دورٌ أميركيّ في تكليف العبادي رئاسة حكومة العراق

12 اغسطس 2014
قطع أوباما إجازته للإعلان عن دعمه للعبادي (ريك فريدمان/Getty)
+ الخط -
بدأت الحقائق تتسرّب عن كيفية تكليف، حيدر العبادي، تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. فقد كشف صحافي أميركي بارز، أن إدارة الرئيس، باراك أوباما، كان لها دور فعّال في إيصال العبادي إلى القيادة في العراق، بالرغم من إدراكها أنه لن يكون أداة طيّعة في يدها. كما أن "فعل" الإدارة الأميركية، يتناقض مع ما يردده أوباما، وكبار المسؤولين الأميركيين، من أن مسألة اختيار من يقود العراق، هو حقّ حصريّ للشعب العراقي، وأن الإدارة الأميركية لن تنوب عن العراقيين في تحديد خياراتهم.

وجاء في تقرير للصحافي، إيلي ليك، على موقع "ذي ديلي بيست"، أن "أوباما ظلّ صادقاً في هذا الالتزام، ونأى بنفسه عن تفاصيل الشأن العراقي، حتى شهر يونيو/ حزيران الماضي، حين استولى مسلّحو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، فكان الاستيلاء، نقطة تحوّل في سياسة أوباما، اللامبالية في شأن العراق".

وأوضح التقرير أن أوباما أصدر توجيهاته، أواخر شهر مايو/أيار الماضي، إلى المسؤولين الدبلوماسيين الأميركيين في واشنطن وبغداد، بـ"التسوّق"، لإيجاد بديل لرئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي. ووفقاً لليك، فإن "فترة التسوّق لم تطل، كون الدبلوماسيين الأميركيين دعموا العبادي بصمت، منذ حوالى 40 يوماً".

وذكر التقرير أن "نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون العراق وإيران، بيرت ماكغورك، والسفير الأميركي في العراق، روبرت بيكروفت، لعبا دوراً محورياً في إقناع السياسيين العراقيين، خلف الأبواب الموصدة، بتمهيد الطريق للعبادي".

وضرب الكاتب مثالاً على ذلك، بما جرى في منتصف الشهر الماضي، عند التنافس على منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، ولفت الى أن "السفير الأميركي، طلب، شخصياً، من البرلماني العراقي، أحمد الجلبي، عدم ترشيح نفسه للمنصب، بالتوافق مع العديد من كبار الطائفة الشيعية، الذين طلبوا من الجلبي الأمر عينه".

وعندما لم يستمع الجلبي للنصائح، فوجئ في الجولة الأولى بحصول العبادي، على 149 صوتاً، في مقابل 107 أصوات له، فترك الجولة الثانية للعبادي، الذي حقق فيها اكتساحاً سهلاً.

ولم يكن منصب نائب رئيس البرلمان، سوى خطوة أساسية للترقّي نحو المنصب الأهم، وهو ما تحقق مساء الأحد الماضي، حين حصل العبادي، على أغلبية أصوات التحالف الشيعي، الداعم سابقاً للمالكي.

وأقرّ الكاتب بأن "الدور الأميركي لصالح العبادي، لم يكن هو العامل الوحيد في إيصاله إلى أعلى سلم القيادة، وإنما كانت هناك عوامل محلية عدة، من بينها رسالة المرجع الشيعي، علي السيستاني، إلى المالكي، وطلبه منه عدم ترشيح نفسه لفترة ثالثة. وهي الرسالة التي ساهمت إلى حدّ كبير، في إقناع الكثير من أعضاء كتلة المالكي بالتخلي عنه".

واستدرك ليك، قائلاً "لا يعني الدور الأميركي في إيصال العبادي، إلى منصب رئيس الحكومة، إطلاقاً، أن الرجل سيكون أداة طيّعة في يد واشنطن".

وفي السياق، لفت مسؤول أميركي متابع للشأن العراقي إلى أن "العبادي ليس رجلنا، ولكنه ليس المالكي، بل هو شخص يمكننا العمل معه".

وبرّر المسؤول الدعم الأميركي للعبادي، بأن "تقييم واشنطن لخلفية الرجل، تشير إلى أنه قادر على إشراك الجميع، وقادر كذلك على حكم العراق، والاهتمام بمصالح العراق، لا بمصالحه الضيّقة، كما كان الحال عليه مع سلفه".

ومما يدعم صحة المعلومات التي أوردها موقع "ذي ديلي بيست"، مسارعة أوباما، بإعلان وقوف الولايات المتحدة إلى جانب العبادي، حتى أن الرئيس الأميركي، قطع جزءاً من إجازته التي يقضيها في جزيرة مارثاز فاينيارد، في ولاية ماساشوسيتس، ليقدّم للأميركيين، اسم رئيس وزراء العراق الجديد، في خطاب متلفز، كرّسه لقطع الطريق على المالكي، في مقاومة التغيير.

وأشار أوباما، إلى أنه اتصل، ونائبه جو بايدن، بالعبادي، لـ"تهنئته، وحثّه على تشكيل حكومة جديدة، في أسرع ما يمكن، كما تعهّدت له بدعمه، ودعم الرئيس فؤاد معصوم، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، طالما أنهم يعملون سوياً على تشكيل الحكومة".

وحثّ أوباما، في كلمته، بقية السياسيين العراقيين، على العمل سلمياً من خلال العملية السياسية، في الأيام القليلة المقبلة، معرباً عن تعاضده مع القيادة العراقية الجديدة، في المهمة الصعبة.
وجدّد تعهده بمساندتها، خصوصاً إذا "عملت على استعادة ثقة مواطنيها، وأشركت الجميع في العملية السياسية، واتخذت خطوات لإثبات تصميمها على تحقيق ذلك".

وبخروج المالكي من الموقع الذي كان وجوده فيه، عقبة أمام التعاون الثنائي العراقي ــ الأميركي الكامل، فإن أوباما أصبح أكثر جهوزية من الناحية النفسية، لمساندة الحكومة العراقية المقبلة، على مواجهة التحديّات والتنسيق مع الدول العربية المجاورة للعراق، لمواجهة خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

كما أن إخراج المالكي، من السلطة، لم تكن في مثل صعوبة إخراج الرئيس الراحل، صدام حسين، ولكن تشبّث رئيس الوزراء المنتهية ولايته بالسلطة، لم يكن يقلّ درجة عن تشبّث حسين بها. ومن المفارقات، أن الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، أزاح صدام حسين، من السلطة بالقوة العسكرية، وبتكاليف مرهقة، في حين أن أوباما يزيح المالكي، من السلطة، بانقلاب دبلوماسي ناعم، وتكاليف تكاد لا تذكر.

المساهمون