دراما بين السرايات: الهروب من ماكينة النسخ

28 يونيو 2015
بوستر المسلسل (فسيبوك)
+ الخط -


بعيداً عن أجواء الرفاهية والديكورات الفخمة التي اعتمدت عليها أغلب الأعمال الدرامية هذا العام، جاء مسلسل "بين السرايات" الذي يخرجه سامح عبد العزيز وكتبه أحمد عبد الله، ليروي تفاصيل صراعات معزولة وصغيرة في حياة أناس بسطاء تجمعهم حارة شعبية، يعيش أغلب سكانها على ما توفره لهم المكتبات وماكينات النسخ وخدماتهم لطلاب الجامعات.

وقد راهن العمل على لا مركزية البطولة، مما جعل المتابع أمام أكثر من قصة تدور في فلك واحد، ومنحه حق اختيار بطله الذي يتابع من أجله المسلسل لمعرفة مصيره ضمن الصراع الدرامي، مثل شخصية "مخلص" التي يؤديها باسم سمرة وهو صاحب إحدى أهم مكتبات الحارة لكنه يعاني من مشكلة العقم، ويضع المشاهد في التباس شديد أمام تحديد الجانب الذي تقف فيه الشخصية، فأحياناً يظهر عاشقاً مع زوجته وبارّاً بوالديه، وأحياناً أخرى يظهر أنانياً ومسيطراً على شقيقه الأكبر ومحتالاً ماكراً مع أستاذه في الجامعة.

أما شخصية "صباح" فقد جعلت سيمون تعود بقوة إلى الشاشات وتتجاوز بها كل ما أدته من أدوار سابقاً، إنها شخصية مركبّة وعميقة، فهي تمثل الأرملة الضعيفة التي تحاول أن تجد سنداً لها في الصراع اعتماداً على كيدها وذكائها، مثلما تفعل أختها "قمر" التي تعتقد أنها من أجمل جميلات الحي رغم شكلها المتواضع، وتحاول أن تصطاد "مخلص" لتصبح زوجته الثانية. فيما برعت الممثلة نسرين أمين في أدائها بشكل لافت مثلما برعت سابقا في دورها ضمن أحداث مسلسل "سجن النساء".

واستطاعت شخصية "شادية" التي تؤديها آيتن عامر، أن تجذب المشاهد رغم صغر دورها داخل الأحداث حتى الآن، حيث تجمعها قصة حب مع عادل "حديدة" تعتمد في عمقها على المصالح المتبادلة بين الطرفين، كما نجد قصة حب أخرى تنشأ بين محمد الشرنوبي الذي يؤدي دور وليد وزميلته ابتسام في الجامعة، رغم الفارق الطبقي بينهما الذي يطغى على الجانب البريء في صراع الحياة الماكر.

أما عمرو عابد فقد تفوق على نفسه في دور الشاب الطيب المكافح البّار أمام سامي العدل الذي يؤدي دور والده المدمن على القمار، واستطاع تمثيل ما تعانيه الطبقة المعدمة في النسيج الاجتماعي مثلما مثلّ سيد رجب بأداء ممتاز دور الطبقة الثرية التي تلاحق مغريات الحياة وتعاني من عقوق أبنائها.

غير أن المأخذ الوحيد على العمل كان يتمثل في بعض الهنّات البسيطة في السيناريو، مثل وجود شادية بالحجاب في بعض المشاهد وسافرة في أخرى، أو في حوار بين سمر أو صباح تسألها فيه عن أختها قمر إن كانت كبرت وأصبحت جميلة لأنّها لم ترها منذ فترة طويلة، رغم أنها كانت معها في الحلقة السابقة في رحلة إلى البحر.

وبشكل عام، يمكن القول إن "بين السرايات" نجح في الهروب من ماكينة الاستنساخ التي تقع فيها أغلب الأعمال الاجتماعية، وتجاوز فكرة مركزية البطل الواحد التي تهيمن على الساحة الفنية حالياً، فكل من شاركوا فيه فرضوا نجوميتهم عليه رغم اختلاف مساحات أدوارهم، ولم يعرض قصة واحدة بل مجموعة من القصص المختلفة التي يشكل تلاحمها حبكة درامية متقنة داخل مجتمع كامل، يكتشفه المشاهد بخباياه ومزاياه وعيوبه، كل ذلك بعيداً عن التكرار والتعقيد وقريباً من التشويق والتجديد. فكل قصة فيه لها بطل، وكل بطل له قصة لا تقل أهميته عن غيره داخل الحيز الدرامي الكبير، والذي ما هو إلا مرآة للعالم بأكمله.


اقرأ أيضاً: المسلسلات المصرية: غياب الكبار

المساهمون