حزب التحرير في لبنان: خميرة تنتظر العجين

حزب التحرير في لبنان: خميرة تنتظر العجين

19 ابريل 2014
خلال تظاهرة للحزب ضد النظام السوري بطرابلس 2012 (getty)
+ الخط -

يحمل شاب متديّن ورقةً ويدسّها بيد آخر. على الورقة نص يدعو إلى أفكار "حزب التحرير ــ ولاية لبنان". واحدة من الطرق التي استطاع الفرع اللبناني للحزب أن يبقى موجوداً على الساحة اللبنانيّة من خلاها، رغم أنه حزب محظور منذ العام 1961. للحظر قصته؛ نال ترخيصه بعدما لجأ مؤسسه في القدس، القاضي تقي الدين نبهاني، إلى لبنان بسبب ملاحقة السلطات الأردنيّة له. وفي لبنان، حاز على الترخيص نهاية الخمسينيات، "وعندما قررت السلطات اللبنانيّة حظر الحزب السوري القومي الاجتماعي، حظروا حزبنا"، يقول المسؤول الإعلامي للحزب بلبنان أحمد القصص، في حديث مع "العربي الجديد".

لكن وجود الحزب لبنانياً، لا يعني انتشاراً واسعاً له. حافظ على "نخبويّة" بين صفوف الإسلاميين لأسباب عدّة، حتى بعد نيله الترخيص مجدداً، عام 2006. يرى القصص أن هناك سببين لهذه النخبويّة، الأول "ذاتي، والآخر موضوعي". في السبب الذاتي، يلفت إلى أن حزب التحرير لا يهدف إلى تنمية الجسم الحزبي على حساب الالتزام الفكري، على قاعدة "لا نريد الكميّة على حساب النوعيّة" على حد تعبيره. الانتساب للحزب ليس سهلاً. فمن يرغب بذلك عليه أن يمرّ بحلقة فكرية لمدة سنة، "وبعدها نقرر ما إذا كان سيُقبل طلب انتسابه أو لا". إضافة إلى ذلك، "الحزب لا يُقدم أي مكاسب ماليّة أو ما شابه للمنتسبين، ونحن لا نملك مؤسسات ولا لدينا موظفون. من ينتسب للحزب يجب أن يُضحي" وذلك بحسب القصص.

أمّا في السبب الموضوعي، فيُشير المسؤول الإعلامي إلى أن الانقسام المذهبي في البلد سبب رئيسي لعدم القدرة على الانتشار، كون الحزب يبتعد عن هذا الخطاب. كما يقول إن العنصر الذي دخل أخيراً إلى لبنان، أي عنصر العسكرة والأمن، لا يشبه حزب التحرير. فالحزب يُصرّ في أدبياته على "عدم الاستعانة بالعمل العسكري لتحقيق الأهداف، بل يتمسّك بالعملين الفكري والسياسي". وهنا، يلفت القصص إلى أن للحزب أهدافاً بعيدة المدى، بينما القوى اللبنانيّة لديها غايات على المدى القصير.

لم تكن القيمة المضافة للحصول على الترخيص بالعمل الرسمي، كبيرة. فبحسب القصص، ينحصر الأمر بالقدرة على تنظيم المهرجانات والمسيرات واستئجار القاعات، أمّا الأعمال الحزبية الأخرى فلا تزال قائمة كما كانت.

يُعلن حزب التحرير نفسه، حزباً عابراً للمذاهب الإسلاميّة. في أدبيات الحزب، "لا يوجد مذهب شيعي". تعتمد الأدبيات تسمية "المذهب الجعفري، مثل الشافعي والحنبلي والحنفي والمالكي". والمفاجأة أن رئيس الهيئة الإداريّة للحزب محمد جمعة هو من المذهب الجعفري.

يسعى "التحرير" لإعادة تأسيس دولة الخلافة. ينطلق عمله السياسي من القناعة بأن هذه الخلافة آتية لا محالة. من هنا، ينتشر الحزب في دول مثل إندونيسيا وغيرها من دول وسط آسيا، "كما أن الحزب ينتشر بقوة في تونس ومصر والأردن وسوريا"، على حد تعبيره.

على المستوى السياسي اللبناني، استطاع حزب التحرير فتح قنوات تواصل مع عدد من الأحزاب اللبنانيّة، مثل تيار المستقبل والإسلاميين، وكان هناك تواصل مع حزب الله "لكنه انقطع مع الحزب والقوى المقرّبة منه منذ تدخله في سوريا، وعند عودة قواته إلى لبنان، سوف نرى ما الذي يُمكن فعله"، بحسب ما يقول القصص.

ومع انطلاقة الثورة السوريّة، استطاع "التحرير" أن يؤدي دوراً في الأوساط الإسلاميّة المؤيدة للثورة السورية، وخصوصاً أنه أول من عمل على تنظيم مسيرات تضامنيّة مع هذه الثورة، وكانت أولاها في أبريل/نيسان 2011 في مدينة طرابلس، شمال البلاد. وسعت الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة إلى منع مسيراته في حينها، بحجة التخوف من إمكانية حصول صدام، بعدما دعت جهات قريبة من النظام السوري لتظاهرة مؤيدة في المكان والزمان عينهما.

لكن تحوّل الثورة السوريّة إلى العمل العسكري، أبعد الحزب عن الشارع، لا سيما أنه لا يُمارس هذا العمل، كما لا يملك بنية تحتيّة للعمل الإغاثي، فخلت الساحة للأطراف الإسلاميّة الأخرى. ويُشير القصص إلى أن الحزب انسحب "حتى لا يدخل في بازار التنافس مع القوى الأخرى". قبل ذلك، حاولت الدولة اللبنانيّة حظر الحزب مجدداً، تحديداً في العام 2010، لكن "وزير الداخليّة آنذاك، زياد بارود، أبلغنا بأنه لن يحظر أي حزب، بغياب الأسباب التي تدعو إلى ذلك".

يبدو حزب التحرير في لبنان، وكأنه خارج عن السياق السياسي اللبناني. فأكثر التيارات الإسلاميّة المتشددة لا تُجاهر بدعوتها إلى دولة الخلافة. لا يستطيع الحزب اليوم التأثير بشكلٍ جدي على الحياة السياسيّة، لكن عمله بشكل هادئ يُشير إلى أنه يملك حداً أدنى من الكوادر التي يُمكن لها أن تصنع فارقاً يوماً ما.

دلالات

المساهمون