حظر المنظمات الصهيونيّة في فرنسا وسيف "معاداة السامية"

15 اغسطس 2014
فرنسا تتلكأ بحظر "رابطة الدفاع اليهودي" (رومان لافبروغ/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لم يخفِ مدير تحرير صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، لورونت جوفران، انحيازه لإسرائيل ويهود فرنسا، وهو يكتب افتتاحيته "الهَوَس الهوياتي"، في 31 يوليو/ تموز الماضي، رغم قوله إنه "لا يجب أن يكون ثمة كيلٌ بمكيالين في الكفاح الشرعيّ ضد كل تجاوزات جماعة أو طائفة ما، وضد العنف الذي يترتّب على أي تظاهرة". لكن جوفران، يكاد لا يرى سوى "العنف" الذي يتعرّض له اليهود بالإشارة الى "صرخات الكراهية التي سُمعت ضد فرنسيين من أصل يهودي والاعتداءات على متاجر أو أماكن عبادة يهودية يجب قمعها بقوة"، رغم قوله إنه "لا يجب التسامح مع التصرفات غير القانونية والمتطرفة الداعمة لإسرائيل".

ورغم التحيّز لليهود، يرى أن الشروط متوفرة لحظر "رابطة الدفاع اليهودي"، مشيراً الى أن "هذه الرابطة ترى في نفسها رابطة هجوم، وعلى الرغم من طابعها الهامشي، من ناحية العدد، فإن بعض أفرادها تميّزوا، خلال السنوات الأخيرة، باعتداءات عنيفة ضد كل مَن لا يتقاسم معهم أفكارهم".

ولكنّ جوفران لا يُفوّت أي فرصة لتشويه سمعة الجمعيات والمنظمات المناصرة للقضية الفلسطينية. وهو يرى، في الافتتاحية نفسها، أنه "يجب على هذا الحظر أن يساعد على التفكير حول فعل أساسي: سواء تعلّق الأمر برابطة الدفاع اليهودي أو بمتطرفين مناصرين للقضية الفلسطينية".

وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية الفرنسية تحاول، بكل قواها القانونية والاستقصائية، أن تبرهن أن "رابطة الدفاع اليهودي" تنظيم إرهابي، يتوجب حظره في فرنسا، فإن كثيراً من التنظيمات اليهودية الأخرى لا تقل عنها عُنفاً وبثّاً للكراهية في فرنسا، ودعماً لامشروطاً للسياسات الأكثر تطرّفاً ويمينية في تاريخ الدولة العبرية. ومن الصعب، فعلاً، تتبّع حركة الأفراد الذين يتنقلون من تنظيم يهودي صهيوني إلى آخر، إذ لا فرق بين اتحاد طلبة يهود فرنسا وبين حركة "البيتار" المتطرفة، وغيرهما.

ومن أجل خداع مراقبات الشرطة، يغيّر الأعضاء انتماءاتهم ويعلنون، بين الفينة والأخرى، استقالاتهم من هذا التنظيم أو ذاك، ولكن أنشطتهم لا تتغيّر، سواء من داخل فرنسا أو من داخل الكيان الإسرائيلي.

لا يمكن نسب بداية العمل الإرهابي أو الإجرامي العنيف ليهود فرنسا إلى "رابطة الدفاع اليهودي"، التي تأسست سنة 2001. فهذا التنظيم الصهيوني الجديد، الذي يعتبر النسخة الفرنسية للمنظمة الأميركية الأمّ التي أسسها الحاخام العنصري، مايير كاهانا، سبقته وتعاونت معه منظمات أخرى، ومن بينها "البيتار"، وهي حركة صهيونية متطرفة تأسست سنة 1923 في ريغا، في ليتوانيا، على يد زييف جابوتنسكي. ويرفض هذا التنظيم أي انتقاد يُذكر للكيان الإسرائيلي.

وإذا كانت "رابطة الدفاع اليهودي" قد اشتهرت، في الآونة الأخيرة، بأفعالها العنيفة والإجرامية، فإن المنظمات الطالبية العربية في فرنسا، خصوصاً اتحادات طلبة فلسطين والمغرب وتونس وغيرها، جرّبت، خلال عقود كثيرة، اعتداءات "البيتار" الدامية عليها. وكانت الشرطة الفرنسية خلال كل هذه الفترة، تتغاضى عن الاعتداءات الإجرامية والإرهابية، وتدّعي الفصل بين الطرفين.

تستطيع الدولة الفرنسية أن تَحْظُر أي منظمة ترى فيها تهديداً للأمن الفرنسي، وقد فعلتها مع منظمة "فرسان العزّة" سنة 2012، باعتبارها "إسلامية متطرفة"، كما فعلت مع تنظيمات يمينية متطرفة، مثل "تريبو كا" و"جي إن إر الطريق الثالث". ولكنها تتلكأ في حسم الأمر مع هذا التنظيم الصهيوني المتطرف. وتبرر الأمر بالخشية من أي رفض قضائي للحظر، وهي بصدد إعداد ملف شامل ومقنع.

وعلى الرغم من أن هذه المنظمة ليس لها نظام قانوني معترف به، وبالتالي فهي ليست جمعية، بالمعنى الرسمي، ولكن القانون الفرنسي في المادة 212-1 يسمح بحلّها. ويقول المحامي نيكولا غارديريس، إن المنظمة "رغم أنها ليست معلنة بشكل رسمي، فهي تُوزّع منشورات وتُفعِّل صفحة في الفيسبوك وتعقد اجتماعات، وتدعو إلى تجمعات ووقفات، وهي أشياء يمكن للحظر القانوني أن يوقفها، كما أن شعارها يجب أن يتوقف عن الظهور".

ويرى هذا المحامي، المقرّب من حزب البيئة، أن طريقة عمل المنظمة تشبه ميليشيا خاصة، إذ تمثّل "منظمة فيها تراتبية شبه عسكرية، وطاعة الجميع للقائد، وتدريبات مشتركة على فنون الحرب، وقدرة على توجيه ضربات قوية".

ويبدو أن بعض الباحثين المتخصصين في هذا النوع من الحركات الراديكالية، يعارضون حظر هذه المنظمات وحلّها، على اعتبار "أن عدم حظر هذه المنظمات يُفيدُ رجال الشرطة في تتبّع مناضليها المتطرفين، ما يُسهّل مراقبتهم من قبل السلطات، في حين أن حلّها سيساعد على اختفائها ويمنح عناصرَها المتطرفة حريّةَ العمل بشكل يصعب اكتشافه وتقدير أبعاده".

ويبدو أن "معاداة السامية" هي المعادلة السحرية التي يمكن للمنظمات اليهودية في فرنسا تأويلها كما تشاء، وهي تُستخدَم على هوى المنتفعين منها. ولا يُخفى على أحد أن فزاعة معاداة السامية تستخدم لمحاصرة أنصار الشعب الفلسطيني من عرب وفرنسيين ولترهيبهم، وخصوصاً أن فرنسا تعرف أجواء احتقان، ساهم في إشعالها رئيس الوزراء، مانويل فالس، عندما قال إن "معاداة الصهيونية هي معاداة السامية" و"اليسار المتطرف الفرنسي وحزب الخضر لديهما مشكلة مع إسرائيل".

ويظهر أن سجّل و"إنجازات" هذه المنظمة الصهيونية الفرنسية كبيرٌ جداً، ولا يمكن حصره بسهولة، فالشبكات الاجتماعية تغص بشهادات وصور عن هذا العنف الذي لا رادع له حتى اللحظة، والذي يتخذ أحياناً طابع التشفّي ويساعد على نشر الكراهية وتحقير العرب والفلسطينيين والحطّ من آدميتهم.

ويحاول المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا، عبثاً، إنكار علاقاته مع هذا التنظيم الذي يُصرّ أحد قيادييه، جان كلود نتّاف، على الاعتراف بأنه "من الناحية الرسمية، ليست لدينا والمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا أي علاقة، ولكن الواقع هو أنهم حين يُنظّمون نشاطاً ما نكون في عين المكان من أجل تأمينه، ولكن من الخارج".

وأمام كل هذا الرصيد العنصري والإرهابي الكبير لهذه الرابطة اليهودية، لا تزال السلطات مترددة في اتخاذ قرار الحظر، بل الأخطر من هذا هو تسريب أخبار كثيرة، وجدت صدى في كبريات الصحف الفرنسية، عن نية السلطات معرفة ما إذا كانت منظمات وجمعيات مناصرة للشعب الفلسطيني قد صدرت عنها مواقف وتصريحات تستوجب الحظر.


سجلٌ حافل بالجرائم


سجلّ منظمة الدفاع اليهودي حافل بـ"الإنجازات"، ولكن على الرغم من كل هذا، فهي لا تزال تحظى بنوع من التسامح من قبل السلطات. بل إن كثيراً من الجرائم التي يرتكبها أفرادها تُسحب منها الصبغة السياسية وتظل في إطار الجرائم الجنائية، كما هو حال المغربي سعيد بوراراش الذي قُتل غرقاً في باريس، يوم 30 مارس/ آذار 2010، من قبل أحد أعضاء هذا التنظيم المتطرف، ولم يجد مَن يدافع عنه سوى الفكاهي الفرنسي ديودوني.

بل إن موقع هذه الرابطة على "الفيسبوك" ينشط دونما أي إزعاج. وقبل أسبوع، رد هذا التنظيم على المغني الفرنسي باتريك بروييل، الذي وجد أنه من المناسب له، في عز حرب غزة، الرد على اتهامات ديودوني له بخدمة الجيش الإسرائيلي وجمع الأموال له، فبرّأ نفسه من هذه التهمة. وقد أكّدت رابطة الدفاع اليهودي أن المغني بروييل "جبانٌ" وأنها كانت شاهدة، باعتبارها هي مَن يسهر على الأمن، على حفلات جمع فيها المغني بروييل أموالاً كثيرة لجيش إسرائيل.

وسجل هذه الجرائم ليس حديث العهد ولم يبدأ مع حرب إسرائيل المستمرة على غزة؛ ففي 2007، تعرضت مكتبة ريزيزتانس في باريس لهجوم من هذه المنظمة. وتعرضت هذه المكتبة، التي تنادي بمقاومة "صدام الحضارات" والانقسامات الإثنية والكولونيالية والعنصرية و"كل أشكال القمع، خصوصاً الذي يتعرض له، منذ عقود، الشعب الفلسطيني"، للتدمير والتخريب. وجاء الهجوم بعد محاضرة ألقاها في المكتبة الفلسطيني محمود سليمان حول عمليات المقاومة اللاعنفية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وسبقت هذا الهجوم انتقادات صهيونية كثيرة لدور هذه المكتبة في فضح السياسات العنصرية الإسرائيلية.

وفي يونيو/ حزيران الماضي، صدر حكم قضائي فرنسي بسجن عضوين فيها لعشرة أشهر، بسبب إلقائهما قنبلة يدوية على يهودي فرنسي انتقد الكيان الإسرائيلي في مدونته. وفي سنة 2002، طعن عضو في المنظمة ضابطاً في الشرطة الفرنسية وتسبّب له بجراح خطيرة وهرب إلى إسرائيل ولم تتسلّمه فرنسا بعد. وتتميّز هذه المنظمة باتّباعها تقاليد قتالية مشابهة للجيش الإسرائيلي.

وفي 5 يوليو/ تموز 2012، اعتدى أفراد من هذه الرابطة على الكاتب اليهودي المعادي للكيان الصهيوني، جاكوب كوهن، وعلى أوليفيا زمور، منسقة "النداء من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط". ويعود سبب هذا الاعتداء لكون جاكوب أدان، في رواياته، طرق التجنيد التي يلجأ إليها جهاز "الموساد" في فرنسا، وهو ثاني اعتداء على الكاتب، بعد الذي طاله في 12 مارس/ آذار من العام نفسه.

وتنبع خطورة هذه المنظمة من كونها غالباً ما تفلت من العقاب، ويعود السبب لكون اتحاد أرباب العمل اليهود (UPJF)، يدفع غراماتها على الفور ويتحمّل مسؤوليات أعمالها، وأيضاً لأن إرهابها يطال حتى اليهود أنفسهم. فقد نشرت المنظمة في موقع إلكتروني، "ماسادا دوت كوم"، أسماء 9000 شخص "يهودي خائن" متهمة إياهم بـ"كراهية الذات" و"الرغبة في هلوكوست ثان" لأنهم تجرأوا على انتقاد إسرائيل.

وقد أرسل الكاتب جاكوب كوهن، أخيراً، رسالة شديدة إلى وزير الداخلية آنذاك، ورئيس الوزراء، حاليا، مانويل فالس، يقول فيها:

"سيدي، إن ما يحدث في فرنسا، في هذه الأوقات، يصيبك بالعار. أُنكِرُ عليك صفة الجمهوري. في 12 مارس/ آذار تعرّضتُ لاعتداء باعتباري يهودياً معادياً للصهيونية من قبل رابطة الدفاع اليهودية، التي قامت بتصوير الاعتداء، ولم تحرك أجهزتكم ساكناً. وبسبب الإفلات من العقاب، ها هي تعاود الكرّة. أقدّم شكوى لدى الشرطة من دون أن تكون لديّ أية أوهام بإمكانية وصولها إلى نتيجة، لأنكم عبّرتم، في كل زمان، مثل كل سلطات الجمهورية، عن دعم مطلق للمجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا ولذراعه العسكري، "رابطة الدفاع اليهودي"، ولأساليبها الفاشية. هذا الخضوع الأعمى يثير الغضب. وأدعكَ تتخيّل لو كنتُ كاتباً صهيونياً وعضواً في المجلس التمثيلي اليهودي واعتدى عليّ إسلاميون، لكانت الدنيا كلها ستقوم. سيحكم عليك التاريخ".​

دلالات