خرائط سورية

30 اغسطس 2019
+ الخط -
يبدو أن سورية سوف تستقر في وقتٍ ليس بعيدا على ثلاث خرائط، تترجم الأمر الواقع على الأرض. وما نشهده حاليا من حروبٍ متنقلةٍ على عموم جغرافية هذا البلد، وما يحصل من تجاذباتٍ دولية، ليس سوى محاولات ترسيم للمشهد المتشظّي، ووضع للنقاط على حروف مناطق النفوذ والنزاع على الغنيمة السورية، واقتسام مقدّرات الشعب الذي بات لا حول له ولا قوة، ولم يعد يملك زمام تقرير مصيره الذي أول من فرّط به هو النظام الذي دمّر البلاد وهجّر العباد، من أجل الاحتفاظ بالكرسي، ولو على مساحةٍ لا تتعدّى القصر الجمهوري في قاسيون. 
الخريطة الأولى هي التي يسيطر عليها الروس والإيرانيون والنظام، وتعد الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان، وتشمل العاصمة والجنوب في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وتمتد نحو الوسط في محافظات حلب وحمص، بالإضافة إلى محافظات الساحل، وسوف تحدد الحرب التي تجاوزت ريف حماة الشمالي نحو ريف إدلب الجنوبي حدودها التقريبية المرجّح أن تتمدّد نحو حدود منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون اللتين تقعان تحت مظلة النفوذ التركي الذي يمتد على مساحةٍ في ريفي حلب وإدلب، بانتظار أن يتسع نحو شريط حدودي، بات يعرف باسم المنطقة الآمنة التي جرى التوافق عليها بين أنقرة وواشنطن، وبدأت المرحلة الأولى منها على طول 88 كلم من مدينة تل أبيض في ريف محافظة الرقة نحو مدينة راس العين في ريف محافظة الحسكة. وسوف يشكل هذا كله المنطقة الثانية التي ستكون لها حدودها مع المنطقة الثالثة في الجزيرة التي تمثل نحو ثلث المساحة السورية، وتقع غالبية هذه الجغرافيا تحت سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" المدعومة بحضور عسكري أميركي، بينما يحتفظ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون بجيوبٍ في مراكز محافظات دير الزور والحسكة والقامشلي.
وما يميز هذا التقسيم الذي انتهت إليه صراعات النفوذ على الأرض السورية هو خروج أهل هذا البلد من المعادلة، وتحوّلهم إلى أحجار شطرنج في صراعات القوى المتنازعة على الجغرافيا السورية، وهذا ينطبق على النظام الحاكم في دمشق بالقدر نفسه الذي يسري على الأكراد في منطقة الجزيرة والفصائل المسلحة في الشمال. وفي حين باتت روسيا هي المقرّر في دمشق، أصبحت الولايات المتحدة الطرف الذي يمتلك سلطة القرار النهائي في الجزيرة. ولا يختلف الأمر في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي تتبع تبعية تامة لتركيا. ويعني هذا الواقع المرير أن سورية باتت مقسّمة إلى ثلاث جزر متناحرة وضعيفة، وتفيد المعطيات كافة بأن المسافة تزداد اتساعا بين هذه الجزر كل يوم.
وصار واضحا أن الأطراف الثلاثة صاحبة النفوذ على الأرض السورية متفاهمة في ما بينها على مسألة الوصاية على هذا البلد. وما يرسخ من تقاسم النفوذ الحاصل أن ما يجمع بين الأطراف أكثر مما يفرّق، وليس واردا في أي لحظة أن تختلف هذه الدول، من أجل أمرٍ يخص مصالح السوريين أو سيادة هذا البلد. ويبدو من طبيعة التفاهمات التي يتجه إليها الوضع، أن الأطراف كافة راضية عن الحصة التي نالتها من الكعكة السورية، فروسيا وإيران والنظام حصلت على ما كانت تقاتل من أجله، وهو ما كانت تسميه "سورية النافعة"، والولايات المتحدة والأكراد سيطروا على المنطقة النفطية والغازية والمساحات الزراعية الشاسعة. أما تركيا فقد حصلت على اعترافٍ من روسيا وأميركا بالمنطقة الآمنة التي جرى وضع أولى لبناتها الأسبوع الماضي، وبذلك ضمنت موقفا أميركيا روسيا ضد أي تهديد كردي.
خرائط الأمر الواقع تضع سورية على طريق التقسيم الذي يتكرّس بقوة الأمر الواقع، ومصالح الدول الثلاث، صاحبة النفوذ.