داعش عراقيّاً وسوريّاً

داعش عراقيّاً وسوريّاً

26 سبتمبر 2014
+ الخط -

منذ انقلاب 1970 في سورية، ومرحلة الاستيلاء على الحكم، بكل ما رافقها من الفوضى والارتجال، وصولاً إلى الهيمنة وبسط النفوذ في 1985، وسورية الدولة تعيش في عزلة، وخارج مفاهيم الزمن. فقد طالت سياسة القمع والإقصاء كل ما هو سياسي، وطورِدَت حركات اليسار المختلفة، واعتقل كل أصحاب الرأي. 
 
وفي مارس/ آذار 2011، اندلعت الأحداث في سورية، واستعان النظام بمنظومته القمعية، وتأسست على أثرها خلية الأزمة، بشقّيها الأمني والسياسي. تواصلت الاحتجاجات، واتسعت رقعتها، فعمد النظام إلى تعديل الدستور وقوانين إدارية، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، وازدحم المشهد السوري باللقاءات والحوارات والمبادرات، لفهم وجع الشعب المنتفض! ولكنْ، يبدو أن أسرة الأسد لم تستطع تحمّل الضغوط السياسية، فعادت إلى طبيعتها الأمنية الشرسة، والأرجح أنها اصطدمت مع خلية الأزمة الأمنية التي كانت تتعاطى بنوع من العنف المعتدل، فجاءت عملية تصفية خلية الأزمة في سياق لم تتكشّف خيوطه بعد.

لا تهمّ هويّة قاتل الخلية، بقدر فهمنا أن القضاء عليها أنهى فترة السلطة الأمنية السورية، وحوّلها بيد السلطة الأمنية الإيرانية. عمليّاً، المؤسسة الإيرانية أدهى وأمكر من أسرة الأسد الحاكمة، لأنها تريد، منذ البداية، مصلحة دولة إيران، وليس مصلحة الوطن السوري، وأكبر دليل أنها لم تسعَ لتبنّي أي تسوية طوال مراحل الصراع، بحيث ترعى مصالحها، وتُبقي على نفوذها، بل على العكس تعنّتت في رفضها، وانتهجت سياسة تكريس الاستقطاب وتعزيز الانقسام على الأرض، فكان ما يلي:
 
1- قسم خاضع لسيطرة النظام: حيث وزّعت الجيش على أطرافه لحمايته من أي اختراق، وأبقت على معارضة هرمة كواجهة شكلية، وتركتها تعقد اجتماعاتها، وتنسّق معها وتُصدر بياناتها.

2- قسم خاضع للجماعات المسلحة: تقاتل النظام بمختلف شعاراتها الدينية، بالإضافة إلى أصوات علمانية، من هنا وهناك، ليس لها تأثير، لكنها ظلّت تعارض فكرة الحل العسكري والتدخل الأجنبي، لأنها تخشى أن تتحول الديكتاتورية العسكرية الفاشلة إلى ديكتاتورية دينية.

وقد أتقنت إيران هذه المعادلة، وسَعَت إلى شرذمة المعارضة في الأجزاء الخارجة عن سلطة النظام، فابتدعت ثقافة الإفراج عن أخطر المعتقلين من السجون السورية والعراقية، بالتعاون مع نوري المالكي، وأتاحت الفرصة لتنامي قوة التطرّف. وتوالت الأحداث لتمهّد قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام، ومن ثم إعلان دولة الخلافة الإسلامية في مرحلةٍ باتت فيها المسيطر الأول والقوة الضاربة على مساحة جغرافية كبيرة، بينما بقيت الفصائل المقاتلة الأخرى موزعةً في أماكن متفرقة، وأكبر تمركز لها في حلب وريف إدلب وغوطة دمشق والقنيطرة وجنوب درعا.

وبسبب المماطلة في الدعم الدولي، وضعف الأداء السياسي للمعارضة، تولّدت هوّة شاسعة بين الجناح المسلح والائتلاف المعارض. تلمّست إيران عدم جدية المجتمع الدولي، وانكفاء حكومة البيت الأبيض عن الملف السوري، مقارنة بما حدث في ليبيا ومصر، فعمدت إلى التمكين لحزب الله بشكل فاعل ومنظّم على الجبهات الاستراتيجية، وتجييش النزاع الطائفي في المنطقة، لتسهيل تجنيد الميليشيات الشيعية، وهذا الأمر يخدم حكومة طهران الدينية، ويبرّر مواقفها أمام الشيعة والعالم، ويهمّش من انتقاداتها في انتهاك حقوق الإنسان، وقمعها الكتل العلمانية على الساحة الداخلية.

نوري المالكي، الذي جازف بوضع البلاد والمنطقة كلها تحت رحمة حرب طائفية واسعة وسيف التقسيم، نجح في دفع كتل سنيّة إلى أحضان "داعش"، كما فعل، ويفعل، بشار الأسد، وهذا ما سعت إليه إيران حثيثاً، لأنه يعيدها إلى صدارة المشهد. والسؤال: هل ترضى إيران بأن يقوم إقليم سنّي متشدّد يسيطر على الحدود الغربية وبواباتها، ليقطع عليها هلال التواصل مع سورية، حيث رمت بكل ثقلها، ولا تزال خلف النظام هناك؟

وإذا استبعدنا فرضية التنسيق بين واشنطن وطهران، فإنه لا بد من التسليم بالتقاء المصالح في حربهم المقبلة، كما عبّر بول بريمر صراحة: "لا وجود لأي تعاون سرّي بين واشنطن وطهران، هناك فقط التقاء مصالح لإلحاق الهزيمة بداعش". من هنا، يُفهم من إعلان أوباما عن خطته لدعم الجيش في العراق والثوّار في سورية، أنه في الواقع يبحث عن أدوات لحربه المقبلة. ولذلك، لن ينجح أي تدخل أميركي، أو إيراني، في مواجهة هذه "الدولة"، ما لم يحصل بعض أهل السنّة، مُدُناً وقبائل وعشائر وكتائب مقاتلة، على بديل مقنع. هذا البديل هو إشراكهم في إدارة دُوَلِهم. وإذا كانت إيران تتبجّح، اليوم، بأنها تملك مفاتيح الحل في العراق وسورية ولبنان، فثمّة مَن يتهمها بأنها تقف، ودمشق، خلف قوى "داعشية" باختراقهما هذا التنظيم، ولكن عامل الوقت ضاغط ولا يرحم، وإنّ دَفْعَ المزيد من سنّة العراق وسورية تحت راية "دولة الخلافة"، سيفتح عليها، عاجلاً أم آجلاً، حرب استنزاف قد لا تكون قادرة على تحمّل تبعاتها.

avata
avata
ضرار الحسيني (سورية)
ضرار الحسيني (سورية)