حلول لنزع فتيل الأزمات الاقتصاديّة بين الأتراك والنازحين السوريّين

16 يوليو 2014
توترات محدودة بين سوريين وأتراك ظهرت أخيراً (وكالة الاناضول/getty)
+ الخط -

بدأت تظهر ملامح العنف بين الاتراك والنازحين السوريين في أكثر من منطقة في تركيا، وخاصة على الحدود، بسبب الاوضاع الاقتصادية تارة، والاجواء السياسية طوراً.

ولعلّ ما حصل في منطقتي غازي عنتاب ومرعش في قهرمان، عند اقتحام شباب أتراك العديد من المحال التجارية السورية وقيامهم بتحطيمها وإقفالها، ما تسبّب في خسائر تقدّر بآلاف الليرات التركية، يشير الى تأزم الاوضاع، ما دفع نائب رئيس حكومة الائتلاف السوري، الدكتور أسامة القاضي، إلى التدخل.

وقال القاضي، لـ"العربي الجديد"، إنه "سيتم طرح الموضوع خلال اجتماع الحكومة، اليوم الأربعاء، لنزع فتيل الاشكال الذي وقع، وأنه تم تكليف وزارتي الإغاثة والثقافة لمتابعة الموضوع والتواصل مع الجانب التركي الرسمي لتهدئة الأوضاع، مشيراً الى وجود أبعاد سياسية في النزاع".


سياسة مغايرة
حادثة مرعش في قهرمان، وغيرها من الحوادث، بدأت تثير مخاوف النازحين السوريين، وخاصة أنها تطال لقمة عيشهم في تركيا، وتحديداً في مدينة إسطنبول، حيث أغلقت بلدية الفاتح مطعم "أبو أيمن" بحجة عدم وجود ترخيص.

وقال صاحب المطعم، لمراسل "العربي الجديد": "بدأت تلاحقنا البلدية والمالية في هذه الظروف، والمستغرب هو توقيت هذه الملاحقات، بالرغم من أن افتتاح المطعم تم منذ ما يقارب العام، لكن البلدية طلبت إقفال المطعم لغياب التراخيص، علماً أن الاقفال خلال شهر رمضان، سيكبّدنا خسائر نتيجة فساد المواد الأولية وأجور المحل والعمال".

هذه الاحداث تطرح علامات استفهام حول ما يحدث من ملاحقة للسوريين في الفاتح وأكسراي، كما يطرح علامات استفهام حول آلية التشدد في التراخيص التجارية، بالإضافة الى الشروط التعجيزية التي يعاني منها السوريون أثناء تأجير المنازل، فهل يأتي ذلك كله بمحض الصدفة؟ أم أنه نهج سيعتمده الأتراك الى حين انتزاع  فتيل التأزم على الحدود وانتهاء الانتخابات الرئاسية؟

 
العمالة السورية

تشير التقارير الى أن أعداد النازحين السوريين المتزايدة تتسبّب في حدوث هذه الاضطرابات، بالرغم من أنه لا يوجد رقم واضح حول عدد السوريين اللاجئين في تركيا، لكن رئيس إدارة الكوارث "afad"، فؤاد أقطاي، قال لوكالة الأناضول: "إن عدد السوريين اللاجئين في تركيا والمسجلين بشكل رسمي، تجاوز 900 ألف، وإن مصاريف الحكومة التركية على اللاجئين السوريين بلغت مليارين ونصف المليار دولار".

من جهته، صرح رئيس غرفة تجارة مرسين، طلعت دينجير، لجريدة "زمان" التركية، الأسبوع الماضي، إن زيادة المحال والمطاعم السورية في مرسين بشكل غير قانوني، ساهم في إغلاق نحو 250 محلاً تركياً خلال الأشهر الخمسة الأخيرة.

وقالت مصادر إعلامية إن قبول السوريين العمل بأجر أقل ممّا يطلبه الأتراك، أثّر في زيادة نسبة البطالة في بعض المدن التركية، حيث يتقاضى السوري أجراً لا يتعدى 20 ليرة تركية في اليوم، أي ما يعادل 10 دولارات. ففي ولاية أورفة التركية الحدودية والتي يبلغ عدد سكانها المليون ونصف المليون نسمة، والتي تضم 155 ألف لاجئ سوري، قفز معدل البطالة من 6.2 في المئة عام 2012، إلى 16.3 في المئة عام 2014.

إلى ذلك، بدأ أرباب العمل الاتراك بصرف العمال السوريين من عملهم، وقال العامل السوري، محمود الحسين: "طردني رب العمل، بعد الأحداث التي جرت في أنقرة قبل شهرين، دون أي مبرر، بعد تذرّعه بأن السلطات التركية بدأت تلاحق أرباب العمل لشرعنة عمل السوريين وتسجيلهم بالتأمينات".

وأضاف الحسين، لـ"العربي الجديد": "كنا نعمل في قوجي إيلي، بريف مدينة إزميت، بأجر شهري 700 ليرة تركية، لكن الأحداث والتوترات أثّرت على عملنا وبتنا اليوم بلا عمل".


الأثر الإيجابي

في المقابل، استغرب الخبير الاقتصادي، سمير رمان، عدم ذكر التقارير للأثر الايجابي للنزوح السوري على الاقتصاد التركي، وقال لـ"العربي الجديد": "لماذا لا يُنظَر إلى الأثر الإيجابي لدخول السوريين ورؤوس الأموال إلى تركيا؟ وخاصة لجهة إقامة منشآت غزل ونسيج وزيادة القدرات التنافسية بين القطاعات عموماً وقطاعي الغذائيات والنسيج خصوصاً؟".

وأضاف: "في ولاية قونيا، وسط تركيا، فقط، هناك نحو 40 ألف عامل سوري، معظمهم مؤهل ولديه خبرة في العمل في قطاع النسيج والجلديات"، مشيراً الى أن بعض المنشآت الصناعية في حلب نُقلت إلى تركيا، كما شجعت السياسة التركية والتسهيلات التي منحتها للسوريين رؤوس الأموال لتأسيس مشاريع، ما يعني أن الوجود السوري ساهم في رفع إيجارات المنازل وتنشيط حركة الأسواق، نتيجة زيادة الاستهلاك وضخ أموال في السوق.

وأضاف رمان: "أعتقد أن تدفّق السوريين قد تراجع هذه الآونة، فما هي أسباب الفورة عليهم من مدن محددة؟ ولماذا ساد الصمت والترحاب من المناطق نفسها في ما مضى، رغم أن ذروة دخول اللاجئين السوريين كانت العام الفائت وليس عام 2014؟".


عوامل سياسية

لم ينكر الناشط والإعلامي، فرحان مطر، الآثار الاقتصادية السلبية نتيجة أعداد السوريين الهائلة، ودعم الحكومة التركية، من إقامة مخيمات وتسهيلات، على الاقتصاد التركي، لكنه اعتبر أن هناك أسباباً سياسية تقف أيضاً في ملف النزوح السوري، بدأت تظهر منذ تأييد بعض أطياف المجتمع التركي لنظام بشار الأسد خلال تفجير سيارتين في إقليم هاتاي، "الريحانية"، في 11 مايو/ أيارعام 2013.

وقال مطر، لـ"العربي الجديد": "من خلال تجربتي الشخصية كإعلامي واكبتُ المزاج العام التركي حيال تدفّق السوريين، لاحظتُ احتقاناً منذ بداية الثورة من العلويين والمعارضين لسياسة رجب طيب أردوغان، ولعلّ ما حدث من إساءة بعض السوريين في مدينة غازي عنتاب أخيراً، فجّر تلك الكوامن وأعطى مبررات لظهور العداء للسوريين وثورتهم".

وقد وقع، يوم الاحد الماضي، إشكال في مدينة مرعش كرهان بين شباب أتراك وسوريين، حيث قام الاتراك بتكسير واجهات المحال التجارية، وقال فراس أحمد، لمراسل"العربي الجديد"، إن "الأتراك توعّدوا السوريين في عملهم وسكنهم بعد اعتقال الشرطة لبعض المحرّضين والمشاغبين الذين أساؤوا للسوريين وممتلكاتهم".

في هذا الاطار، قالت النائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية عن ولاية "قهرمان مرعش"، سيفدا بيازيد، في تصريحات صحافية، إن مجموعة محددة هي التي قامت بالأحداث التي شهدتها المدينة، وأن ما حدث هو "عملية استفزازية في هذه المرحلة قبيل انتخابات الرئاسة التركية".

وأضافت، لوكالة ترك برس: "لقد وقف سكان المدينة، منذ اليوم الأول، إلى جانب السوريين، وقدموا لهم كافة أشكال الدعم المعنوي والمادي. وأعتقد أنهم سيستمرون بذلك بعدها. ولا أعتقد مطلقاً أن سكان قهرمان مرعش ـ التي تعدّ مكاناً روحياً هاماً، وخرّجت العديد من الأدباء والشعراء ـ يفكرون بهذا الشكل تجاه إخوانهم الواقعين تحت الظلم. وأظن أن هناك أمراً من وراء تلك الأحداث".

تحرّك الائتلاف
رغم جسامة الأحداث التي تشهدها المدن التركية الحدودية تجاه السوريين، واحتمال تطورها إلى درجة الاساءة والطرد وربما القتل، لم يصدر أي موقف عن الائتلاف الذي كان منشغلاً بانتخابات الرئاسة والهيئة السياسية أثناء أحداث مرعش، وقال نائب رئيس حكومة الائتلاف، الدكتور أسامة القاضي، لـ"العربي الجديد": "سيتم طرح الموضوع خلال اجتماع الحكومة، اليوم الأربعاء، لسحب فتيل الأزمة".

من جهة أخرى، انتقد أحد أعضاء الائتلاف، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، غياب اهتمام الاعضاء بالنازحين السوريين، وقال: "إن المعارضة، بمَن فيهم أعضاء الهيئة السياسية بالائتلاف، يقضون أمسيات شعر ومحاضرات ويتجاهلون توعية السوريين والبحث في قضايا تهدد وجودهم في تركيا، وعلى رأسها التسوّل، ما يثير إشكالات حقيقية مع الاتراك".

في المقابل، تنشط حركة "إعلاميون سوريون" على غير صعيد ومستوى للإحاطة بالأزمة، حيث نسب الإعلامي، إياد شربجي، بعض الأسباب لوجود بعض مظاهر الاسراف والبذخ من قبل بعض السوريين، بالاضافة الى تجول الجيش الحر بسلاحه قرب القرى الحدودية وعدم مراعاة خصوصية الشعب التركي.

وقال شربجي، لـ"العربي الجديد": "لا بد من العمل سريعاً على نزع فتيل الازمة واعتماد استراتيجية لمخاطبة الأتراك بلغتهم. ولعل الأهم العمل على مكافحة ظاهرة التسوّل التي أعتقد أنها أكثر ما يخيف الأتراك ويسيء إلى السوريين".

واقترح شربجي أن تقوم المعارضة بتوعية السوريين بالقوانين التركية وكيفية التعامل والعيش في بلد احتضن السوريين أكثر من كل العرب وله تقاليده وعاداته.

وقال قتيبة الخطيب، الصحافي السوري الذي يعمل على مبادرة لتحسين العلاقة مع الأتراك: "طرحنا مبادرة لجميع الصحافيين المقيمين في مدينة غازي عنتاب، كونهم من المؤثرين في المجتمع الالكتروني، وتتضمن ضرورة الاجتماع والقيام بخطوات عاجلة لرأب الصدع بين السوريين والاتراك".

وأضاف: "خلال الأيام المقبلة، سنجتمع للتشاور حول ما يمكننا فعله مع منظمات المجتمع المدني في المدينة".

المساهمون