ربيع العرب تحت أعين الخليج

11 يونيو 2014
+ الخط -
عندما نتأمّل الحالة اليمنيّة، في ظِل الحال الراهن، بالترافق مع الحدثين الأبرز، على الساحتين المصرية والسورية هذه الأيام، وهما الانتخابات الرئاسية في البلدين، والتي نصبت ممثل الجيش وقائده المستقيل، عبد الفتاح السيسي، وأبقت الوريث البعثي، بشار الأسد، في سورية، نخرج بنتيجة واحدة، مفادها: إن النظام في اليمن لم يتقهقر، وإنما تغيرت قشرته. وفي مصر سقط رأس النظام، لكن بقي العسكر بكامل لياقتهم، ليعودوا بقالب جديد. بينما في سورية، عائلة الأسد باقية، ولو على أشلاء الشعب والجيش معاً.

سقط الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في مصر سريعاً، وقدّم الجيش نفسه في صورة المنحاز للإرادة الشعبية، كي ينصب رئيساً مدنياً منتخباً، لم يستطع الاحتفال بعامه الأول في الحكم. بينما في سورية، استمات بشار الأسد في الحفاظ على موقعه، مما أدى إلى اشتعال شرارة الحرب على وقع وحشية النظام، وتدخل الأطراف الخارجية، ليواصل حكم البلد المدمر على أنغام الرصاص الحي. أما اليمن؛ فاستقرت أموره، إلى حد ما، بشكل أسرع، خصوصاً عندما حل القائد العسكري السابق، عبدربه هادي منصور، نائب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، رئيساً، بمبادرة خليجية عبر انتخابات توافقية.

في مصر، كانت الصورة في البداية أكثر إشراقاً، في العامين الأولين من عمر الثورة، على الرغم مما شابهما، لكن عدد الضحايا كان أقل، ولم يكن الجيش في موضع المواجهة مع الشعب، كنظيره في سورية، ومرّ الاستحقاق الانتخابي، الأول بعد الثورة، بنجاح. لكن، لم يكتب لهذه التجربة أن تدوم، فسرعان ما نجحت الثورة المضادة في عكس المسار، عبر مسرحية استجابة العسكر للضغط الشعبي، وإجراء انتخابات نزيهة، ثم ممارسة التضليل والتهويل الإعلاميين ضد جميع القوى، مستغلة حنق فئات من قوى الثورة على الإخوان، نتيجة أخطائها في إدارة المشهد السياسي.

لا يمكن الإنكار، أن أحداث 30 يونيو، كانت المدخل لبوابة الانقلاب العسكري، تحت مسمى خارطة الطريق، ليختلط الثوار بالفلول، في كتابة فصل من فصول النهاية لمخرجات الثورة، وهذا ما لا نعفي "الإخوان المسلمين" من نصيبٍ لا بأس به من المسؤولية. كما حضر الخليج، بكامل ثقله، مهندساً للحل اليمني، وفي سورية، نجد المعركة، أيضاً، ذات إيقاع خليجي، في مواجهة إيران، الداعم الأساسي للنظام، كنوع من نقل المعركة بعيداً، والإجهاز على حليف استراتيجي للخصم، أما في مصر، فقد تصدر المحور السعودي الإماراتي المشهد، في دعم إسقاط الإخوان المسلمين، وقدم الدعم المادي اللامحدود لخارطة الطريق.

وكانت قناة الجزيرة المتنفس الوحيد لنقل وقائع الثورة المصرية طوال ثمانية عشر يوماً ، في ظل سيطرة أكاذيب وتضليل الآلة الإعلامية الرسمية، والموالية للنظام في مصر، ما دفع بعضهم إلى القول: "لولا الجزيرة لما نجحت الثورة"، وبقيت القناة، التي أنشأت فضائية خاصة بالشأن المصري، تمثل الصوت القوي والمنفرد في مواجهة الانقلاب العسكري، كذلك فتحت الباب للصوت الآخر، المتمثل في قيادات الإخوان، المغضوب عليهم في مصر وبلدان الخليج.

بعيداً عن المعسكرين، بتركيبتهما المتناقضة، وحساباتهما الخاصة، والمنظومة الواحدة التي يسبحان في فلكها في النهاية، نستطيع القول إن الربيع العربي لم يحل بعد، وأن ما طالنا لبعض الوقت من نسائمه، ما هي إلا إرهاصات لواقع اقترب، لكنه لا يحتاج إلى أحد حتى يصل إلى أوسكار الحرية والديمقراطية المنشودة، فالثورة عمل شاق له حسابات مغايرة، وهي ليست ترفيهاً، أو نزهة، أو مساراً يحدده من يشاء من خارجه، فما بني في عقود يمكن خلخلته بشكل مفاجئ، لكن ذلك لا يعني إمكانية هدمه، أو إحلال البديل عنه بسهولة، كما أن منطق التاريخ يسلينا، إذا علمنا أن أعظم الثورات التي أثّرت في أوروبا بأسرها، وهي الثورة الفرنسية، مرت بانكسارات طويلة في مسارها، ولم تحقق انتصارها سوى بعد عشر سنوات من اندلاع شراراتها، التي خلقت موجات عديدة داعمة ومضادة. 
 
7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
عمر غازي (مصر)
عمر غازي (مصر)