حين لا تكترث طهران بالتصعيد السعودي "الكلامي"

حين لا تكترث طهران بالتصعيد السعودي "الكلامي"

15 أكتوبر 2014
اجتمع الفيصل بظريف خلال سيطرة الحوثيين على صنعاء(فرانس برس)
+ الخط -

التقى وزيرا الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، والإيراني، جواد ظريف، في نيويورك في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، من دون أن يُنقل ما يفيد بأن الوزير ظريف سمع من نظيره السعودي رفض الرياض "الاحتلال" الإيراني في سورية، مثلاً، بحسب التوصيف الذي أطلقه الفيصل نفسه، يوم الاثنين، في تصريحاته في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، في جدة. وكان لافتاً في تلك التصريحات، أيضاً، أنها جاءت على "ما يحدث من تدخل (إيراني) أيضاً في اليمن والعراق وأماكن أخرى". والمعلوم أن اجتياح الحوثيين في اليمن، والمدعومين سرا وعلنا، من طهران، صنعاء، كان يتم فيما كان اللقاء بين ظريف والفيصل جارياً في نيويورك، وهو اللقاء الأول بين الوزيرين، واللقاء الإيراني ــ السعودي الأرفع منذ تولى الرئيس حسن روحاني الرئاسة في إيران، في أغسطس/آب 2013.

لم يسعف لقاء نيويورك العلاقات السعودية الإيرانية في شيء، ليس فقط بسبب التصريحات الجديدة للفيصل، وإنما بسبب مضي طهران في خياراتها الساعية إلى مزيد من تحقيق النفوذ الإقليمي في غير بلد عربي، ولا سيما في العراق وسورية، والأخيرة تخوض فيها طهران حرب حياة أو موت، بشأن إبقاء نظام الرئيس بشار الأسد في السلطة في دمشق، أيا كان الوضع الأمني في سورية كلها. وليس واضحاً أن طهران في وارد أن تلتفت إلى تصريحات الوزير السعودي بأي مقادير من الجدية، لا سيما وأنها سارعت إلى التعقيب على هذه التصريحات، في قول مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدول العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، إن "بلاده إنما تدعم الحكومتين العراقية والسورية أمام قوى الإرهاب، وفقاً للمقررات الدولية". كلام يؤشر إلى توظيف أو استثمار إيراني مستجد للجهد الدولي، والمسنود بقرارات من مجلس الأمن، في مواجهة إرهاب "داعش" وغيرها في سورية والعراق. وآثر المسؤول الإيراني أن يصرف الأنظار عن جوهر ما أدلى به الفيصل، وراح يتحدث عما أسماه "الوجود العسكري السعودي في البحرين"، والذي اعتبره عائقاً منع المنامة من تجاوز أزمتها عبر الحوار الداخلي.

وتحمل إشارة اللهيان هذه إلى موضوع البحرين، رسالة مبطنة إلى الرياض أن ملف المملكة الخليجية ليس منسياً في أجندة طهران، وأن ما يجري في اليمن (وهو شأن داخلي بحسب اللهيان)، وكذا في سورية والعراق، لا يصرف الأنظار في إيران عن الجاري في البحرين، وفي جديده أن المعارضة لوحت، أو ربما قررت، مقاطعة الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما يعني أن تسخيناً سياسياً للأزمة الداخلية في البحرين، الجار الاستراتيجي للسعودية، على وشك الحدوث، ومن المرجح أن ييسر لإيران مدخلاً يغريها بأن تطمح إلى التفكير في المنامة، عاصمة عربية خامسة في مجالها، بعد صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد، على ما قال بشأن هذه العواصم الأربع، نائب في البرلمان الإيراني، من دون حرج أو حياء.

والرسالة الأوضح في تعقيب عبد اللهيان على سعود الفيصل أن طهران تؤثر المضي في "المباحثات الدبلوماسية السائدة بين البلدين"، والتي قال إن ما أدلى به الوزير السعودية يتعارض مع "أجوائها"، على أن تنفصل هذه "المباحثات" و"الأجواء" عما يجري في غير أرض عربية، مما تنشط في إحداثه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وإذا ما تم فحص "الرغبة" الإيرانية في هذا الحوار، لن نجدها مؤكدة، فقد دعا وزير الخارجية السعودي نظيره الإيراني إلى زيارة الرياض، وقال إن زيارة مثل هذه مرحب بها في أي وقت، و"إن السعودية مستعدة للتفاوض والتحدث مع إيران"، وذلك في مايو/أيار الماضي، غير أن الأخير امتنع عن الترحيب بهذه الدعوة، وهو الذي سبق أن زار الدوحة والكويت ومسقط وأبوظبي. وقد عمد بعد لقائه الفيصل في نيويورك، قبل نحو أسبوعين، إلى اعتبار هذا اللقاء "صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين"، وأبدى أملاً في أن يكون لهذه "الصفحة" "آثار إيجابية لإحلال السلام والأمن في المنطقة والعالم، ولمصالح الأمة الإسلامية".

ولا يخطئ الناظر في راهن الأداء الإيراني النشط في المنطقة إذا ما ذهب إلى أن "معسول الكلام" الذي يصدر عن طهران بصدد علاقات جوار طيبة مع السعودية وعموم الجوار الخليجي والعربي إنما هو علاقات عامة، له فاعليته في إشاعة انطباعات خادعة، وهذه من لوازم السياسة الإيرانية، في لبنان، حيث تكمن مصلحة طهران في تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما لم يكن وفق هوى حزب الله، وتعمل على إبقاء حلفائها في العراق متحفزين ومتكتلين ومنتبهين. أما سورية، فبقاء نظام الأسد فوق أي اعتبار بالنسبة لطهران، ولو لم يبق حجر على حجر في سورية. وإخضاع الداخل اليمني إلى قوة حوثيين، كانت لهم مطالب محقة، فذلك من لوازم النفوذ الإيراني النشط. وبينما هذا هو الحال، لا يلحظ المتابع للسياسة الخارجية السعودية غير العجز الكامل عن أي مبادرة أو أي فعالية أو تأثير على مجريات الأمور، بل إن الحليف الأميركي لا يتردد في اتهام الرياض بدعم الإرهاب، وإن يتراجع قليلا عن الاهتمام، حرصا على الإسناد المالي السعودي للتحالف الدولي المستجد ضد "داعش".

ليست السياسة السعودية الراهنة في حال القادر على إجبار طهران على شيء، أو وقف التمدد الإيراني في الجوار اليمني وفي غير ملف. وهذه هي جولات الحوار الأميركية الإيرانية مستمرة، وهذا هو ملف البرنامج النووي يجد سبله للحلحلة، وليس ثمة ما يغري إيران إلى إعطاء الرياض شيئاً في هذا الملف، أو غيره، في لبنان مثلا. ومن المفارقات أن أجواء التفاؤل بأن تشهد العلاقات الإيرانية السعودية اندفاعة حسنة مع مجيء حسن روحاني رئيساً لم تقع على ما يسندها، ذلك أن التحولات والمستجدات الإقليمية جاءت مناسبة لطهران، بأحسن ما تتمنى، وعلى ما يرى مراقبون مطلعون، فإن هذه المستجدات أظهرت أن حجم الخلافات بين المملكة والجمهورية الإسلامية على القضايا الإقليمية، لم يعد كبيراً فحسب، وإنما بات مصيرياً، والرياح لا تمشي في الوجهة التي تشتهيها سفن الرياض.

المساهمون