حافظ مَرْبُو.. مصادفات تشكيلية مدروسة

08 مايو 2014
+ الخط -

تحت عنوان "تحولات"، شهد رواق "محمد الفاسي" (الرباط) أول من أمس افتتاح معرض تشكيلي للفنان المغربي حافظ مَرْبو، يندرج ضمن سلسلة المعارض الفردية أو الجماعية - التي دشّنها هذا الفنان الشاب (1974) منذ تسعينيات القرن الماضي، إن في المغرب أو في عدد من المدن الأوروبية.

فكما في معارضه السابقة، يراهن مربو في أعماله المعروضة حالياً على غموض المادة وإمكانياتها التعبيرية الكامنة، كسند أساس قبل إخضاعها إلى متوالية لونية وخطية، إلى جانب بعض التوظيفات الغرافيكية المتوارية فوق سند القماش، بما يشي بخبرة جمالية أكيدة.

وعن هذه التجربة الملفتة، يرى الفنان والروائي ماحي بنبين أنها تعكس سحراً لونياً، وتمنحنا الإحساس بذلك الانصهار المضمر بين القوة والنعومة؛ كما تستدعي، لدى تأملها أو قراءتها، ذلك النوع من الصمت الذي تقتضيه دور العبادة؛ صمت تتوارى فيه الكليشيهات والأفكار الكبيرة لصالح اتساق الرؤى الباحثة عن الجديد والمختلف والمجتهد على السواء.

وفي هذا الإطار، يبدو واضحاً انحياز الفنان في استعمالاته اللونية إلى ذلك النوع من التوظيف المتخفف من الثرثرة أو بالأحرى من المجانية اللونية، وذلك بطريقة تجعل اللون مفردة، ضمن مفردات تشكيلية أخرى، لا تحاول تقديم معنى إبداعيٍّ جاهز ناجز، بقدر ما تعكس ـ ضمن تناغُم إيقاعي شامل ـ إيقاع الفنان الداخلي، وهو ينخرط في دَوْزنة مكونات لوحته؛ ما يخلق تواطؤاً جمالياً بين مختلف عناصرها.

من هنا ذلك الحضور الصافي للون البارد في انسيابيته فوق سطح اللوحة، معاكساً مبدأ الجاذبية؛ ما يشي بلعب طفولي لا تنقصه الجدة وصرامة الإنجاز، في أفق تثبيت آثار هي أقرب إلى المصادفة الموجّهة المدروسة منها إلى التداعيات التشكيلية الحرة.

من جهته، يرى الفنان والناقد إبراهيم الحَيْسن فيما أسماه بـ"حياة الأثر"، أن كل لوحة من لوحات هذا المعرض هي في الأصل واقعة تصويرية تختزل زلزالاً لونياً يولد معنى يشتبك داخله تصادم المواد والأصباغ والنتوءات البارزة، الناتجة عن دمج أجسام رفيعة ودفنها في جسد اللوحة لمنح الأثر قوته الخالدة. وخلال قيامه بذلك - يضيف الحَيْسن - ينفخ الفنان الحياة في الأثر عبر تدفقات الألوان الممزوجة والمواد المنصهرة، بدرجة عالية من التحرر، وكأنه بذلك يدرّبنا على الإنصات بالعين لنبضات اللوحة، باعتبار أن المرئي قابل للقراءة والسماع أيضاً.

تأسيساً على ما سبق، يمكن اعتبار تجربة حافظ مربو التصويرية مغامرة بامتياز، نظراً إلى استثمارها في العابر والهش والعفوي، ليس فقط ضمن ارتباطٍ بالجانب التقني، بل أيضاً ضمن علاقة بالموضوعات المقارَبة، أي بما تلتقطه العين النبيهة من أشكال تجريدية تقترب من مناطق المطلق والمنفلت؛ بدلاً من رهانها على الجاهز أو المكرَّس. وهو ما يعكس تكويناً وخبرةً ومعرفةً راكمها الفنان من خلال مشاهداته وإنصاته المتواضع والعميق إلى تجارب الآخرين.

باختصار، طموحٌ تصويري مجتهد ومغامر لفنان لا يكترث كثيراً للمعاني "المطروحة في الطريق"، بقدر ما يسعى إلى نحت لمسة فنية خاصة ترعى خيالها في أرض التجريب الواسعة؛ تجريب يستمد كل قيمته من إبقائه على فضاء المعنى مفتوحاً على كل احتمالات القراءة وتداعيات التأويل الرحبة.

______________________

يستمر المعرض حتى 30 أيار/ مايو 2014

رواق محمد الفاسي، 1 زنقة غاندي، الرباط

المساهمون