حفتر يسعى للعودة إلى المشهد الليبي من بوابة النفط

حفتر يسعى للعودة إلى المشهد الليبي من بوابة النفط

30 يونيو 2020
حلفاء حفتر يتخلون عنه (بانايوتيس تزاماروس/فرانس برس)
+ الخط -

لا يكف اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر عن محاولات العودة للمشهد السياسي، رغم انكسار قواته وفشل مشروعه العسكري في البلاد وتزايد حلقات مسلسل تخلي حلفائه عنه، لكنه في هذه المرة يبدو أنه يحاول العودة متكئاً على قاعدة محلية للتموضع في مشهد الصراع الإقليمي المرتبط بملف النفط، الذي أكدت مصادر ليبية متطابقة على إصرار واشنطن على حل الخلافات بشأنه.
وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، إن قيادة حفتر "تدرس حاليّاً إعلان الخطوات المقبلة فيما يتعلق بالتفويض الذي تلقته فيما يتعلق بإدارة المنشآت النفطية"، مشيراً إلى أن القيادة لم تصدر أي بيان حول الأمر.

وبينما زعم المسماري، في بيان متلفز منتصف ليل الإثنين، بأن حفتر "حرص طيلة السنين الماضية على صيانة وحفظ أمن المنشآت النفطية"، نفى علاقته بغلق المنشآت النفطية "لأن الأمر كان يدار بشكل شعبي وقبلي ولكن حالياً انتقل إلى إدارة القيادة".
وفي وقت سابق من مساء الاثنين ظهر عدد من الأفراد، في بيان متلفز من أمام بوابة أحد الموانئ النفطية، يعلنون باسم ما يعرف بـ"حراك المدن والقبائل الليبية" عن فتح حقول النفط و"تفويض القيادة العامة بالتواصل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حلول لعدم وقوع إيرادات النفط في إيدي المليشيات الإرهابية"، وعللوا قرارهم بفتح الحقول النفطية بأنه جاء على خلفية "ارتفاع أسعار المواد الغذائية عامة وازدياد سعر صرف الدولار وعدم قدرة الدولة على صرف مرتبات المواطنين".
وجاء بيان المسماري وبيان ما يعرف بـ"حراك المدن والقبائل الليبية" بعد ساعات من بيان للمؤسسة الوطنية للنفط كشفت خلاله عن مفاوضات أجريت بين حكومة الوفاق ودول إقليمية بإشراف أممي الأسابيع الماضية لاستئناف إنتاج النفط، مطالبة بضرورة التوصل الى "اتفاق يتضمن توزيعاً عادلاً للنفط وحماية القطاع النفطي وعدم عسكرته وتوظيفه سياسياً".
لكن اللافت في بيان المؤسسة مطالبتها لـ"الدول الإقليمية بأن ترفع حصار النفط وأن يسمح للمؤسسة باستئناف عملها"، حيث كشفت مصادر رفيعة، حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، استضافة العاصمة التونسية لاجتماعين مهمين بشأن عودة ضخ النفط بدعوة أميركية.

مصر والإمارات وراء الإقفال
واتفقت معلومات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" على أن الدول الإقليمية التي أشار إليها بيان المؤسسة هي مصر والإمارات اللتان تقفان، لا سيما الأخيرة، وراء قرار إقفال المنشآت النفطية من قبل القبائل منذ يناير/كانون الثاني الماضي، مشيرة إلى أنهما تلقتا دعوة أميركية بشأن التفاوض مع ممثلي المؤسسة الوطنية للنفط وحكومة الوفاق حول إعادة ضخ النفط.
وعلى الرغم من تأكيد المصادر على جدية واشنطن في حل ملف النفط، إلا أنها أكدت أيضاً أن المفاوضات لم تنته بشأن إعادة هيكلة إدارة المؤسسة الوطنية للنفط وتعيين شاغلين جدد لبعض المناصب الهامة والجديدة فيها وإمكانية نقل مقرها الرسمي إلى مدينة سرت، وسط البلاد.
لكن الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، يرى أن واشنطن التي تضغط من أجل إخراج ملف النفط من دائرة المساومات السياسية تستخدم هي نفسها الأطراف الليبية لمنع روسيا من أي وجود لها في البلاد، مشيراً إلى أن قرار القبائل بإعادة فتح حقول النفط وإحالة متابعته لحفتر ليست إلا مناورة تقف وراءها أياد روسية.
وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "هذه القرارات استجابت لأوامر واشنطن بشأن إعادة فتح الحقول، ما يجعل الدول الإقليمية التي دعمت حصار الحقول لوقت طويل في منأى من معارضة رغبة واشنطن، ولكن إحالة أمر التفاوض لقيادة حفتر جاءت للتغطية على الوجود الروسي في الحقول النفطية من جانب ولبعث حفتر وقيادته مجدداً للواجهة".
ونوه إلى أن "حفتر قد وجد في تفويضه فرصة للتعويض عن خسارته العسكرية، ويحاول أن يستثمر الحرج الروسي بعد انكشاف مرتزقتها في أحد الحقول النفطية لصالح تقوية أوضاعه ورجوعه للمشهد بعد أن قرر حلفاؤه إقصاءه واستبعاده".

واشنطن التي تضغط من أجل إخراج ملف النفط من دائرة المساومات السياسية


ورجح الجواشي أن "خطوة حفتر هذه تبدو خطوة مستقلة بعد أن تخلى عنه حلفاؤه وأنه يطمح في أن تعيده إلى دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي كونه الطرف المفاوض".
ويبدو أن مسلسل تخلي حلفاء حفتر عنه مستمر، فبعد يومين من اعتراف مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء اليوناني، ثانوس دوكوس، بأن دعم بلاده لحفتر "خطأ منذ البداية"، تنصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس الاثنين، من دعمه، مشيراً إلى أن بلاده رفضت حملته العسكرية على العاصمة طرابلس.
ويقلّل الباحث الليبي في الشؤون الدولية، بلقاسم كشادة، من أهمية خطوة حفتر، مؤكداً أن مصيره لا يزال مرتبطا بقرار حلفائه الذين قرروا التخلي عنه، لافتاً إلى أن بيان المؤسسة الوطنية للنفط أشار إلى أن المفاوضات قائمة منذ فترة، ما يعني أن بيان المسماري والقبائل بشأن تفويض حفتر لن يتجاوز بياناتهم المتلفزة.
ويرى كشادة في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "بيان القبائل والمسماري يعكس تخبط حفتر وعدم رضاه عن إقصائه وتخلي حلفائه عنه والبحث عن وسيلة ولو داخلية للعودة"، لكنه يلفت إلى أن بيان المؤسسة كان صريحاً لجهة أنه طالب الدول الإقليمية برفع الحصار عن المنشآت النفطية ما يعني أن الأمر تجاوز حفتر.

تنافس أميركي روسي
ويذهب كشادة إلى أبعد من ذلك إذ يرى أن الانخراط الأميركي في ملف النفط يأتي ضمن استراتيجيتها تجاه ليبيا التي يبدو أنها بدأت في التحول والتغير باتجاه الاهتمام والجدية بعد تزايد قلقها من التغول الروسي.
ويرجح كشادة أن دافع واشنطن لحلحلة ملف النفط جاء بعد ذهاب مقاتلي "الفاغنر" للتمركز داخل الحقول النفطية، مشيراً إلى أن المواقف الأميركية جاءت متدرجة تجاه الوجود الروسي.
ويوضح أن زيارة قائد قوات "الأفريكوم" ستيفن تاونسند، ولقاءه، برئيس حكومة الوفاق فائز السراج وما حمله بيان السفارة الأميركية، الأسبوع الماضي، بشأن ضرورة أمن البحر المتوسط كانت أولى الرسائل الموجهة لموسكو بشأن تفكيرها في إقامة وجود عسكري قريب من سرت أو الجفرة، مضيفاً أن "الخطوة الحالية تستهدف قطع الطريق أمام موسكو لاستغلال ورقة النفط للتموضع في تعقيدات المشهد الليبي لحفظ مكان لها في أي مساومة أو تفاوض سياسي مقبل لتفرض نفسها كأحد صناع الحل في ليبيا".
ويرجح كشادة أن اعتبار واشنطن أن "تمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملياتها شرط أساسي للتوافق الليبي"، بحسب بيان السفارة الأميركية مطلع هذا الأسبوع، يشير إلى قرب عودة البعثة الأممية ودورها في الوساطة بين الأطراف سواء في مسار المحادثات العسكرية أو السياسية، لكنه يرى أن حلحلة الخلاف بتوافق الأطراف حول موارد النفط لن يكون سهلاً أو قريب المنال.

المساهمون