رحيل غرايبة لـ"العربي الجديد": "زمزم" مستقلّة عن "الإخوان" والنظام

19 مايو 2014
نطمح لتيّار وطني يمثل كل الأفكار (العربي الجديد)
+ الخط -

يرى منسّق "المبادرة الأردنية للبناء ــ زمزم"، رحيل غرايبة، أن حماية الأردن من الانزلاق إلى الفوضى والاقتتال، يكمنُ في جلوس جميع الاطراف والقوى، بغضّ النظر عن حجمها، على طاولة مستديرة للتوافق على الاصلاح المنشود، وقواعد اللعبة السياسية، وشكل الأردن الحديث.

وحمّل غرايبة، خلال لقائه "العربي الجديد"، جميع الأطراف المسؤولية عن فشل الاصلاح في الأردن، وذلك نتيجة "لتَمترسِ كل طرف على مواقفه ورفضه تقديم تنازلات لصالح الطرف الآخر"، إضافة الى "التفسخ الذي اصاب جسم المعارضة المطالبة بالإصلاح، نتيجة لتباين مواقف مكوناتها حيال الثورتين المصرية والسورية".

غرايبة، الذي شغل مناصب قيادية عليا داخل الحركة الإسلامية الأردنية، كان الفصل من الجماعة ثمناً لمبادرته التي أعلن عنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بقرار صادر عن محكمة الجماعة في 20 أبريل/نيسان 2014 بتهمة "محاولة شق الجماعة"، وهو ما ينفيه غرايبة.

  • اتُهمتَ أنت والقائمون على تأسيس "زمزم"، بمحاولة شق جماعة الأخوان المسلمين، وفصلتم لهذه التهمة، هل حقاً "زمزم" مبادرة انشقاقية؟

- سعينا منذ اليوم الأول للإعلان عن "زمزم"، إلى عدم الخوض في مناكفة مع الجماعة، وحتى خلال المحاكمات التي حدثت ونتج منها فصلنا، قررنا ألا نكون سبباً لإشغال المبادرة عن برنامجها وأهدافها، لكن اشخاصاً داخل الجماعة ازعجتهم المبادرة الهادفة إلى تعظيم التوافق بين جميع الاطراف على الساحة الأردنية، وهذا شأن خاص بهم.

لقد اتُّهمت "زمزم" بأنها مبادرة حمائم (معتدلين) في مواجهة تيار الصقور (المتشددين) داخل الجماعة، لكن الحقيقة أن المبادرة وقف ضدها اعضاء من الصقور والحمائم داخل الجماعة، وحاولوا افتعال الصدام مع المبادرة غير مدركين أن هذا الصدام لو حدث سينعكس سلباً على المبادرة وعلى الجماعة.

  •  تململت بعض قيادات الجماعة، بعد فصلكم، ودعت إلى مؤتمر لإصلاح الجماعة وإسقاط قيادتها الحالية، هل تؤيدون في "زمزم" إصلاح الجماعة؟

- لا علاقة لـ"زمزم" بما يجري داخل الجماعة، وأنا لم تعد لي علاقة بموضوع إصلاح الجماعة، الآن نطرح في "زمزم" فكراً اسلامياً عاماً، وإصلاح الجماعة شأن داخلي يخصّها.

  • تنشط مساعٍ لتطويق الخلاف بين الجماعة والمفصولين لدورهم في تأسيس "زمزم". إذا نجحت تلك المساعي، فهل تعود إلى موقعك السابق داخل الجماعة؟

- أنا أحمل الفكر الاسلامي الساعي إلى تقديم حلول وأطر لكل المجتمع الأردني، فكر يهدف إلى تقديم الاسلام إطاراً حضارياً للأمّة كلها، وليس إطاراً حزبياً يريد الوصول إلى السلطة، والفرق بين المشروعين فرق كبير من حيث الأدوات والوسائل والغايات والقدرة على جمع المجتمع الأردني. أنا أؤمن بأن هناك ممن يحملون الفكر الإسلامي، يسيئون إليه من خلال تقزيمه في فئة تريد الحصول على مكتسبات سياسية، فتجعل الاسلام عامل مواجهة داخل مكوّنات المجتمع.

  •  دعوتم إلى حفل الإعلان عن المبادرة شخصيات محسوبة على النظام، وتربطها علاقة متوترة مع الحركة الاسلامية، ما جعلكم متهمين بالاستقطاب من قبل النظام؟

- طرحنا المبادرة ودعونا جميع الأطراف، من النظام ومن معارضيه، وحضور شخصيات من الجانب الرسمي لا يعني أنهم أصبحوا جزءاً من المبادرة، بل يعني أنهم يؤيدون المشروع الذي تطرحه المبادرة، والقائم على تشكيل جسم من المختلفين داخل الدولة.

لن تكون "زمزم" خاضعة لأي طرف، ولن تكون في جيب أحد، لا في جيب الحركة الاسلامية ولا في جيب النظام، لكن يوجد أشخاص يحاولون التشويش، ويريدون أن يفهموا ما لا نقوله، ويصرون على إلصاق التهم، وأمام ذلك ندعوهم بدلاً من اتهامنا، إلى مناقشتها بالأفكار التي نطرحها، فإذا كانت بحاجة إلى تصحيح نصححها.

  •  ما هو الجديد الذي جاءت به "زمزم" في ظل العديد من الطروحات التي قدمتها المعارضة والدولة للإصلاح في الأردن، ولم تؤدِّ إلى نتائج مرضية لكل الأطراف؟

- في "زمزم"، لا نطرح وجهة نظر محددة، كل طرف طرح وجهة نظرة، اليسار طرح وجهة نظره، والاسلاميون طرحوا وجهة نظرهم، والدولة كذلك طرحت وجهة نظرها، وهذا ليس الحل. الحل يكمن في ما ترى "زمزم" أنه يتمثل في البحث عن صيغة يتفق عليها جميع الأردنيين، الامر الذي لا يتم إلا بجلوس جميع القوى بغض النظر عن حجمها على طاولة مستديرة للاتفاق على ما يجب الاتفاق عليه، على شكل الاصلاح المقبل، وعلى قواعد اللعبة السياسية، وعلى شكل الاردن الحديث الذي يتوافق مع الجميع، لنجنب البلد الانزلاق إلى الفوضى والاقتتال وإراقة الدماء، وبالتالي فإذا طرحنا في "زمزم" وجهة نظر مسبقة، نكون نناقض المنهجية التي ندافع عنها.

ما نريده هو الاستفادة من التجارب الناجحة في العالم، كتجربة بولندا عند انتقالها من الاشتراكية إلى الدولة الحديثة، حين استبقت الذهاب الى صناديق الاقتراع والتنافس بطرح مبادرة الطاولة المستديرة التي اتفقوا فيها على شكل الدولة الحديثة وقواعد اللعبة السياسية، وبذلك اجتازت مرحلتها الانتقالية من دون أن تراق قطرة دم واحدة.

  •  تتحدث عن الاقتتال وإراقة الدماء، هل الأردن مهيأ لدخول هذه المرحلة؟

- الأردن مهدَّد إذا بقي كل طرف متمترساً على مواقفه ويرفض التقدم خطوة باتجاه الطرف الآخر، والأردن ليس محصناً من النزاع والخلاف، وهو لا يختلف عن باقي المجتمعات العربية.

  •  من يتحمل مسؤولية عرقلة الاصلاح في الأردن؟

- المسؤولية مشتركة وكل طرف يتحمل قدراً منها، خلال وجودي في قيادة الحركة الاسلامية، وكنت أيضاً عضواً في الجبهة الوطنية للإصلاح، والتجمع الشعبي للإصلاح، اكتشفت أن كل طرف متمترس خلف موقفه، وأن الخلافات أدت إلى شق الساحة الأردنية.

اللافت أن الخلافات لم تكن على شأن أردني بل على شأن خارجي، وبدأت أول عملية انقسام كبيرة بين الاطراف حول ما يحدث في سورية، عندما كانت كل الاحزاب اليسارية والقومية في جهة، والحركة الاسلامية في جهة ثانية، وزاد في الانقسام بين الطرفين الانقلاب على الديمقراطية في مصر، إذ تفرقت القوى السياسية الأردنية وما زالت متفرقة حتى اللحظة.

  •  أنت لا تحمّل بذلك النظام أي مسؤولية عن إعاقة الاصلاح، وهو المتهم بعدم توفر الإرادة السياسية للإصلاح.

- الاصلاح ليس متوقفاً على إرادة طرف، بل يجب أن يترجم إرادة الشعب الأردني، ويجب ان نصل إلى المرحلة التي يكون فيها الشعب الاردني هو مَن يقرر ويتقدم للأمام، من دون ان تكون إرادته مرهونة لأي طرف.

  • كيف ترى مستقبل الاسلام السياسي في ظل الربيع العربي؟

- أعتقد أن الاحزاب السياسية التي ينطلق برنامجها من الفكر الإسلامي، يجب أن تبتعد عن كلمة اسلام في تسميتها، وهذا ما حدث في المغرب عندما اختار الحزب الاسلامي اسم "العدالة والتنمية" وهو الاسم ذاته الذي يحمل الحزب الاسلامي في تركيا، وكما حدث في تونس حيث اختار الحزب لنفسه اسم "النهضة"، وحتى في مصر اتخذ الحزب اسم " الحرية والعدالة"، وهذا التوجه ينهي المخاوف، وبذلك لا يطرح الحزب نفسه وصياً على الفكر الاسلامي الذي هو فكر حضاري للأمة.

وبالتالي، يجب على الاسلام السياسي أن يستثمر الربيع العربي لإحداث ثورة على الاطر الاسلامية الموجودة وأن يتجاوز الاطر التقليدية، وينطلق الى الفضاء الرحب للأمة، وان يطرح افكاراً عامة ويبتعد عن الصراع مع الآخر داخل مكونات المجتمع.

  • هل توقف قطار الربيع العربي عند سورية، أم ثمّة انطلاقة جديدة؟

- الشعوب العربية قدمت في لحظة شيئاً ثميناً للقوى السياسية، لكن تلك القوى لم تكن في مستوى انتفاضة الشعوب، ولم تتمكن من تأطير الانتفاضة بالطريق الصحيح بسبب الصراعات الحزبية الضيقة والتعصب الذي اضاع الفرصة، لا يعني ذلك ان الفرص مغلقة، لكن تحتاج إلى عقول جديدة وطريقة جديدة تقفز عن الحواجز السابقة.

  • ماذا تتوقع لـ"زمزم" في المستقبل؟

- نتوقع في السنوات المقبلة، أن يصبح لدينا تيّار وطني عريض يمثل الاردنيين من كل الشرائح والأفكار، فنحن نبحث عن الكفاءات أينما كانت، من دون النظر الى الفكر الأيديولوجي، ونحن نطمح إلى مغادرة مربع التنافس الأيديولوجي ونبدأ بالتنافس على البرامج، لأن المواصلة في اقصاء الكفاءة على خلفية لونها السياسي أو موقفها، تمثل معركة طحن ذاتي يؤدي الى تبديد الطاقة والمراوحة في المكان.

دلالات
المساهمون