وحسب الدراسة التي صدرت عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي ونشرها موقعه أمس الجمعة، فإن المساعدات الإسرائيلية التي يمكن أن تقدم لمصر ستساعد في إحداث تحوّل كبير على مسار التطبيع مع القاهرة، مشيرة إلى أن تقديم تل أبيب خبراتها "العلمية والعملية" في مجال اقتصاديات المياه، والتحلية، والزراعة الصحراوية، ستوفر فضاءات تسمح بتعميق علاقات السلام بين الجانبين.
وبينت الدراسة التي أعدها الباحثان عوفر فنتور ويوغف بن يسرائيل، أن الوزارات والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية ذات العلاقة بإمكانها أن تعد تصورات للتعاون مع مصر في مجال المياه تستند أيضاً إلى إشراك كل من السعودية والأردن والسلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أن هذا التحول سيعزز من مكانة إسرائيل الإقليمية ويرفع من قيمتها الاستراتيجية.
وأعاد معدا الدراسة إلى الأذهان حقيقة أن إسرائيل استغلت مشكلة نقص المياه في الأردن من أجل تعزيز علاقاتها بنظام الحكم الملكي هناك، مشيرَين إلى أن مبادرة تل أبيب بتقديم المساعدات لمصر ستساعد نظام السيسي على تسويق فوائد السلام مع إسرائيل.
وتحذّر الدراسة من تداعيات جيوسياسية وديموغرافية لأزمة المياه الخانقة في مصر، وذلك نتيجة المس بالأمن الغذائي وبسبب تراجع الزراعة، وتوجيه الموارد لتحلية المياه، متوقعة أن يسهم هذا الواقع في تعاظم مستويات الهجرة الداخلية إلى المدن المصرية.
وتوقعت أن تفضي الهجرة الكبيرة إلى المدن المصرية إلى انهيار البنى التحتية هناك بسبب محدودية جاهزيتها لتقديم الخدمات، مما قد يمهد أمام تفجّر احتجاجات جماهيرية داخل مصر تؤثر على الإقليم بأكمله.
وأشارت إلى أن لكل من مصر وإسرائيل تجربة غنية في التعاون في المجال الاقتصادي، لافتةً بشكل خاص إلى "النهج المنفتح" الذي يتبناه السيسي، والذي لا يبدي حساسية من تلقي الدعم الخارجي.
وأوضحت الدراسة أنه سبق لإسرائيل أن قدمت مساعدة علمية وفنية لمصر في مجال الزراعة، علاوة على أن الطرفين قد تعاونا في مجال التصدير من خلال اتفاقات "QIZ"، إلى جانب صفقة بيع الغاز الإسرائيلي لمصر، والتي وُقعت في فبراير/شباط الماضي.
وحسب الدراسة، فإن واقع المياه في مصر يسمح لإسرائيل بعرض الكثير من مجالات التعاون، مشيرة إلى أن المشكلة التي تواجه مصر لا تنحصر في تراجع حصتها من نهر النيل، بل تتمثل أيضاً في تراجع جودة المياه، إلى جانب هدر كميات كبيرة منها بسبب عدم مواءمة شبكات نقل المياه.
وبينت أن المياه التي يتناولها المصريون غير صالحة للشرب، لافتةً إلى أن محطات التحلية توفر فقط 0.6 في المائة من مياه الشرب، في حين أن نسبة الفاقد من المياه تصل إلى 15 في المائة، بفعل الأعطاب التي أصابت منظومة نقل المياه. وأشارت إلى أن هذا الواقع يتكرس في الوقت الذي يتعاظم فيه النمو السكاني، مع وصول عدد السكان إلى 100 مليون نسمة.
وأوضحت أن ما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن إثيوبيا لم تقدم أية تصورات حول كيفية تطبيق التفاهم الذي توصل إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قبل شهرين، والذي التزم بموجبه الأخير بألا يفضي ملء خزانات سد النهضة إلى تقليص حصة مصر من المياه.
وحسب الدراسة، فإن الاتفاقات التي توصلت إليها القاهرة وأديس أبابا تدلل على أن السيسي سلم بحق الإثيوبيين في بناء سد النهضة، على الرغم من الطاقة الكامنة فيه كتهديد وجودي على مصر.
وأشارت الدراسة إلى أن معضلة نقص المياه في مصر ستتفاقم، ليس فقط بسبب تداعيات بناء سد النهضة، بل أيضاً بسبب تراجع منسوب نهر النيل، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، مشيرة إلى أنه في أواخر ستينيات القرن الماضي كان النيل يضخ 84 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، في حين يضخ حالياً 56 مليار متر مكعب فقط.