تونس مضطرة لتجنيد الشمس

تونس مضطرة لتجنيد الشمس

13 أكتوبر 2014
المجلس التأسيسي صادق على قانون لاستغلال الطاقات المتجددة (Getty)
+ الخط -

أثار قانون إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة في تونس، منذ وُضع على طاولة المداولات في المجلس الوطني التأسيسي في أواخر 2013، جدلا شاسعا وتجاذبات عديدة بين الحكومة التونسية من جهة وبين نقابة الشركة التونسية للكهرباء والغاز التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى.
فلئن اعتبرت الحكومة التونسية هذا القانون "ثوريا" و"منقذا بارزا من العجز الطاقي" الذي بلغ أعلى مُستوياته خلال سنة 2012 بنسبة 30%، وهو ما ينعكس سلبا على الدولة التونسية ويعمّق أزمتها الاقتصادية، فإنّ نقابة أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز أبدت احترازا شديدا من هذا القانون وتصدّت له بشتى الوسائل النقابية، بدعوى أنّه "يُمهّد الطريق إلى خصخصة شركتهم العامة العريقة، ويضرب القطاع العام ويفوّتُ فيه لصالح المُستثمرين الأجانب".

الكهرباء مقابل التراجع عن القانون

وإثر انسداد أفق التفاوض بين الطرفين، نفّذت الشركة التونسية للكهرباء والغاز إضرابا عامّا يومي 17 و18 سبتمبر/أيلول 2014. لكنّ هذا الإضراب لم يحُل دون المُصادقة على هذا القانون المُتعلّق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المُتجدّدة، في اليوم الثامن عشر من نفس الشهر بـموافقة 87 نائبا مُقابل تحفّظ 12 نائبا ورفض 7 آخرين.
وقد رافق احتدام الجدل الحاصل حول قانون إنتاج الكهرباء من الطاقات المُتجددة في تونس، حدث الانقطاع العام للكهرباء بكامل تراب الجمهورية التونسية يوم 31 آب/أغسطس 2014 بضعة أيام، بعد تلويح نقابة أعوان شركة الكهرباء بالإضراب العام وحرمان كامل البلاد من النور، وهي حادثة وصفتها الشركة التونسية للكهرباء والغاز بـ "التقنية".
وإن اتّفق المحلّلون مع وزارة الداخلية في نـفيـها لأن يكون سبب الانقطاع "إرهابيا"، فإنّ عديد المُختصين في ميدان الطاقة، أكّدوا أنّ البنية التّحتية لتوزيع الكهرباء في تونس وُضعت بشكل يجعل الانقطاع العام شبه مُستحيل من الناحية التّقنية، نظرا لتعدّد محطات التوزيع وارتباط كل واحدة منها بمُحافظات مُحدّدة دون سواها. كما أن الاستهلاك لم يبلُغ ذروته ذات اليوم، وهو يوم عطلة (يوم الأحد) سجّلت فيه تونس تراجعا ملحُوظا لدرجات الحرارة ولاستهلاك الكهرباء للتكييف، ولم يكُن الأشدّ قيظاً في هذه الصائفة.
كما جرت العادة أن تمتلئ الشواطئ التونسية بالمُصطافين في نهاية الأسبوع، فيتراجع الاستهلاك المنزلي للطاقة.
ولعلّ التحقيق الجاري في هذا الصّدد، بطلب من رئاسة الحكومة التونسية يأخذ فرضيّات هؤلاء بعين الاعتبار، ويكشف عن الخفايا الحقيقية للانقطاع العام للكهرباء.
وبالنظر إلى تكرّر هذه الحادثة في دول الربيع العربي المُجاورة، على غرار ليبيا وجارتها مصر اللّتين عاشتا لفترات طويلة هذه الصائفة، على وقع كابوس انقطاع الكهرباء الذي يشلّ الحركة الطبيعية للناس وللبلاد بشكل شبه دوريّ، أصبح عديد المحلّلين السياسيين يربطون انقطاع التيار الكهربائي بأسباب سياسية أو أمنية قد يُصيبون في تعديدها وقد يُجانبون الصواب.

الطاقات المتجددة: اضطرار أو خيار

وإن تضاربت الروايات الرّسمية وغير الرسمية حول انقطاع الكهرباء، فإن فرز غثّها من سمينها قد أوكِل إلى أنظار السلطات المُختصّة في كل من مصر وتونس. ولعله المؤكد الآن هو البحث في كيفية الخروج من الأزمة الطاقية، مهما كانت أسبابها، لتدارك ما يمكن تداركه في قادم الأيام.
السيّد عبد السلام الخازن (كاهية مدير الطاقات المتجدّدة بالوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة) أكّد لـ"العربي الجديد" أنّ الطاقات المُتجدّدة باتت فعلا التحدّي الأكبر الذي ستواجهه تونس لتجاوز العجز الطاقي، باعتبارها بادرت بوضع الإطار التشريعي الكفيل بإنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة، إما بهدف الاستهلاك الذاتي أو لتلبية حاجات الاستهلاك المحلي أو بهدف التصدير، رغم كل ما واجهته من ضغوطات داخلية كنّا قد أشرنا إليها.
الرهانات والتحديات التي ستخوضها تونس بعد المُصادقة على هذا القانون عديدة، ولا تقل إحداها أهمية عن الأخرى خاصة وأن تجليّات العجز كثيرة هي الأخرى، إذ تورّد تونس 60% من حاجياتها الوطنية من المواد النفطية بالعملة الصعبة التي ترهق اقتصادها بشكل كبير، وتؤمّن 47% من حاجاتها من الغاز من جارتها الجزائر، منقسمة بين توريد وإتاوة على أنبوب الغاز العابر لتونس في اتجاه إيطاليا التي خفّضت سنة 2013 من احتياجاتها من الغاز الجزائري بنسبة 40%، وهو ما جعل الإتاوة تنخفض هي الأخرى. هذا ويقتصر مزيج تونس الطاقي على الطاقات الأحفورية من نفط وغاز نادرين جدّا، في حين يشهد الاستهلاك نسق تضخّم سريع جدّا تضاعف 12 مرّة بين سنة 2000 و2012.

رهانات ذات عدة أبعاد

ويعدّ تأمين الإمداد الطاقي وتنويع مصادر المزيج الطاقي أبرز الرّهانات الاستراتيجية التي تواجهها تونس اليوم. إذ أكّد لنا السيد "الخازن" أن دراسات قامت بها وكالة التحكم في الطاقة، أثبتت أنه لن تكون هناك اكتشافات أحفورية مهمّة في النفط والغاز بتونس في أفق 2030. وهو ما يدفع تونس اضطرارا إلى استغلال الطاقات البديلة، خاصة وأن مناخها تتوفّر فيه أشعة الشمس والرياح على مدار السّنة.
ونظرا لارتباط الشأن الطاقي بقطاع الصناعة، فإنّ الرهانات الاقتصادية التي ستُواجهُها تونس اليوم، على غرار رهاني التقليص من الدّعم المباشر وغير المباشر للطاقة وتوفير طاقة بأسعار تنافسية لا يقلّان أهمية عن سابقهما. كما أنّ الواقع الاجتماعي الجديد الذي فرضته الثورة، والمُتسّم بعدم الاستقرار بين الغليان المفاجئ والهدوء المؤقّت يفرض على الدولة التونسية تحديّات اجتماعية مهمّة، قد تنجح في رفعها عبر تفعيل هذا القانون الجديد الذي سيُساهم في دفع الاستقرار الاجتماعي، وفي التنمية الجهوية عبر إيجاد ما يزيد على مائة ألف موطن شغل، وتحقيق نسبة استثمار تقارب ستة مليارات يورو، وتوفير بديل صناعي جديد يكفل للأجيال القادمة حقها الدستوري في بيئة سليمة، ويُخفّض انبعاثات الغازات الدفيئة المُضرّة بالبيئة لحدود 42 مليون طن في غضون 2030.
كل هذه التحديات مُجتمعة لو تمّ رفعها، "وهذا أصبح مُمكنا اليوم في تونس" حسب "الخازن"، وقد تمّت المصادقة على قانون إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، ستخلّص الدولة التونسية من عجزها الطاقي، وستقلّص من التبعية للخارج وسيخفّض من الشراءات بالعملة الصعبة، خاصة مع التراجع غير المسبوق لسعر الدينار التونسي.

مشروع تكامل الشبكات العربية

وباعتبار تقاسم هذه الهواجس المتعلقة بالشأن الطاقي، بين أغلب البلدان العربية التي عادة ما يقتصر مزيجها الطاقي على النفط والغاز دون سواهما من مصادر متجددة، وهو ما يجعلها عرضة لشبح العجز الطاقي والمديونية، فإنّ إمكانية ربط دول شمال أفريقيا في مجال إنتاج الطاقات المتجددة، وتكامل الشبكات بين دول الجوار، قد طُرِحت إثر الثورات العربية من خلال مبادرة "الطاقة النظيفة لعموم العرب" (PACE) التي أطلقتها الوكالة الدولية للطاقات المتجدّدة، والتي تسعى إلى خلق شبكات إقليمية مُتكاملة فيما بينها في مجال إنتاج الطاقات البديلة، في إطار الاستراتيجية العربية لتطوير تطبيقات الطاقة المتجددة، التي صدرت في القمة العربية في الرياض، يناير/كانون الثاني 2013، وبناء على التوصيات والمبادرات النابعة من "استراتيجية العموم العربية للطاقة المتجددة 2030".
ولئن تستبشر الدولة التونسية خيرا بهذا القانون الجديد الذي اعتبرته طوق نجاة من الأزمة الطاقية الراهنة، رغم ما رافق النقاشات التأسيسية حوله من جدل كبير ومن تجاذبات وصلت حدّ الإضراب العام، تبقى سُبل تطبيقه وحدها قادرة على كسب رضا الرأي العام الوطني والدولي، إذا ما تمّ تفعيله في كنف الشفافية التي أكّد عليها الدستور خاصة مع المستثمرين الأجانب، وإذا ما توصّل عمليا إلى كسب الرهانات الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية التي وضعتها الحكومة، قبل عرض مشروع هذا القانون على السلطة التشريعية. وهو ما سيُراقبه التونسيون وأجوارهم كذلك الذين قد تُلهمهم التجربة التونسية مرة أخرى، على مستوى اقتصادي هذه المرة.

المساهمون