حرّية الرأي في الدنمارك مهدَّدة

حرّية الرأي في الدنمارك مهدَّدة

22 نوفمبر 2014
التهديدات تثير مخاوف الدنماركيين على حريتهم (بيار ألوزي/Getty)
+ الخط -

تؤخذ التهديدات لبرلمانيين وباحثين في الدنمارك على محمل الجد. فهي تأتي بعد 11 عاماً من اغتيال وزيرة خارجية السويد، آنا ليند، عام 2003. وكذلك بعد العمليتين الإرهابيتين في النرويج عام 2011.

وكانت الدنمارك بالذات قد شهدت في أواخر الثمانينيات استهداف مكتب لأحد التجمعات اليسارية بقنبلة أرسلها يمينيون متطرفون. وهو ما أدى إلى مقتل شخص وعدد من الإصابات.
ويشعر المجتمع الدنماركي بالجنوح المتزايد باتجاه التطرف. ويمكن لمس هذا في الخطاب السياسي لشخصيات يمينية ويسارية، باتت تستخدم شعبوية غير مسبوقة، في التعاطي مع شؤون البلاد.

وكشف النقاب أخيراً، عن تعرّض مسؤولة المجموعة البرلمانية لحزب اللائحة الموحدة، اليساري، يوهنا شميت نيلسن، لرسائل تهديد في حسابها على أحد مواقع التواصل. واحتوت الرسائل مضايقة صريحة وتهديداً علنياً بالقتل والإغتصاب. ولم تخفِ شميت قلقها من هذه الرسائل التهديدية. واعتبرت أنّها يمكن أن تمنع الناس من الانخراط في السياسة. وأضافت أنّ المسألة "تشكل خطراً على الديمقراطية، إذا ما قبلنا بأنّ الأمور تسير بهذه الطريقة".

ويتفق محللون وسياسيون على أنّ الديمقراطية يمكن أن تصبح مهددة إذا ما استجاب هؤلاء الأشخاص لحملة المضايقة والتهديدات المسلطة عليهم. ويعتبر الخبير في شؤون الاتصالات بجامعة البورغ، توماس بلوغ، أنّ "الديمقراطية ستعاني كثيرا، خصوصاً إذا ما انسحب المهددون من الترشح للانتخابات تحت وطأة التهديدات". ويضيف أنّ عجلة الديمقراطية تحتاج "إلى هؤلاء المستعدين للقيام بحوار علني مع المواطنين من دون الشعور بأنهم مهددون".

بدوره، يعتبر أستاذ الإعلام في جامعة آرهوس، ياكوب يانسن، أنّ استخدام الناس لوسائل تواصل مختلفة ازداد خلال العقدين الأخيرين. وزاد معه سوء الاستخدام، من خلال التهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الحوار العامة. التهديدات التي بدأ متلقوها بالإفصاح عنها لم تتوقف عند حدود برامج التواصل وما يسمى الصحافة الشعبية، بل باتت تتجاوز ذلك إلى حد استخدام وسائل التخفي، بخاصة مع تطور تقنيات الإنترنت والاتصالات التي تتيح التواصل كمجهول. وهو ما دفع بعض السياسيين إلى الامتناع عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

واليوم، بدأ العديد من السياسيين بالتخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي بعد تلقيهم تهديدات بالقتل
أيضا. وبحسب استطلاع قام به التلفزيون الدنماركي فإن 74 عضواً من أعضاء البرلمان الـ178، أعلنوا أنّهم تلقوا تهديدات بالقتل.

أحد هؤلاء هو أليكس أهرنيستين من حزب الشعب اليميني. فقد أكد أنّه تلقى تهديدات بالقتل عام 2011. لكنه يعترف: "عندما تركت وسائل التواصل الاجتماعي لم أعد أتلقى شيئا". وهو ما يعتبره بعض المراقبين هدفاً لدى مطلقي التهديدات. فالمطلوب إبعاد السياسيين عن ساحات التواصل والرأي.

من جهة أخرى، أعلن عن تلقي الشرطة العديد من البلاغات عن تلك التهديدات، منذ فترة طويلة. لكن يبدو أنّ التخفي وإرسال رسائل من دون أسماء يصعّب من مهمة الكشف عن هويات مطلقيها.

كما تبين أنّ معظم السياسيات تعرضن لتهديدات وكلمات جارحة ونابية. وتطرق برنامج تلفزيوني بعنوان "اصمتي أيتها المرأة" لتلك التهديدات التي طالت عضوات برلمان من شتى الاتجاهات السياسية. واعترفت مقررة الشؤون السياسية في حزب راديكال (وسط) زينا ستامب بأنّها اضطرت لترك المنصب البرلماني تحت وطأة هذه التهديدات.

هذه الظاهرة المقلقة بالنسبة لمجتمع يتمتع بحريات كبيرة، تكشف عن تحولات يعتبرها كثيرون خطيرة على الحريات في الدنمارك. فقد تعرضت 21 سياسية، من أصل 35 استطلعت آراؤهن، لمضايقات وتهديدات بالقتل. وفي هذا الإطار، يقول خبراء في التواصل الاجتماعي، إنّ تلك التهديدات والمضايقات، التي تحمل تعابير مشينة بحق النساء "لا ترتبط بطبقة اجتماعية محددة ولا بمستوى تعليمي معين، فمجرد امتلاك جهاز حاسوب وهاتف ذكي يمكّن البعض من ممارسة التهديد".

بعض السياسيات، من أحزاب مختلفة، تعرضن لتهديدات بالاغتصاب، والتهجم على أساس المعتقد السياسي والديني. ويندرج في هذا الإطار، التهديد بالقتل الذي تلقته البرلمانية من حزب الشعب الاشتراكي، أوزليم شيكيش، ذات الأصول التركية. وجاءت التهديدات عقب حضورها قبل أشهر مراسم افتتاح مسجد كوبنهاغن. في المقابل، تلقت بعض السياسيات تهديدات بسبب موقفهن الرافض للحجاب. وهو ما يوحي بأنّ التهديد يأتي من جهات مختلفة.