حفتر والأسبوع الليبي الطويل: السيناريوهات وموازين القوى

حفتر والأسبوع الليبي الطويل: السيناريوهات وموازين القوى

21 مايو 2014
الأيام المقبلة ستكون حاسمة (محمود تركية/فرانس برس/getty)
+ الخط -

تشهد ليبيا، منذ محاولة "انقلاب" اللواء خليفة حفتر يوم الجمعة 16 مايو/ أيار الجاري، انقساماً على أساس التأييد أو الرفض لـ"عملية الكرامة" لـ"تخليص ليبيا من الإرهاب"، وهو اسم العملية التي أطلقها اللواء المنشق على هجومه العسكري على بنغازي، ثم على طرابلس. ويتذكّر كثيرون أن الاسم نفسه أطلقه نظام العقيد معمر القذافي، على حملة أحكام الإعدام على معارضين للنظام في ثمانينات القرن الماضي.

وتشهد الساحة الليبية ما يمكن تسميته بسباق البيانات المؤيدة لـ"عملية الكرامة" من جهة، وتلك الرافضة لها من جهة ثانية، على مواقع التواصل الاجتماعي. ففي مدينة درنة الساحلية، أصدر شباب قبيلة العبيدات، وهي من قبائل الشرق الكبرى، بياناً أعلنوا فيه رفضهم المطلق لـ"الانقلاب العسكري على الشرعية". خطوة مماثلة بادرت إليها قبائل عدة في مدينة الزاوية التي أعربت، في بيان أيضاً، عن "تمسكها بالمسار الديموقراطي وضرورة استكماله عبر انتخابات يختار فيها الليبيون ممثليهم".

كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي بياناً لقبائل المرج، الحاضن الأكبر لحفتر في الشرق الليبي، ترفض فيه "التغرير بأبنائها في عملية عسكرية غير محسوبة يقوم بها حفتر"، بحسب ما جاء في نص البيان. ولم يتأخر "المجلس العسكري في طرابلس"، بلسان رئيسه، العميد عبد الرحمن الطويل، هو الآخر، في "رفض إسقاط الشرعية المتمثلة في المؤتمر الوطني العام، ورفض منطق الانقلابات العسكرية".

على الصعيد الميداني، لا تزال الاشتباكات متواصلة في طرابلس، وسط أنباء عن دخول قوات تابعة لرئاسة الأركان من مصراته لحماية وتأمين العاصمة، مع سقوط صواريخ عدة في مناطق صلاح الدين وتاجوراء، أطلقتها كتائب "الصواعق" و"القعقاع" المتحالفة مع حفتر.

وتتزامن هذه الأنباء مع حشد لقوات تابعة لحفتر بعتادها وأسلحتها الثقيلة في منطقة الرجمة القريبة من بنغازي، ما جعل كثيرين يشككون بالأنباء التي تحدثت عن حوارات تجري بين قادة محيطين بحفتر، وقوات موالية لـ"المؤتمر الوطني" لاحتواء الأزمة الراهنة.

ويعتبر عدد من المراقبين أن الحديث عن "حوارات احتواء الأزمة" في أوساط حفتر، ما هي سوى محاولة لكسب الوقت، حتى يتسنى للرجل كسب أكبر تأييد شعبي ممكن وسط توالي بيانات تأييد من ضباط وعسكريين في طبرق وطرابلس وبنغازي لـ"عملية الكرامة"، وهو ما يهدف، وفق أوساط مراقبة، إلى كسب موقف تفاوضي لحفتر وجماعته على حساب القوى التي يتألف منها المؤتمر الوطني.

وفي السياق، أشارت الصحافية الفرنسية، إيلين برافان، في مجلة "لو نوفال أوبسرفاتور"، إلى أن ما يحصل يمكن تسميته "الاستراحة التكتيكية" التي تُترجم بعدم الهجوم على بنغازي والدخول في مفاوضات قد تطول، ما يسمح لحفتر بالحصول على إمدادات عسكرية وسياسية جديدة.

ولا يزال الموقف الرسمي للولايات المتحدة حيال الاتهامات بدعم حفتر غير واضح، لكن السفيرة الأميركية في ليبيا، ديبورا جونز، قالت في تغريدة على حسابها في "تويتر"، إن ليبيا لن يكون فيها مكان للإرهابيين، ما قد يوحي بإمكانية دعم واشنطن لحفتر في حربه المزعومة على "الإرهاب"، انطلاقاً من أن الإدارة الأميركية لن تنسى سفيرها كريس ستيفنز الذي قُتل في بنغازي في سبتمبر/ أيلول 2012.
هذا ولا يزال اللواء حفتر يحتفظ بجنسيته الأميركية، حتى أنه صوّت في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2008، وفي الانتخابات المحلية لولاية فرجينيا سنة 2009.

أما الحكومة الحالية برئاسة عبد الله الثني، فقد حاولت الاستفادة من الأوضاع الراهنة، بإذاعة بيان يطالب "المؤتمر الوطني" بتجميد أعماله، إلى حين إجراء الانتخابات النيابية المقبلة، ورفض تسليم حكومة أحمد معيتيق السلطة التنفيذية، إذ إن كل من الثني، ووزير الثقافة الحبيب الأمين، ووزير الكهرباء علي محيريق، ووزير العدل صلاح المرغني، يمثلون امتداداً لرئيس الوزراء الهارب إلى ألمانيا، علي زيدان، الذي أعلن دعمه لحفتر، بعد استبعادهم من تشكيلة رئيس الحكومة المنتخب من قبل "المؤتمر الوطني"، أحمد معيتيق.

ويرى معارضو اللواء المنشق، أن الأخير يبعث برسائل سياسية وأخرى أمنية للداخل الليبي، كانت آخرها تفجير سيارة في بوابة عسكرية بمدينة طبرق القريبة من الحدود المصرية، وهي مدينة لا يُعرف عنها انتشار الجماعات الإسلامية المتشددة فيها. وتشير مصادر مناهضة لحفتر، إلى أن العملية المذكورة تستهدف حشد أكبر زخم شعبي ممكن حوله في طبرق ضد "فزاعة الإرهاب والتطرف".

وإذا ما نجح "المؤتمر الوطني"، في جلسته يوم الأحد المقبل، في منح الثقة لحكومة أحمد معيتيق والموافقة على ميزانية عام 2014 بغالبية النصف زائداً واحداً، فقد يقطع هذا الإجراء الطريق، ولو جزئياً، أمام حفتر، لكن ذلك مشروط بدخول قوات عسكرية من مصراته، بالتنسيق مع المجلس العسكري في طرابلس، لحماية جلسات وأعمال "المؤتمر" من محاولات محتملة لمنع انعقاده.

لقد أصبح إسقاط "المؤتمر الوطني"، هو الهدف الرئيس للقوى المتحالفة مع حفتر؛ وفي السياق، دعا بيان لحزب "تحالف القوى الوطنية"، "المؤتمر الوطني"، إلى الدخول في إجازة برلمانية إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة، واستمرار حكومة عبد الله الثني في تصريف الأعمال، وإنشاء قيادة عامة للجيش الليبي تهتم بـ"مكافحة الإرهاب والتطرف".

دعوة تتّفق مع ما دعا إليه حفتر حول تجميد عمل المؤتمر الوطني، وتعليق العمل بالإعلان الدستوري، مع محاولة إقناع "هيئة الستين"، المكلفة كتابة الدستور، بتولي مهام المؤتمر الوطني التشريعية. إلا أن الانقسام داخل "هيئة الستين"، أجّل إعلان الهيئة كبديل عن المؤتمر الوطني، في خطوة غريبة عن التقاليد الدستورية.

يسير المشهد السياسي والأمني الليبي، نحو المزيد من التعقيد والاصطفاف بين مؤيد ومعارض لمحاولة الانقلاب العسكري. ويعزز من هذا الانقسام العمودي، عجز السلطات الليبية عن بناء خطاب سياسي يستميل الشارع الليبي.

إلا أنّ أمام القوات العسكرية الموالية للمؤتمر الوطني، فرصة لتعزيز موقعها التفاوضي مع حفتر والميليشيات المتحالفة معه، وكسب التعاطف الشعبي من خلال الاضطلاع بتوفير الأمن في المدن الليبية، خصوصاً طرابلس وبنغازي، وهو المطلب الرئيس لغالبية الليبيين.

المساهمون