تهمة زرقاء

تهمة زرقاء

21 نوفمبر 2014
+ الخط -

كتب علينا أن ندخل عالماً غير عالمنا، وأرضاً غير أرضنا، أتينا وأردنا حياة كريمة، حياة لا تضيع فيها الكرامة، أو يعم فيها الشغب القاتل، حياة لا يضيع فيها حق إنسان، ولا تسودها البطالة والتمييز العنصري. إلا أننا لم نجد إلى ذلك سبيلاً، فالملل والضيق والتمييز صفات لاحقتنا بتهمة عنوانها "لاجئ"، فسلبت منّا كل الحقوق، وبتنا نحسد أنفسنا لامتلاكنا حق التنفس!

"لاجئ"، اسم ونعت ألحق الضرر بشعب بأكمله، لا وطن، لا حياة، لا عمل، لا حقوق، عنصرية تطغى، وحرمان كثير ولّد معاناة كثيرة، شعب عانى من الفقر والبطالة، وعاش كل طقوس الدمار والوجع، وخوف يلاحقنا من هنا إلى هناك، والهوية الزرقاء، لون الوثيقة التي تمنحها السلطات اللبنانية للاجئين الفلسطينيين، رفيقة الدرب، لا نتجوّل متراً واحداً إلا بمرافقتها، ويافطة بالخط العريض على الحاجز الشمالي لمخيم عين الحلوة "ممنوع دخول الأجانب"، وصدق تميم البرغوثي حين قال: "فلسطيني ممنوع تعيش، فلسطيني خلقت للتلطيش"، شعب كتب عليه أن يتهجّر ويتشرّد، ويصبح لقمة سهلة للجميع.

في بلد طائفي بامتياز، أصبح الفلسطيني مواطناً من الدرجة العاشرة. هذا إن كان له الحق بالمواطنة أصلاً، وأبشع أنواع العنصرية تطبّق عليه. ناهيك عن إعلام يتاجر بنا، ويحوّل مخيمنا إلى بؤر أمنية وخلايا نائمة للإرهابيين في صفحاته الأولى وعناوين نشراته، من دون أن يكون لذلك في الحقيقة من وجود.

لا نكذب حين نقول إن الشعب الفلسطيني، في فترة ما، علّم شعوب العالم كيف تثور، وكان للثورة عنوان، وسطّرنا بدماء شهدائنا أروع ملاحم الانتصار على العدو الصهيوني الغاشم. وأيضاً عند انتصارنا في يوم الكرامة، أرجعنا إلى الأمة العربية كرامتها، بعد الهزيمة المدوية عام 1967 بعد نكسة حزيران ذات الأيام الستة، وبعدها، صمدنا في المخيمات، على الرغم من الحصار، وقاتلنا بالعتاد والأسلحة البسيطة، ووقفنا وقفة عزّ وشموخ حتى آخر طلقة.

لا نملك أي مفتاح للسعادة، لكننا ندرك أنها موجودة، ونسعى إليها، ولو كانت موجودة في صحن "مجدرة" أو "كبة رز"، ورثناها جيلاً بعد جيل، فقد علّمنا أجدادنا أن السعادة مرتبطة فقط برب العباد الذي لا يترك عبداً مظلوماً إلا أعطاه، ولا فقيراً إلا رزقه، ولو كان العالم ضده، شعب لا يسعى إلا وراء لقمة العيش والكرامة ليعيش، لأنه تعلّم أن الحق والسعادة لا تأتي إلا بالتفاؤل والسعي، وهو ما قاله يوماً محمود درويش: "نحن مصابون بداء لا شفاء منه هو الأمل".

avata
avata
محمود يوسف (فلسطين)
محمود يوسف (فلسطين)