حزب الله بعد 1701 : سورية أقرب من فلسطين

25 مايو 2014
في مهرجان في ذكرى عدوان 2006 (أنور عمرو/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يخرج الجنود الإسرائيليون إلى خلف الحدود. يقفلون بوابات الاجتياح وراءهم ويعودون إلى مستعمراتهم. تتوقف مدافعهم عن استهداف الجنوب اللبناني، وتصمت محركات مقاتلاتهم الحربية. ينسحب الجنود ومعهم غبار المعارك والاحتلال والقصف والمجازر. خلف تلك البوابات، المحصّنة بالأسلاك الشائكة الكهربائية، يلتقط بعضهم أنفاسه لعودته بالسلامة، ولا يبخل آخرون في ذرف الدموع. مع جلاء عاصفة القتال، يفهم العسكر كم كانت المعركة صعبة، وكم كانت كمائن المقاومة مجهّزة ومحضّرة. يدركون أنّ الموت مرّ بجانبهم وأصاب زملاء لهم يبكونهم اليوم.
هكذا كان مشهد انسحاب قوات الاحتلال، في يوم التحرير في 25 مايو/ أيار 2000. انسحبت إسرائيل وعاشت المقاومة. تكرّر المشهد أيضاً عام 2006، غداة عدوان يوليو/ تموز. عاد الإسرائيليون أدراجهم وسحبوا معهم آلياتهم وجنودهم من لبنان مرة جديدة، بعد خمسة أسابيع من العدوان والقتال. أما حزب الله، فصمد وحافظ على هيكليته التنظيمية والعسكرية، فكان انتصاراً ميدانياً، وسط صور تدمير آليات العدو وإجباره على مغادرة الأراضي اللبنانية باتجاه الأراضي المحتلة في فلسطين.
عند هذا الحدّ توقّف انتصار الحزب. كسر عين إسرائيل في سهل مرجعيون ومارون الراس وعيتا الشعب، لكن كل شيء تهدّم من حوله. هُجّر ناسه وهُدمت قراهم. سقط الشهداء بالمئات. حلّ إعصار الصواريخ الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، خزّان حزب الله البشري والسياسي، فسوّاها بالأرض. تعطّلت الطرقات وقُصفت الجسور والمرافق. شُلّت البلاد وفقدت مقوّمات الحياة. كل هذا يمكن ان يستبدله الحزب ومسؤولوه بعبارة "العيش بعزّة أو كرامة"، ليغيب هذا الشعار مع اعتراف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بعبارته الأثيرة: "لو كنت أعلم أن ردة فعل إسرائيل ستكون بهذا العنف، لما كنت خطفت جنودها".


يعلم حزب الله جيّداً أن تكلفة الحرب، التي خاضها مع إسرائيل عام 2006، تتعدّى حجم الخسائر البشرية والمادية. ولو أنّ الانتصار المعنوي سمح له بتقريب المسافة أكثر بينه وبين ناسه، إلا أنه يعرف جيّداً أنّ انتهاء الحرب وإعلان الانتصار العسكري على إسرائيل، كلّفه انسحاباً عسكرياً كاملاً من الحدود مع فلسطين المحتلة. فإعلان انتهاء العدوان في 14 أغسطس/آب 2006، جاء نتيجة صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن. قرار وافق الحزب على بنوده، وكلّف الدولة اللبنانية بتوقيعه، ويقضي بانسحاب عسكر الحزب من المنطقة الممتدة من حدود فلسطين إلى نهر الليطاني، بحسب ما تنص الفقرة الثامنة من نص القرار. ويفرض على الحكومة اللبنانية "السيطرة على أراضيها من خلال قواتها المسلحة الشرعية"، بحسب الفقرة الخامسة. إضافة إلى تأكيد القرار الدولي على مهمة الدولة في "نزع أسلحة كل الجماعات المسلحة في لبنان"، بمن فيها أولاً، وطبعاً، سلاح حزب الله، الذي اجتاح بيروت بعد أقلّ من عامين خلال شهر مايو/ أيار 2008.
خرج حزب الله منتصراً من ميدان المعركة، إلا أنّ القرار 1701 كبّله، وجعل المنطقة الأساسية من ملعب المقاومة خالية من السلاح والنشاط العسكري. كما بات القرار الدولي ورقة رسمية دولية أخرى، تعتبر الحزب مجموعة مسلحة تحمل سلاحاً غير شرعي، على الدولة اللبنانية نزعه والعمل على قطع الإمداد عنه، بما يفترض بالحكومة أساساً أن تقوم به انسجاماً مع الدستور اللبناني والقوانين اللبنانية.
إذاً، بفعل القرار 1701، توقف العدوان على لبنان وانسحبت إسرائيل من الجنوب، وكذلك فعل حزب الله. وقد تكون "حدود إيران تنتهي عند شواطئ لبنان على البحر الأبيض المتوسط"، بحسب ما قال المستشار العسكري للمرشد الإيراني، يحيى رحيم صفوي، من دون ان يعني ذلك أن إيران، وحزب الله ضمناً، موجودة على الحدود مع فلسطين لتقف في وجه جيش الاحتلال. لم يعد الجنوب منطقة عسكريةً للحزب، ولا مركزاً لنشاطه ولحركة مجموعاته المسلحة. باتت هذه الفِرق تبتعد عن الحدود إلى مسافة تمتد بين ثلاثة كيلومترات و25 كيلومتراً. يغيّر هذا الواقع المفروض على حزب الله الكثير في معادلاته العسكرية وحساباته الأمنية، ويعدّل في عمل منظومة الحزب، في استراتيجيته الدفاعية والهجومية.
خرج حزب الله من جنوبي نهر الليطاني، وبات بعيداً عن حدود فلسطين. لم يعد لعناصره عدوٌّ يواجهونه لتحرير الأرض، ولم تعد للدورات التدريبية العسكرية وللأموال المخصصة للإعداد والتجهيز العسكريين أيّ جدوى، طالما أنّ الجبهة هادئة. التسريبات التي وصلت من الرسالة، التي طلب الأمين العام لحزب الله من نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إيصالها إلى الجانب الإسرائيلي، نصت على أن الحزب يُريد جبهة الجنوب هادئة، وأن الجبهة السورية هي التي تشغله. بناءً على ذلك، ربما، قررت قيادة الحزب نقل دائرة عملياتها وحركتها الأمنية إلى الداخل السوري، للحفاظ على شعارات "العزة والكرامة"، ولتغذية خطاب الحزب بالمزيد من التضحيات والشهداء.