جدل حول جدوى تكنولوجيا التعليم: دول عربية خارج السباق

جدل حول جدوى تكنولوجيا التعليم: دول عربية خارج السباق

05 نوفمبر 2016
قدرة المعلمين على استيعاب التكنولوجيا ضعيفة(Getty)
+ الخط -

منذ سنوات اتجه العالم إلى تغيير نظامه التعليمي وتوقف اعتماده على السبورة العادية والطباشير والكتاب الورقي الذي استبدل بالسبورة الذكية والتابلت والكمبيوتر واستخدام الإنترنت فائق السرعة والكتب الإلكترونية. إلا أن دراسة حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توصلت إلى أن الإفراط في اعتماد المدارس على التكنولوجيا الحديثة في المنظومة التعليمية لا يسهم في تحسين أداء الطلاب تعليمياً، بل على الأرجح قد يكون سبباً في انخفاض التحصيل الدراسي.

وجدت الدراسة أن الأنظمة التعليمية الأكثر نجاحاً وتحقيقاً للأهداف لا تعتمد بقدر كبير على التكنولوجيا الحديثة. وتأتي في مقدمتها كوريا الجنوبية، إذ يقضي الطالب حوالى 9 دقائق على الإنترنت أثناء اليوم الدراسي تليها في الترتيب شنغهاي بعشر دقائق يومياً، ثم هونغ كونغ بمعدل 11 دقيقة، بعكس أستراليا والدنمارك واليونان التي يقضي طلابها ما يقرب من الساعة يومياً على شبكة الإنترنت خلال اليوم الدراسي.


التشكيك في التكنولوجيا

تصرف الدول مليارات الدولارات على إدراج وتحديث التكنولوجيا في المدارس ويقدر الإنفاق العالمي على التكنولوجيا في المدارس بنحو 27 مليار دولار. لكن خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أصبحوا يشككون الآن في نتائج هذه السياسة التعليمية.

يقول مدير القسم التعليمي في المنظمة أندريس شلايدر "لطالما سادت آمال كاذبة في ما يخص تعميم التكنولوجيا واستخدام الحواسيب في المدارس، واعتقد الناس أنه طالما أدخلت التكنولوجيا إلى المدارس فإن هذا سيحسن من مناخ التعليم تلقائياً، وهو ما اتضح أنه غير صحيح بعد إجراء هذه الدراسة".

فهل يجب علينا إعادة النظر في كيفية استخدام التكنولوجيا ودمجها في العملية التعليمية، أم العودة للطرق التقليدية مرة أخرى.


إيجابيات وسلبيات

وتعلق مسؤولة التطور التكنولوجي بإحدى المدارس الثانوية كريمة رمضان على نتائج الدراسة، قائلة، إنه "من المبالغ فيه أن نقول إن التكنولوجيا أثرت بالإيجاب بشكل كامل في المجال التعليمي، لكن في الوقت عينه، من الخطأ أن نصوب كل السلبيات في مرمى التكنولوجيا وكأنها لم تأت بأي شيء إيجابي. ومن هنا يجب ألا نغفل أهمية الاعتماد على التكنولوجيا في مجال التعليم وما تحمله من ايجابيات، مثل اعتماد الطالب على نفسه في البحث عن المعلومة. فالمعلم لم يعد ملقناً للمعلومات بل صار مجرد مرشد للطلاب. كما أنها تزود الطلاب بالقدرة على التعامل مع التقنيات الحديثة وممارسة التجارب العلمية بشكل أفضل بعيداً عن مخاطر المعامل التقليدية في المدرسة".


وتضيف أنه "مع هذا وجب التنويه أيضاً عن سلبيات الاعتماد عليها بشكل كامل، فقد تصبح مصدراً لتشتت الطلاب وتضييع الوقت في تصفح مواقع لا تفيدهم. وهناك بعض الطلاب يقومون بأنشطة أخرى بعيدة عن الدرس مثل متابعة مواقع التواصل الاجتماعي أو متابعة مواقع أخرى قد تكون إباحية. كما يقتل الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الإبداع الفكري عند الطلاب ويقتل فيهم الموهبة والقدرات المختلفة بسبب إدمانهم لمجرد البحث عن المعلومة أياً كانت وتعطيل قدراتهم الأخرى. ولا يراعي الاعتماد الكلي على التكنولوجيا الفروق وقدرات الطلاب الفردية. فكل الطلاب تقدم لهم المعلومة بنفس الشكل وبنفس الطريقة التي قد تتوافق مع البعض ولا تتوافق مع البعض الآخر، وبالتالي يؤثر ذلك بالسلب على التحصيل الدراسي".

 



الأنماط التقليدية

وترى أن "الكثير من المعلمين يفضلون الأسلوب التقليدي في التدريس حتى الآن، إذ يبدو سهلاً لهم ولا يحتاج وسائل تعليمية كما أنه يوفر التواصل المباشر بين الطالب والمدرس. ويبرره المعلم بأن المناهج الدراسية المزدحمة والفصول المتكدسة للطلاب لا يناسبها سوى الطرق التقليدية. ويساعد في استمرار هذه الأنماط التقليدية إلى الآن السياسة غير الحكيمة عند تعامل الإدارة التعليمية مع أجهزة الحاسوب أو السبورات الذكية التي تخزنها في حجرة داخل المدرسة ولا توافق على استعمالها حفاظاً على (العُهدة)، وإذا تم استعمالها وحدث عطل في نظامها قد يتطلب الأمر أشهراً لإعادة صيانتها".

وتتخوف رمضان من إمكانية استغناء المنظومة التعليمية عن المعلم بعد بضع سنوات، مشيرة إلى أنه مع سيطرة التكنولوجيا سيأتي الوقت الذي لا يحتاج الطالب للمدرس وسينتهي دوره لتقوم التكنولوجيا بالدور التعليمي كاملاً، ولهذا يجب البحث عن الاستخدام الأمثل لها.

وهذه الدراسة ليست الأولى من نوعها، فبحسب وكالة الأنباء الألمانية، أكدت دراسة ألمانية عام 2014 صحة التشكيك بأن التكنولوجيا تؤدي إلى إضعاف مستوى تركيز الطلبة داخل قاعات الدرس. وأشارت الدراسة التي أجرتها جامعة "زارلاند الألمانية" إلى أن معظم الطلبة يستخدم الأجهزة لتصفح مواقع الإنترنت بدلاً من استخدامها لتسجيل الملاحظات أثناء الدرس أو المحاضرة، وينطبق ذلك على الهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية أو الكمبيوترات المحمولة.

افتقار الدول العربية

وعلى الرغم من هذه التخوفات والاهتمام برصد مساوئ استخدام التكنولوجيا في التعليم على مستوى العالم بعد سباق دام لسنوات في استخدام أفضل وأحدث التقنيات الحديثة، لا تزال العديد من الدول العربية تفتقر الاعتماد على الحواسب والتقنيات الحديثة في مجال التعليم. فبحسب تقرير "يونسكو" الصادر عام 2013، قامت بمقارنة استخدامات التكنولوجيا في خمس دول عربية: مصر، والأردن، وفلسطين، وعمان، وقطر، من حيث البنية التحتية، إدماج الإناث، استعداد الهيئة التدريسية والسياسات. 


وجد التقرير أن كل 120 طالباً في المدارس الابتدائية المصرية يتشاركون بحاسوب آلي واحد. وفي المرحلة الثانوية ينخفض الرقم إلى 25 طالباً. أما بالنسبة للدول الأربع الأخرى، تظهر مشاركة 19 طالباً لحاسوب واحد، وتنخفض إلى 5 في المرحلة الثانوية. ويعد الأمر أكثر سوءاً لو قارنّا بين مصر والدول الأربع الباقية في ما يتعلق بالحواسيب الموصولة بالانترنت. ففي مصر هناك حاسوب واحد متصل بالشبكة لكل 441 طالباً في المرحلة الابتدائية، والرقم يصل إلى 94 في المرحلة الثانوية.

ووصف التقرير قدرة المعلمين على استيعاب التكنولوجيا بالضعيفة للغاية، والأمر سائد في الدول الخمس وفي كل المراحل التعليمية (مقارنة بالمعايير العالمية) على الرغم من وجود العديد من السياسات الداعمة لاستخدام تكنولوجيا التعليم في الدول الخمس بالإضافة إلى مراكز دعم، إلا إن كل هذا لم يساعد في تحسين الوضع.


دلالات

المساهمون