جبل كلمنجارو: رحلة اكتشاف الذات وتحدي قوة الطبيعة

جبل كلمنجارو: رحلة اكتشاف الذات وتحدي قوة الطبيعة

20 ديسمبر 2014
المصمم الفني أشرف الفقي
+ الخط -
أثّرت رحلة المصمّم الفني، أشرف الفقي، إلى جبل كلمنجارو بشكل كبير على حياته، ووصف شعوره في حديثه لـ"العربي الجديد": "صعودي إلى جبل كلمنجارو غيّر نظرتي للحياة وللطبيعة. ذلك الجبل القاسي الذي أظهر ضعفي فوق مرتفعاته حتى حدود الاستسلام، هو ذاته عاد وكافأني وملأني بمشاعر التفوق والقوة، التي لا تقهر عندما وصلت إلى قمته. وبعد إنجاز رحلتي إلى الجبل العظيم، وعندما تلاقت عيناي بعيني الشمبانزي في محميّة غومبي، شعرت أن شيئاً في أعماقي قد تبدّل، ولم أعد سوبرمان الذي تسلق كلمنجارو بنجاح".

اختصر أشرف تجربة تسلّقه جبل كلمنجارو في تنزانيا، والسير في غاباتها والغوص في طبيعتها، بالقول: "ذهبنا إلى سيناء، وهناك دفعنا حماسنا لصعود جبل سانت كاترين، وهو أعلى جبل في مصر (1586 متراً). أسعدتني التجربة وكررتها بعد ذلك مرات عدة. وكان الوصول إلى رأس الجبل كالمكافأة التي أنالها بعد التعب".

بعد مصر، نضجت فكرة التسلق أكثر لدى أشرف، وصار يبحث عن الجبل الأعلى من سانت كاترين. وقاده بحثه إلى أحد جبال تايلند والذي يبلغ ارتفاعه نحو 3000 متر. " كانت الرحلة إلى تايلند رائعة، رأيت طبيعة مختلفة تماماً عن مصر. أمتعني التسلق وسط الأشجار الكثيفة والطبيعة الغنية بأشكال الحياة فيها". لم يكن حب أشرف للطبيعة مقتصراً على هواية التسلق فقط، فقد كان خلال زياراته المتكررة إلى لبنان يسير في وادي قاديشا، وهو أعمق وديان لبنان، يقع في منطقة بشرّي في الشمال على ارتفاع 1500 متر عن سطح البحر.

استمر بحث الشاب المغامر عن جبال أخرى يتسلقها. وفي أكتوبر 2008، حمل حقيبته وانطلق في اتجاه تنزانيا للصعود إلى جبل كلمنجارو. وقع اختياره على ذلك الجبل بالتحديد، ليس بسبب ارتفاعه البالغ 5985 متراً، وإنّما، أيضاً، "بسبب تنوّع الطبيعة فيه من سفحه وصولاً إلى قمته". وأضاف: "نبدأ صعود الجبل وسط غابات استوائية كثيفة، ومع ارتفاعنا وانخفاض منسوب المياه تباعاً، تصبح الطبيعة صخرية أكثر فأكثر، لكن الدهشة كانت عند وصولي إلى قمة الجبل الجليدية. لم أتوقع أن أرى جليداً في أفريقيا".

ما يميز كلمنجارو، بالنسبة لأشرف، أنّه جبل قائم لوحده، لا تحيط به أية مرتفعات، على عكس إفرست مثلاً فهي عبارة عن سلسلة جبال. وما لم يكن يعرفه أشرف أنّ هناك شروطاً ملزمة لا بدّ من التقيد بها عند الصعود إلى كلمنجارو. ومنها، أنّ على المتسلّق أن يصطحب معه دليلاً، يرافقه طوال رحلته.
يقول أشرف: "كنت أظن أنني سأحمل حقيبتي على ظهري وأصعد مع الصاعدين، لكن تبيّن لي أنّ المتسلّق، لن يصل إلى قمة الجبل بنجاح من دون مرافق محليّ، لقساوة الرحلة، وكثرة المسالك على الجبل".

رحلة صعود كلمنجارو دامت ستة أيام. كان المتسلقون ينامون في مخيمات أعدّت خصيصاً للاستراحات الليلية. أمّا إحضار الطعام والماء فكان من مهمة أشخاص يصعدون الجبل يوميّاً لهذا الغرض.
كان الشاب المرافق لأشرف مصدراً لمعلوماته ودهشته في آن. وأخبر كيف كان مرافقه يقول له دائماً ويكرّر Pole Pole باللغة السواحلية، وهي اللغة الرسمية في تنزانيا، التي تعني مهلاً مهلاً. "وقد أقنعني بأنّ التروي والهدوء، يجعلاننا نصل إلى القمة، وليس السرعة".
تسلق جبل كلمنجارو صعب للغاية بسبب زوايا الانحدار الحادة فيه، ونتيجة الضباب الكثيف الذي يلفّه في بعض مناطقه. يشرح أشرف: "صعدنا وسط الضباب على مدى أربع ساعات متواصلة. كانت الرؤية شبه منعدمة، لم يكن ممكناً الصعود من دون الدليل. كان يعرف الجبل بتفاصيله، يتحرك بسهولة وبراعة، ويصعد بخفة الغزال. كنت أراقب حركة قدميه شبه العاريتين فوق الصخور وفوق الجليد". ويعبّر عن استغرابه بلهجته المصرية "كان لابس شبشب، وأنا كنت استند إلى العصا، وأصعد رابع أعلى جبل في العالم، كمن يقوم بإنجاز تاريخي، وهو ماشي ومش فارقة معاه"!

ما زال أشرف متمسكاً بتعليمات مرشده في الجبل وينقل عنه أنّ "مهارة التسلق وحدها لا تكفي للوصول إلى قمة أوهورو، أعلى قمم كلمنجارو، بل يحتاج المتسلق إلى حواس مرهفة". ويضيف" الطبيعة أقوى من الإنسان، لذلك عليك أن تنصت لها جيداً". واختبر أشرف كيف أنّ على المتسلق أن ينصت إلى جسده، يقول: "صعود الجبل بسرعة يسبّب أعراضاً قد تؤدي إلى الوفاة. فالسرعة مع نقص الأوكسجين نتيجة الارتفاع، تسبب الصداع الذي يتحول إلى صداع حاد وتقيؤ، عندها على المتسلق أن يعود أدراجه وإلاّ يموت". الليلة الأخيرة التي سبقت وصول أشرف إلى قمة الجبل كانت اختباراً مختلفاً بالنسبة له. فقد وصفها بأنّها "ليلة اكتشاف الذات بضعفها وقوتها"، يقول: "وصلت إلى أقصى حالات التعب والإرهاق، فكّرت بحاجتي الملحّة للنوم، ورغبتي العارمة في وجبة طعام لذيذة، اقتربت من الاستسلام، وصرت أسأل نفسي أنا بعمل كِدة ليه"؟

لكن عند وصوله إلى القمة مع شروق الشمس، "نسيت تعبي وكل الصعوبات التي قطعتها، والخطر الذي اجتزته، وأدركت وأنا أنزل الجبل أنني قد أعيد التجربة من جديد".
بعد كلمنجارو، بدأ أشرف مغامرة من نوع آخر، فقد كانت زيارة محمية غومبي من ضمن برنامج رحلته. أمضى يومين ونصف اليوم للوصول إليها، وهي أصغر حديقة وطنية في تنزانيا. هي عبارة عن جبل مغطّى بغابات مطيرة، يطل على بحيرة تنجانيقا. قطع البحيرة بالقارب مدة 6 ساعات. وصل أشرف إلى المحمية ورأى الشمبانزي عن قرب، "عندما التقت عيناي بعينيه، لم أعرف من منّا كان يتفرج على الآخر، أنا أم هو؟". وأكد أنّ "رؤية الشمبانزي كانت من المكافآت الكبرى لي في تنزانيا، كانت أمراً مذهلاً، أنستني كلمنجارو، والإحساس بالنشوة عند قمته". بعد كلمنجارو زار أشرف النيبال في عام 2010، وصعد إلى جبل هيملايا أنابورنا.

عيون أشرف تبحث اليوم عن جبال أميركا اللاتينية، وتحديداً جبال بوليفيا وتشيلي، إلاّ أنّه يعتبر أنّ الطبيعة لم تبق كما هي هناك، فقد تدخل الإنسان فيها كثيراً. وهذا الأمر يبعده عن الطبيعة ولا يقرّبه منها.

دلالات

المساهمون