تونس: لهذه الأسباب استعادت المؤسسة الأمنية دورها

13 فبراير 2014
+ الخط -


تعرضت المؤسسة الأمنية التونسية، طوال فترة ما بعد الثورة، إلى ضربات قاسية تحديداً من الجماعات الإرهابية، انعكست ارتفاعاً في أعداد قتلى المؤسسة الأمنية.
وأعاد هذا الامر المقارنات بين حال المؤسسة اليوم وبين ما كانت عليه زمن الرئيس التونسي، المخلوع زين العابدين بن علي. وغدا الجميع يسأل، أين تلك المؤسسة التي أحكم بها بن علي قبضته على الجميع؟ أين نجاحات الماضي؟ ومتى موعد قطف رأس الارهاب؟

لكن سرعان ما استعادت المؤسسة الأمنية تخطي هذه الضربات، بعدما نجحت في تصفية مجموعة من الشخصيات المتورطة في ملف الإرهاب.

يرى الخبير في المنظومات الأمنية، نور الدين النيفر، أن نجاح العمليات الأمنية الميدانية في تصفية ارهابيين عتاة ومتمرسين على القتال وفي إلقاء القبض على الضالعين في الاغتيالات، يعود إلى رفع اليد السياسية عن المؤسسة الأمنية، التي اصبحت تعمل وفق عقيدتها الأمنية من دون أي ضغوط أوعراقيل سياسية.

ويعتبر النيفر أن عملية "رواد"، التي قضت على المتهم الرئيس في اغتيال المعارض شكري بلعيد، كمال القضقاضي، كانت ضربة أمنية موفّقة، إذ أن القضقاضي "زار دولًا مختلفة كالعراق وسوريا والولايات المتحدة الأمريكية وليبيا وماليزيا، واندمج منذ الثورة التونسية في التنظيمات الجهادية".

واستمر مسلسل النجاحات مع عملية حي النسيم في ولاية اريانة، التي قبض فيها على أحمد المالكي المكنى بالصومالي، الذي يصنّف على أنه المطلوب رقم ٢ في عملية اغتيال بلعيد.
وفيما يؤكد النيفر لـ"الجديد" أن هذه العملية متصلة بعملية "رواد"، أشار إلى أن العمليات الأمنية ستتواصل نظراً لأنه كان هناك "خلايا نائمة أصبحت ناشطة اليوم، في رد فعل على الضربة القاتلة التي تلقتها عندما تمت تصفية قيادات الخلية الام، أي خلية رواد".
وشدد على أهمية مواصلة الأجهزة الأمنية عملها بالثبات نفسه والإصرار، ولا سيما أنه أصبح يوجد ثأر بين العناصر الإرهابية وقوات الأمن.

عملية رواد .. تحول نوعي استباقي
شكلت عملية رواد، نقطة تحول في التعاطي الميداني للأجهزة الأمنية مع الخلايا الإرهابية النائمة والمزروعة داخل المدن، التي كان من الصعب تحديد عددها بدقة أو حصر أماكن انتشارها.

ومرد هذا التحول، هو عمل استباقي أمني كان مبنياً على تقارير استخباراتية تخللها جمع معلومات ورصد تحركات مجموعة من الأشخاص، ما أفضى إلى حصر الشبهات في أشخاص محددين، حددت أمكان وجودهم ودوهمت قبل تحقيق نجاح اضافي مع عملية حي النسيم وإطاحة "الصومالي".

النقابات الأمنية
هذا النضج الأمني منذ أحداث منطقة الروحية الواقعة في مدينة سليانة في 2011، التي تعرض فيها عدد من الأمنيين الى القتل على أيدي مجموعات مسلحة، ترافق مع دور مركزي لنقابات الأمن.
في بداية تشكيلها قبل أكثر من سنة، لم ترق الخطوة رئيس الحكومة التونسية آنذاك حمادي الجبالي ووزير الداخلية علي العريض، بعدما فاجأت كل المعتادين على بنية أمنية عمودية لا تشرك أحداً في قراراتها، وتعتمد على مبدأ تطبيق التعليمات من دون نقاش، ليتحول الامر إلى صراع علني بين الحكومة والنقابات.

ومن أبرز ملامح هذا الصراع، اعلان النقابات الأمنية التونسية أنها "تخوض معركة" ضد السلفيين وأيضاً ضد أطراف سياسية نتيجة "تغولها" وسعيها إلى "تفكيك وزارة الداخلية" وانتهاج "سياسة التعليمات الفوقية"، متهمةً على وجه التحديد حركة النهضة الإسلامية التي كانت تنفي في كل مرة هذه التهم ضدها.

النقابات كانت حريصة منذ تشكيلها، أن تؤكد، أن الوضع الأمني في البلاد بات "ينذر بالخطر" في ظل "غياب قرار سياسي" واضح حول مكافحة ظاهرة الإرهاب. وشدد عدد من النقابيين، مرارا، على أن "الأمنيين في انتظار قرار سياسي واع بخطورة ما تتعرض إليه البلاد من تهديد"، وأن "أفراد الأمن صبروا كثيراً على التجاوزات وعلى الانتهاكات الجسيمة ضدهم".

وفي وقت لاحق على هذه التحذيرات، عاد المتحدث الرسمي باسم النقابة، شكري حمادة، ليعلن أن قوات الأمن ترفض "انتظار التعليمات في الوقت الحالي" للقيام بواجبها في مكافحة الإرهاب، مؤكداً أن القانون سيطبق من دون انتظار أية تعليمات"، وذلك بعد تلقي المؤسسة الأمنية مجموعة من الضربات الموجعة أودت بحياة عدد من أفرادها وطالت أيضاً قيادات أمنية على غرار الملازم الأول في الحرس الوطني التونسي سقراط الشارني.


ووصل الاحتجاج إلى تحرك غير مسبوق وصفه بعض بـ"التمرد داخل المؤسسة الأمنية"، عندما رفع أفراد الأمن في ثكنة العوينة كلمة "ارحل" في وجه الرؤساء الثلاثة، وهو ما دفع الجميع إلى التلويح بعقاب المسؤولين عن الأمر، باستثناء وزير الداخلية، لطفي بن جدو الذي اخيتر خلفاً للعريض بعد اختيار الأخير رئيساً للوزراء عقب استقالة الجبالي.


ونجح بن جدو في امتصاص غضب النقابات الأمنية، بعدما أبدى تفهماً لرد فعل الأمنيين في مواجهة ما تعرضوا له من استهداف وانكار لجهودهم.
وعرف بن جدو كيف يفتح صفحة جديدة مع النقابات على قاعدة الاستماع الجيد لها وتحقيق مطالب أفرادها المهنية والمادية، سواء عبر إعادة الاعتبار للأمنيين من خلال أطر قانونية جديدة وتزويدهم بمعدات لوجيستية أو من خلال اقرار التعويض المادي لمن هم في الصفوف الأولى للعمليات الميدانية.
كذلك يشير المراقبون إلى مسائل إضافية صبّت في اطار تعافي المؤسسة الأمنية، وعلى وجه التحديد تشبث رئيس الحكومة الجديدة، مهدي جمعة، ببن جدو للاستمرار في وزارة الداخلية، أخذاً بعين الاعتبار أنه تم دعم بقائه من النقابات الأمنية ووصل الأمر بها إلى حد الضغط لمنع استبداله.
وفي السياق نفسه، جاء اختيار رضا صفر الذي عين وزيراً منتدباً لدى وزير الداخلية وكلّف بالأمن العام، ولا سيما أن صفر يعدّ من بين القيادات الأكثر كفاءة في التعاطي مع ملف الارهاب. وهي تطورات أكدت قدرة المؤسسة الأمنية التونسية التعافي والترتيب لانطلاقة جديدة عنوانها مكافحة التحديات الأمنية، وعلى وجه التحديد، ملف الإرهاب.

دلالات