تواصل معاناة أهل الباب في ريف حلب

تواصل معاناة أهل الباب في ريف حلب

06 يناير 2020
الحياة عسيرة هنا (إسراء حاجي أوغلو/ الأناضول)
+ الخط -

في مدينة الباب في الشمال السوري، يشكو الأهالي وكذلك النازحون من قسوة العيش، خصوصاً مع الغلاء المستشري الذي أضعف قدراتهم.

يوماً بعد آخر تزداد أعباء الحياة على سكان مدينة الباب السورية الواقعة في شمال البلاد والخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، لا سيّما مع ارتفاع إيجارات المنازل وتكاليف الكهرباء والمواصلات والغذاء، فيما المداخيل متواضعة لا تكفي لسدّ الرمق هذا في حال توفّرت فرصة عمل.

أبو أحمد شيخ من سكان مدينة الباب، يتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "ارتفاع الأسعار الأخير بالتزامن مع العمليات العسكرية في مناطق تلّ أبيض"، شارحاً أنّه "سُجّل شحّ في الوقود ليزيد سعره، وبالتالي أسعار كلّ شيء آخر". يضيف أنّ "ما أجنيه من عملي لم يعد يكفي لتوفير الطعام لعائلتي، فرأيت نفسي مجبراً على التخلي عن المنزل الذي أستأجره والتوجّه إلى أحد المخيّمات". ويتابع شيخ: "لا أعلم ماذا أفعل لكي أبعد الجوع عن عائلتي. صحيح أنّني أعمل، لكنّ المدخول أقلّ بكثير من المصاريف، وإذا استمرّ الوضع على حاله فسوف نجوع في خلال الفترة المقبلة"، لافتاً إلى أنّ "المساعدات الإنسانية كانت تعيننا قليلاً لكنّها توقّفت".




من جهته، يقول أبو عمر الحمصي النازح إلى مدينة إدلب من ريف حمص، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحياة في الباب صعبة جداً، خصوصاً على النازحين، وكما يقول المثل الشعبي مثل قرط الصوّان". يضيف: "لا أعلم كيف أشرح ذلك، لكنّ فرص العمل تكاد تكون معدومة، فتجد شباباً ورجالاً مسؤولين عن عائلات من دون أن يعثروا على عمل... أيّ عمل يكفيهم شرّ العوز". ويتابع "كأنّما لا يكفينا سوء حالنا وقلة الدخل، فجاء ارتفاع الأسعار الكبير بحجّة انخفاض سعر صرف الليرة لتسوء الحال أكثر فأكثر". ويشرح أنّ "سعر خزّان المياه سعة خمسة براميل كان 800 ليرة سورية (نحو 1.5 دولار أميركي) أمّا اليوم فصار سعره 1400 ليرة (نحو 2.7 دولار)، علماً أنّ هذه الكمية في فصل الشتاء تكفي ثلاثة أيام وليس أكثر، فيما يتطلّب فصل الصيف كميات أكبر من المياه. أمّا سعر أمبير الكهرباء الواحد فقفز من خمسة آلاف ليرة (نحو 9.7 دولارات) إلى 9500 ليرة (نحو 18.5 دولاراً)، علماً أنّ أمبيراً واحداً لا يكفي للمنزل بل نحتاج اثنَين على أقلّ تقدير. من جهته، ارتفع بدل النقل في الباصات الداخلي من 100 ليرة (نحو 0.2 دولار) إلى 200 ليرة (نحو 0.4 دولار). كذلك ثمّة من يطلب تسديد الفواتير بالدولار الأميركي، مثل اشتراك الإنترنت". ويشدّد الحمصي: "نحن فقط من يشعر بعبء هذه المبالغ، فأنا عامل أتقاضى أجري بالليرة السورية لكنّني أحاسَب بحسب سعر صرف الليرة السورية في مقابل الدولار الأميركي. وثمّة فارق كبير بينهما".

أمّا علي جنيد، وهو من أهالي مدينة الباب، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العثور على منزل أمر صعب جداً، فكثيرة هي المنازل غير القابلة للسكن، إذ إنّها مدمّرة بشكل جزئي أو من دون أبواب وشبابيك وخدمات أو أنّ الشمس لا تدخلها ورطوبتها عالية. كذلك، فإنّ إيجار المنزل الصالح للسكن مرتفع جداً وتعجز عن تأمينه عائلات كثيرة بسبب البطالة العالية، علماً أنّ مالكي عقارات كثيرة استغلوا النزوح لرفع إيجاراتهم". ويتحدّث كذلك عن "المواصلات التي تُعَدّ عبئاً يومياً على العائلة، الأمر الذي دفع نازحين كثيرين إلى الاستعانة بالدراجات النارية كوسيلة نقل أقلّ تكلفة". ويوضح في السياق أنّ "متوسط دخل العامل في الباب يتراوح ما بين 70 ألف ليرة و100 ألف (نحو 135 - 195 دولاراً)، في حين تحتاج الأسرة إلى معدّل 300 دولار على أقلّ تقدير"، لافتاً إلى أنّ "نسبة البطالة تتخطّى 70 في المائة". ويؤكد جنيد أنّ "الغلاء طاول حاجات الأسرة الأساسية كذلك من مواد غذائية وغيرها، فسعر ربطة الخبز المؤلّفة من ستّة أرغفة يبلغ اليوم 250 ليرة (نحو 0.5 دولار) فيما تحتاج العائلة الواحدة إلى ثلاث ربطات على أقلّ تقدير. أمّا ليتر المازوت فوصل إلى 650 ليرة (نحو 1.3 دولار) وكيلوغرام الحطب الواحد 150 ليرة (0.3 في المائة) فيما تحتاج العائلة إلى ثلاثة لترات من المازوت أو 10 كيلوغرامات من الحطب يومياً".



وإذ يشير جنيد إلى أنّ "المساعدات تكاد تكون معدومة في مدينة الباب، إذ يقتصر الأمر على ما يقدّمه عدد قليل من المنظمات والجمعيات الخيرية بالإضافة إلى استفادة عائلات معدودة ممّا يقدّمه لها أهل الخير"، يوضح أنّ "ثمّة عائلات تبذل كلّ جهدها لتوفير ثمن الخبز فقط، وتكتفي بمواد بسيطة مثل الزيت والزعتر وربّ البندورة ودبس الفليفلة والزيتون في حال توفّر لها". ويكمل أنّه "صار من الطبيعي أن نلاحظ عائلات أخرجت أطفالها من المدارس من أجل العمل لتوفير ثمن الخبز على أقلّ تقدير. فنرى أطفالاً يشتغلون في أعمال مجهدة في مقابل أجور بخسة لا تزيد عن ثلاثة آلاف ليرة (نحو ستّة دولارات). حتى زواج القاصرات صار أمراً معتاداً، إذ إنّ العائلة تجد في ذلك أمراً يخفّف من الأعباء المتراكمة على الأسرة". وفي سياق متصل، يقول جنيد إنّ "الوضع الاقتصادي السيّئ تسبّب في زيادة السرقات وعمليات النصب والاحتيال، وثمّة عائلات أرسلت أبناءها للعمل في تركيا حتى يساعدوها على توفير احتياجاتها. أمّا العائلات التي تعجز عن توفير إيجار منزل، فتّتجه إلى المخيمات على الرغم من سوء الحياة فيها في ظل الاكتظاظ".




في الإطار نفسه، يقول تاجر مواد غذائية في مدينة الباب، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "شحّ الوقود وانهيار سعر صرف الليرة السورية في مقابل الدولار الأميركي تسبّبا في رفع الأسعار إلى الضعفَين أحياناً، بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل بضعة أشهر. وهذا خارج عن إرادتنا كتجّار". يضيف أنّ "ثمّة مشكلة أخرى تتمثّل في عدم توفّر عمل في المنطقة، باستثناء بعض الأعمال الزراعية والتجارية وما يتعلّق بمجال البناء وما إلى ذلك، علماً أنّ العاملين فيها لا يحصلون على أجور كافية لإعالة أسرهم". ويرى التاجر نفسه أنّ "الباب وكل المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل في حاجة إلى دعم دولي لإقامة مشاريع تؤمّن فرص عمل من أجل عيش كريم لائق".