داعش في أرض الاستبداد

داعش في أرض الاستبداد

13 يوليو 2015
+ الخط -
يعتقد الكل أن داعش، حيث خطرها على الحدود المرسومة على الخرائط التي تحددها بدقة الأقمار الصناعية الراصدة الموجودة في هذه الأماكن، هي التي تحمل الرايات السوداء. ولكن نسوا قبل أن ينطلقوا أن داعش ما هي إلا "فكرة"، نمت في أرض الاستبداد الخصبة لكل فكر شاذ، وترعرعت في ظل حكومات مهترئة، نسيت واجبها الوطني والقومي تجاه شعب يدفع الفواتير دائماً، بل وكل واجب من الممكن أن تكتبه حكومة مسؤولة تجاه شعبها، قد يبدو العنوان غريباً، لكنه حقيقة ستثبتها الأيام المقبلة، لمن ينظر في المشهد جيداً، والتي أكدتها مقابلاتي عدداً من الشباب المختلف والمتنوع في آرائه السياسية واللامنتمي، وأيضا المنتمي لمسارب الثورة المصرية التي تتعثر خطواتها، وتتلاشى ملامحها أمام نظرة "الضرورة" وخطر "الإرهاب"، متناسيا أن الفكرة تنتشر فعلا، كما يقول شعارهم "الدولة باقية وتتمدد". ولكن أليس في الحكومات العربية من يمتلك شجاعة الاعتراف أن الدولة بالفعل تتجه إلى محاصرة نفسها بآليات قديمة، وبطريقة أمنية فجّة، لا تحارب فيها الفكرة في المطلق، لكنها تغذيها، وتغذي روافدها المتعددة مع مرور الأيام!
ها نحن اليوم نحارب من جديد. ولكن، ليس عدوا واضحا يقف، بعتاده ورجاله وخططه العسكرية على جبهة مقابلة. ولكن، هذه المرة نحارب الوهم والسراب المتلاشي في أفق سيناء، يحسبه المقاتل الذي جاء من أقصى الأرياف، ليطارد طريدا فر من المدنية، بعد أن حاربته، وجعلت منه شذاذ آفاق يحمل الثأر في يديه، ويتخفى خلف دروع الحقد المتراكم عبر السنين والتجاهل المميت الحانق لأي شخص سوي، فالإرهاب ليس أشخاصا بلحى يحملون الرصاص والمتفجرات والدم، كما كتب السيناريست وحيد حامد في أفلامه التي حاربت الإرهاب في التسعينيات، وأحدثت لدى المتلقي رؤية نمطية لذلك.
ولكن داعش فكرة تتمدد مع تيار الزمن وعفونة الحاضر، ووجود أي مستبد فقط على الساحة سيشعل النيران من جديد أو يذكّيّها، وليس عليك فقط سوى خنق أصوات الرأي والرأي الآخر، لتنتشر أسرع وبإيقاع سرطاني قاتل، وأنت كفيل بصناعة داعش في كل مكان، حتى أنه قد يوجد في العاصمة وقلب بيتك من يؤمن بهذه الأفكار، بعد يأس الإجابة على سؤال المستقبل لشباب لم يقدم بعد أوراق اعتماده في الحياة، وقد تجاوز الثلاثين من عمره.
لهذا، أنت تحارب في المكان الخطأ، ولا أقول لك أترك معركتك، فالكل عدوٌ لهذا الوحش الذي كسر قمقمه. ولكن، انظر خلف ظهرك جيداً، لتجد وحشا مفترسا ينتظر اللحظة المناسبة، لينقض على ما سيتبقى من بقايا الوطن، والذي سيدفع فيه الجميع الثمن باهظاً جداً.
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
عمر صقر (مصر)
عمر صقر (مصر)