جرائم إسرائيل في القانون الدولي الإنساني

جرائم إسرائيل في القانون الدولي الإنساني

06 اغسطس 2014

جندي إسرائيلي يهيئ قذائف العدوان في دبابة (يوليو/تموز/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

عندما يُسأل أي مسؤول أو صحفي إسرائيلي: لماذا تقصفون وتقتلون الأهالي في قطاع غزة؟ تكون الإجابة حاضرة، وبقوة: المسؤول الرئيس عن ذلك حركة حماس الإرهابية التي تحتمي بالمدنيين، وتتخذهم دروعاً بشرية. سمعنا هذا التبرير، حتى في قصف مراكز ومقرات تابعة للأمم المتحدة، ومنشآت مشمولة بالحماية، كالمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وأصبح ذلك التبرير، بسبب الماكينة الإعلامية الرهيبة المكتوبة والمسموعة للكيان الصهيوني، أمراً شبه مسلم به لدى كثيرين في الغرب، وسط ضعف شديد في الرد على ذلك باللغة الانكليزية تحديداً. وكذلك الحال في استهداف منازل القادة السياسيين للمقاومة، فالمسؤولون والإعلاميون الإسرائيليون يكررون مقولة إن هؤلاء أهداف مشروعة، حتى تحول ذلك إلى شبه مسلمة لدى قطاع واسع عربي وغربي في هذه المسألة. وثمة الانبهار العجيب بإرسال إسرائيل تحذيرات للأهالي قبل عمليات القصف والتدمير، وتباهيها بذلك في التحقيقات التي تصدرها بعد حروبها.
المدنيون وإشاعة الدروع البشرية
يحكم القانون العرفي الإنساني طبيعة النزاع المسلح بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بحركة حماس وغيرها، ويعتبر ملزماً لجميع الأطراف، وكذلك تنطبق المادة المشتركة رقم ثلاثة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بالأراضي المحتلة. فإذا فرضنا، جدلاً، صدقية الرواية الإسرائيلية أن حماس تتحصن

بالمدنيين، وتستخدمهم دروعاً بشرية، فذلك لا يعفي إسرائيل من مسؤوليتها القانونية، ولا يبرر وجود شخص، أو عدة أشخاص في منطقةٍ أن تبيد إسرائيل أسرته، أو تستهدف السكان المدنيين في تلك المنطقة، وتقتلهم جميعاً. ومن هنا، يقع على إسرائيل أن تثبت بالبراهين أسباب استهدافها المدارس أو المستشفيات أو المنازل السكنية.
نعم، يحظر القانون الدولي استخدام المدنيين دروعاً بشرية، ومن ذلك السيطرة على منطقة وإجبارهم على البقاء فيها، (ولم يثبت أن المقاومة الفلسطينية ارتكبت ذلك). وبالتالي، فإن المسؤولية تقع على إسرائيل أن تبرر هجومها، وليس العكس. وفي حال ثبتت صحة الادعاءات الإسرائيلية، فإن عليها أن تميز في استهدافها بين المدنيين والعسكريين، وثانياً التناسب في الهجوم، بحيث تقع على المهاجم مسؤولية إلغاء الهجوم أو تعليقه، في حال كان الضرر المدني المتوقع أكثر أهميةً من الهدف العسكري. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في هذا الخصوص، فإنه "يتوجب حقن دماء المدنيين، وتجنب الأهداف المدنية في أثناء القيام بالعمليات الحربية". بمعنى أن الضرورة العسكرية تخضع للأحكام العرفية المتعلقة بها، أما إذا أردنا الاحتكام للمنطق الإسرائيلي بقتل وتدمير جميع الأهداف التي يحتمل أنها تشكل خطراً عسكرياً لم يثبت بعد، فهذا يشكل نسفاً تاماً لأبرز مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتبريراً غوغائياً لعمليات القتل والتدمير.
لكن، على الرغم من ذلك كله، فإن جميع المؤشرات تؤكد أن القوات الإسرائيلية تستهدف متعمدة المدنيين، وليس بشكل عشوائي، كما يردد كثيرون، بمعنى أنه قتل وتدمير متعمد وعشوائي في الوقت نفسه. ففي معظم الهجمات التي قتل فيها مدنيون، لا يوجد حتى اللحظة أي دليل ملموس على وجود قوات، أو أسلحة، للمقاومة الفلسطينية في تلك المنطقة، قبل الهجوم أو في أثنائه، كما أن نسبة النساء والأطفال إلى المجموع الكلي للقتلى 34% (بلغ عدد الضحايا قرابة 1850 بينهم 390 طفلاً و210 نساء)، وفي حال الجرحى 47% (بلغ عدد الجرحى نحو 10 آلاف، بينهم 2830 طفلاً و1940 امرأة). وهذه إحصائيات لوزارة الصحة الفلسطينية منذ 8 يوليو/تموز الماضي حتى 4 أغسطس/آب الجاري. وربما تكون إسرائيل قد استهدفت، عبر هجماتها، مواقع وأسلحة تابعة للمقاومة، قرب أماكن سكنية، لكن هذه النسب المرتفعة في سقوط النساء والأطفال، قتلى أو جرحى، دليل صارخ على تعمد استهداف المدنيين.
جرائم حرب إسرائيلية
إذن، خرقت القوات الإسرائيلية أهم المعايير في القانون العرفي الإنساني، مرتكبة بذلك جرائم ترقى إلى أن تكون جرائم حرب، خصوصاً إذا علمنا أن الأسلحة الإسرائيلية في وسعها التخفيف، بشكل هائل، من نسب الإصابة في صفوف المدنيين، بما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة، غير موجودة في أسلحة المقاومة الفلسطينية، فبعض الصواريخ الإسرائيلية تحمل كاميرات خاصة، تمكّن من يطلقها من مراقبة الهدف، وبالتالي، تغيير مساره، في حين تبين له عدم وجود منشآت، أو أهداف عسكرية. ولكن، فيما ظهر من حصيلة الضحايا يبدو لنا أن مطلق الصاروخ تأكد من أنه سيقتل نساء وأطفالاً ورجالاً مدنيين، وتركه يستمر في إكمال طريقه، حتى قتلهم!
ونرى أن إسرائيل توسعت في هذه الحرب بقتل المدنيين، وعلى نحو ممنهج، وأصبحت الجرائم ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وهذه منهجية وسياسة حكومة. أما فيما يتعلق باستهداف القادة السياسيين لحركات المقاومة الفلسطينية، وتجييش الرأي العام على

اعتبارهم أهدافاً مشروعة، فذلك لا يغيّر من الحقيقة شيئاً، بل لا بد من العمل، بشكل حثيث، للرد حقوقياً على الادعاءات والأباطيل الإسرائيلية، فالقانون الدولي الإنساني في غاية الوضوح، في هذه المسألة أيضاً، وهي أن يشترك القائد السياسي بالتخطيط العسكري، أو أن يشارك فعلياً في الميدان العسكري، ويتحول إلى مقاتل. ما عدا ذلك فهو هدف مدني، يحظر في جميع الأحوال استهدافه، وعلى إسرائيل، في هذه الحالة، أن تثبت، بالأدلة والبراهين، مشاركة السياسي الذي قتلته بأنه ساهم في العمليات القتالية، وإلا تكون قد ارتكبت جريمة حرب.
وحتى في حال استهداف القادة العسكريين، والذي يسمح به القانون الدولي الإنساني، فإن على الجهة المهاجمة أن تحترم مبدأ التناسب الذي ذكرناه سابقاً، هل تقبل إسرائيل أن تقصف المقاومة الفلسطينية منزل أحد عناصرها، وتقتله مع جميع أفراد أسرته؟
وقد انبهر كثيرون في الغرب بإعطاء إسرائيل تحذيرات، قبل ارتكابها عمليات القصف والتدمير، وهذا أيضاً يعتبر جزءاً من سياسة التضليل والخداع الإسرائيلي الذي يترافق مع ضخ إعلامي منظم وهائل. ونحن، كحقوقيين، نرى أن لا قيمة لهذه التحذيرات، لأنها لم تكن فعلية، أي يجب أن تحتوي على معلومات عن مكان الهجوم وزمانه. وثانياً، وهو الأهم، المدة الزمنية المعطاة بعد التحذير يجب أن تكون كافية لإخلاء المكان. وفوق كل ذلك وبعده، فإن إطلاق التحذيرات وإعطاءها، ولو كانت فعالة، فإن القانون الدولي الإنساني واضح جداً بأنه لا يعفي الطرف المهاجم من مبدأي التمييز والتناسب، السابقي الذكر، بل إننا نتهم إسرائيل، وبوضوح، بتحويل التحذيرات من أداة نبيلة إلى سلاح حربٍ، يهدف إلى تهجير سكان المنطقة، ونشر الخوف والرعب في نفوسهم.
السلطة الفلسطينية والمحكمة الجنائية الدولية
أخيراً، وفيما يتعلق بالحصار المفروض على قطاع غزة، فإن إسرائيل ما زالت بيدها السيطرة الفعلية على حدود القطاع البرية والبحرية والجوية، والكهرباء والمياه والاتصالات، وقانون الأراضي المحتلة الوارد في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وإسرائيل طرف فيها، يسري على قطاع غزة، على الرغم من الانسحاب القسري منه، وتنص المادة 33 على "حظر العقوبات الجماعية والتهديد والإرهاب"، وتنص المادة 55 على "تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية"، والمادة 59 "على دولة الاحتلال السماح بعمليات الإغاثة". وفي القانون العرفي الإنساني، القاعدة 53، "يحظر تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب"، والقاعدة 55 "السماح لأطراف النزاع بمرور مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين".
يبقى كل ما ذكر حبراً على ورق، ما لم تتم ملاحقة مرتكبي الجرائم، وتقديمهم للعدالة، ومنعهم من الإفلات المتكرر من العقاب، والذي يرسل لجميع المجرمين، على وجه الأرض، رسالة ضمان بالاستمرار في ارتكاب الجرائم، وسط حماية سياسية روسية صينية، في حالة النظام السوري، وأميركية أوروبية في حالة إسرائيل. يجب فصل المسار السياسي تماماً عن المسارين الحقوقي والإنساني، لأن من حق أهالي الضحايا مشاهدة مَن قتلوا واعتدوا على أبنائهم وأموالهم يساقون إلى المحاكم، جميعاً من دون تمييز بين عرق أو دين. وبهذا التوجه، نوصي السلطة الوطنية الفلسطينية بأن تصادق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن يتم الفصل بين مسار المفاوضات وحقوق الضحايا. ولا بد من التوجه إلى هذه المحكمة، إنصافاً لعشرات آلاف الأُسر الفلسطينية التي قتل أبناؤها، أو دمرت منازلها، وشرد واعتقل وعذب أهلها عشرات السنين.
بغير ذلك، إسرائيل ماضية، وبقوة، في الاستمرار كلما أرادت ارتكاب جرائمها، والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مستمرة في تزويدها بالسلاح والعتاد، على الرغم من استخدام هذا السلاح في ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، على غرار تزويد روسيا وإيران النظام السوري بالأسلحة.
ولا بد من تطبيق قيم حقوق الإنسان وقوانينها على جميع الشعوب، فلقد ترسخ شعور تام لدى شعوب منطقة الشرق الأوسط بأن قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تنطبق عليهم، وأنها مجرد حبر على ورق، يتم استخدامه عند الضرورة السياسية، بغض النظر عن جوهر الإنسانية، ثم يسألونك من صنع التطرف، وكيف نحارب الإرهاب!؟

 

E0FFB8D7-C4F5-401E-B05D-B5A616670725
فضل عبد الغني

كاتب سوري، مواليد 1978، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان