون