دور الأيتام ليست خياراً بالعراق.. بل "عيب"

24 أكتوبر 2014
يعاني العراق من نقص في دور الأيتام (فرانس برس)
+ الخط -
التفجيرات المتنقلة في العراق، تعدّ وحدها سبباً كافياً لزيادة عدد الأيتام في البلاد، وإن كانت هناك أسباب أخرى، كالمرض. ميثم مهدي (12 عاماً)، أحد هؤلاء. ما زال الصغير عاجزاً عن تخطي فقدان والده. يزور قبره في النجف الأشرف مع والدته خولة (29 عاماً)، كل يوم خميس. لم يمت في تفجير، بل بسبب مرض السرطان الذي فتك بجسده.

يقول ميثم، لـ"العربي الجديد"، إن فقدانه لأبيه ترك فراغاً كبيراً جداً في حياته، وسبّب له مشاكل نفسية انعكست على تحصيله العلمي وعلاقاته بأصدقائه، لافتاً إلى أنه في السابق، كان والده يقلّه يومياً إلى المدرسة، يراجع معه الفروض المدرسية، يصطحبه إلى السوق، وغيرها من الأماكن العامة، ويراقبه حين يلعب مع أصدقائه في المنطقة، لكن تفاصيل هذه العلاقة اختفت بين ليلة وضحاها. يتابع: "لم أعد متفوّقاً في المدرسة. لم أعد مهتماً باللعب". يشعر بالخوف من الغد. يسأل: "كيف سأتصرّف؟ هل يمكنني الاعتماد على أمي، أم سأضطر للاعتماد على نفسي؟".

حالُ خديجة (10 أعوام)، قد يكون أكثر تعقيداً، فقدت والديها في تفجير سيارة مفخخة في منطقة بغداد الجديدة، شرقي العاصمة، في 26 أغسطس/ آب الماضي، خلال تجوالهما في السوق لشراء حاجاتها المدرسية. يقول عمها، باسل خير الله، لـ"العربي الجديد"، إن "رحيل أبويها تسبب بصدمة كبيرة لها. حتى أنها فقدت النطق"، مبدياً تخوّفه من أن "ينعكس ذلك على صحتها واندماجها مستقبلاً في المجتمع". يضيف: "باتت فرداً من عائلتي، لكن لا يمكن لذلك أن يعوّضها فقدان أبويها".

قانون الشؤون الاجتماعية

تقول وزارة التخطيط العراقية إن "الإحصائيات الأخيرة بيّنت أن هناك زيادة في عدد الأيتام بمعدل 2 إلى 3 في المئة"، نافية في الوقت نفسه "وجود إحصائيات دقيقة". ويوضح المتحدث باسمها، عبد الزهرة الهنداوي، لـ"العربي الجديد"، أن "ارتفاع النسبة مرتبط بالتفجيرات والأعمال الإرهابية التي تطال المواطنين، فضلاً عن الحوادث المرورية والأمراض المستعصية". يضيف أن "الحكومة أولت اهتماماً كبيراً بهذه الشريحة من خلال دعمها سن قانون الشؤون الاجتماعية وإقراره في مجلس النواب، والذي يهدف إلى تأمين عيش كريم للأيتام، فضلاً عن السعي لزيادة دور الأيتام والاهتمام بها بشكل كبير".

من جهتها، تؤكد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن "لديها نحو 22 داراً موزعة على المحافظات، وتُعنى برعاية الأيتام، لكنها لا تتسع للجميع". ويقول الوكيل الإداري للوزارة، فالح العامري، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة لديها دائرة خاصة، وهي دائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، تعمل على تهيئة هذه الدور ومتابعة اليتيم طيلة فترة وجوده فيها، وتلبية احتياجاته من تعليم ومساعدة نفسية، لمواجهة المجتمع". ويلفت إلى أن "عدد الأيتام في الدور لا يتجاوز الـ450، وهو رقم بالتأكيد لا يعكس حقيقة الوضع. فالعائلات العراقية ترفض وضع أبنائها في دور الأيتام لأنها تعتقد أن الأمر مُعيب"، مضيفاً أن "ذلك لا يمنع الوزارة من تهيئة الدور في حال اضطرت إلى استقبال المزيد من الأيتام".

في السياق، تشير رئيسة الهيئة الإدارية لمؤسسة "أم اليتيم"، عامرة البلداوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الزيادة في أعداد الأيتام أمر مقلق في ظل عدم وجود مؤسسات حكومية حقيقية ترعاهم، فضلاً عن أن القانون ينص على مغادرة اليتيم الدار بعد بلوغه سن الرشد. وهذا خطأ، لأن اليتيم في هذا العمر يحتاج إلى رعاية خاصة، ولا يمكن تركه يواجه الحياة وحده في الشارع".

بدوره، يؤكد رئيس منظمة "ابن العراق" والناشط المدني، مهند الطائي، أن "الإحصائيات التي أجرتها منظمته بالتعاون مع منظمة التنمية الدولية بالعراق ومكتب الأمم المتحدة، تشير إلى وجود نحو مليونين ومئتي ألف يتيم في عموم العراق، يتركزون في وسط وجنوب العراق. واحتلّت العاصمة بغداد الصدارة، ووصل عدد الأيتام فيها إلى ما يقارب 420 ألفاً، تلتها محافظة ديالى، شرقي العاصمة (258 ألف يتيم)، ثم محافظة ذي قار، جنوبي العاصمة (180 ألف يتيم)". ويوضح أن "الزيادة تركزت في العامين 2013 و2014".

وتجدر الإشارة إلى أهمية وجود مؤسسات ترعى الأيتام، عدا عن القيام بتوعية اجتماعية بهدف إقناع الأهالي بضرورة وضع أبنائهم في تلك المؤسسات. فذلك قد يزيد من عدد المستفيدين، وخصوصاً أن الدور تؤمّن لهم التعليم وبدلاً مادياً من خلال تفعيل قانون الشؤون الاجتماعية الذي أقر قبل نحو ثلاثة أشهر، ويشير في أحد بنوده إلى ضرورة تأمين مبالغ مالية لليتيم.