جنيف2: مواصلة التفاوض من أجل التفاوض؟

جنيف2: مواصلة التفاوض من أجل التفاوض؟

30 يناير 2014
+ الخط -
لم يتصافح طرفا التفاوض السوريان في جنيف منذ بدء المؤتمر. الأرجح أن يكون الاتصال بينهما مقطوعاً على مستوى النظرات أيضاً. تتأكّد المسألة عبر قيام المبعوث الأممي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، نقل وجهات النظر بينهما. "الفجوة كبيرة" يقول الإبراهيمي، ويبدو أن المفاوضات التي ستنتهي يوم الجمعة المقبل ترتسم غايتها في قياس حجم هذه الفجوة. يضيف السياسي الجزائري أن "الطرفين يبدوان مستعدين للبقاء والاستمرار".

يقيم الوفدان في فندقين مختلفين. وبحسب المعلومات، يبدو الفندق الذي يقيم فيه وفد النظام أكثر فخامة من فندق وفد المعارضة، والمسافة بين مقرّي الإقامة تصل إلى كيلومتر ونصف كيلومتر.

تعكس حالة التواصل هذه، الوضع على الأراضي السوريّة. ليس في ما يتعلّق بالمواجهات العسكريّة بين قوّات النظام والفصائل العسكريّة المقاتلة فحسب، وإنّما على مستوى القطيعة النفسيّة بين شارعين سوريين: موالاة ومعارضة.

انقطاع التواصل يعطي صورة عن مستوى الرفض الذي يتواجه به ما يمكن تسميتهما "الشعبين" في سوريا. التفاوض، شكلاً ومضموناً، الذي جرى حتى اليوم، يعبّر بصدق عن واقع الحال: شعبَا سوريا يقطنان على أرض واحدة، ووفدا التفاوض يلتقيان تحت سقف واحد هو، قطعاً، ليس "سقف الوطن" بحسب المصطلحات الإعلاميّة والسياسية لـ"شعب النظام". ربما شكّل هذا التقدّم، "الانتصار" الفعلي الوحيد الذي حققته الثوّرة في سوريا؛ إذ يشكّل بيان "جنيف1" السقف والأرضيّة في المفاوضات الجارية بغض النظر عن الاختلاف في شأن التفسير والتأويل والأولويات.

"جنيف2" اختبار لمدى قدرة "الشعبين" الممثلين بوفدين على الالتقاء مجدداً. لهذا السبب، ربما، لن يكون من السذاجة اعتبار استمرار التفاوض رغم "الفجوة الكبيرة" بين الطرفين، باعثاً على التفاؤل بالنسبة للبعض. التفاوض من أجل التفاوض في الحلقة الثانية من سلسلة جنيف، يبدو هدفاً في حدّ ذاته، وإنْ اختلفت "إيجابيات المرحلة" التي يراها كل طرف وفق ما يريد.

المتحدّث باسم وفد "الائتلاف"، لؤي صافي، وصف محادثات يوم الأربعاء بالإيجابيّة، معللاً ذلك بالحديث "للمرة الأولى في مسألة هيئة الحكم الانتقالي". كذلك كان تقويم المستشارة الإعلاميّة والسياسيّة للرئيس السوري، بثينة شعبان، التي رأت أيضاً أن "المحادثات كانت إيجابيّة، لأننا تحدثنا عن الإرهاب".

تقول المستشارة إنّ الفارق بين الوفدين يتمّثل في أنّ ممثلي النظام يريدون أن يناقش بيان جنيف1 فقرة فقرة، في حين أنّ وفد المعارضة يريد أن "يقفز" إلى الفقرة التي تتحدث عن الهيئة الانتقاليّة.

تتجاهل المستشارة أنّ مسألة العمل على تشكيل "هيئة الحكم الانتقالي" وتحويلها إلى أولويّة، جاءت على خلفية فشل خطة النقاط الست التي عمل على تطبيقها المبعوث الدولي السابق إلى سوريا، كوفي أنان. تمّ القفز إلى تلك الفقرة بعد انسحاب المراقبين الدوليين من الأراضي السوريّة، وبات أمر تطبيق بنود جنيف1 التي تأتي في مقدّمتها "نقاط خطة عنان"، مرهوناً بتشكيل هيئة حكم انتقاليّة تضمن تنفيذ بنود الخطة.

يتجاهل الوفد السوري قرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي تمّ التصويت عليه في 27 أيلول/سبتمبر العام الماضي، بعد شهر على استخدام النظام للسلاح الكيماوي. طالب القرار حينها، والذي كان أوّل قرار يُتخذ بالإجماع حول سوريا، بالعودة إلى تطبيق بيان جنيف واحد، إضافةً إلى تدمير السلاح الكيماوي، لكن هذه المرة بدءاً من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات.

في المقابل، نفى عضو وفد "الائتلاف" أحمد رمضان عبر صفحته على "فايسبوك"، الأنباء التي شاعت عن لقاءات سريّة بين وفدي النظام والمعارضة في العاصمة السويسريّة بيرن. غير أن رئيس الحكومة السوريّة المؤقتة، أحمد طعمة، ناقض رمضان، وقال إنّ "هذه المفاوضات جرت بالفعل"، لكنه أكد عدم مشاركة أعضاء من وفد المعارضة في جنيف لها، مشدداً على أن الائتلاف لا يقبل بنتائج أي محادثات سرية تجري في بيرن بمشاركة الإيرانيين".

ربما سينتظر السوريون انتهاء قضايا كثيرة لا تبدأ بالنووي الإيراني وقد لا تنتهي بالأزمة الأوكرانيّة، كي يستعيدوا إمكانية النظر إلى بعضهم من جديد، فـ "هناك كسر للجليد، ببطء، لكنه ينكسر"، كما يقول الإبراهيمي.