ولن تتوقف الملاحقة والبحث في أرشيف الصحف ووسائل الإعلام وفي الاجتماعات السياسية عن جملة أو عبارة يشير فيها كوربين لإسرائيل وسياساتها، حتى لو أصدر توضيحات وشروح تفسر حقيقة التصريح أو القول، أو حتى لو قدم الاعتذار تلو الاعتذار عن أي تصريح، عن حتى مجرد شبهة معاداة السامية أو اليهود كيهود وليس كصهيونيين، لأن كوربين بات في نظر إسرائيل ونظر اللوبي الإسرائيلي بمثابة "الصوت الوحيد الصارخ في البرية" ضد إسرائيل، وبالتالي لا مجال آخر سوى إسكات هذا الصوت وإبعاده عن المشهد العام الرسمي في بريطانيا، بعيداً عن أي محفل سياسي شرعي وجمهوري مؤثر ولو على رأس حزب معارض.
الهدف هو ليس فقط إبعاد كوربين، وإنما، وهو الهدف الأهم اللاحق، تشكل الحرب على كوربين حرباً استباقية، الغاية منها منع ظهور كوربين آخر إضافي، سواء داخل بريطانيا نفسها، أم في موقع وبلد آخر في أوروبا أو أي بقعة من بقاع الأرض.
هي إذاً سياسة إسرائيل لجعل جيرمي كوربين، كما من سبقوه في الماضي، وبينهم القس ديزموند توتو، والمستشار النمساوي الاشتراكي، اليهودي الأصل، برونو كرايسكي، عبرة لمن اعتبر هدفاً للاتهام بمعاداة السامية، فقط بفعل مواقفهم المناصرة للشعب الفلسطيني، مقابل صكوك غفران وثناء متواصل على فاشيين ومعادين حقيقيين للسامية بشهادة يهود بلادهم، مثل رئيس حكومة المجر فكتور أوربان، أو قادة حزب الحرية النمساوي، ما دمت تناصر سياسات الاحتلال والاستيطان وجرائم الحرب الإسرائيلية.
من هنا فإنه في سبيل هذا الهدف يجري تجنيد غالبية يهود بريطانيا ضد كوربين، وحثهم للضغط على حزب العمال البريطاني لعزل كوربين، مع أن 13 في المائة من أصل نحو 290 ألف يهودي يعيشون في بريطانيا صوّتوا لحزب العمال البريطاني. ولا يشكل تجنيد صحف بريطانية في البحث والنبش في تاريخ الرجل ولقاءاته وتصريحاته قبل سنوات طويلة، إلا دليلاً على مدى تصميم إسرائيل ليس فقط على التخلص من كوربين بل وجعله عبرة للآخرين.