تهجير مسيحيي سيناء: فصل جديد من الإرهاب

27 فبراير 2017
اضطر عشرات المسيحيين إلى الفرار (Getty)
+ الخط -

اضطر عشرات المسيحيين إلى الفرار من محافظة شمال سيناء إلى محافظة الإسماعيلية وأماكن أخرى أكثر أمنًا، بعد أن شهدوا شهرًا داميًا قُتِل فيه 7 مسيحيين على يد مسلحين من تنظيم داعش – ولاية سيناء، ليبدأ فصلٌ جديد من فصول المعاناة التي يعيشها أبناء شبه الجزيرة المنسي.

عزلة اجتماعية
منذ عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، وشبه جزيرة سيناء يعاني من تهميش كبير على عدّة مستويات، ومع اندلاع ثورة 25 يناير أمل أبناء شبه الجزيرة أن ينتهي هذا الوضع، لكن تزايد تواجد المسلحين الإسلاميين في سيناء أدى إلى عزله خطوة خطوة عن باقي القطر المصري، خاصّة بعد الإطاحة بالرئيس السابق، محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز 2013.

مع الوقت وتزايد الهجمات ضد رجال الجيش والشرطة في سيناء، تم تهجير سكان الشريط الحدودي مع قطاع غزة من منازلهم، وتزايدت القيود الأمنية المفروضة على حركات التنقل من وإلى سيناء، كما تردت الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه بشكل كبير، ومُنعت وسائل الإعلام المستقلة من دخول المحافظة.

تضاعفت معاناة أبناء سيناء، خلال الأربع سنوات الماضية، إلا أن المسيحيين كانوا يواجهون - إلى جانب المعاناة العادية - معاناة أكثر في ظل الاضطهاد الديني والتهديدات التي تأتيهم من حين لآخر، إلى أن أصبحت التهديدات واقعًا واتخذت "داعش" من المسيحيين هدفًا استراتيجيًا لها.

لم يجد المسيحيون بُدًا من الهرب بأرواحهم، فخرجوا من ديارهم بما استطاعوا أن يحملوه، وتجمّع أغلبهم في محافظة الإسماعيلية، حيث استقبلتهم كنائسها، على أمل أن تتبدّل الأوضاع ويعودوا إلى ديارهم في وقت قريب.

الموقف الرسمي
تعاملت الدولة بفتور مع أزمة مسيحيي سيناء؛ فمع تزايد الحديث عن الأزمة بشكل جعل عدم وجود موقف رسمي منه أمراً غير مقبول، قرّر مجلس الوزراء تشكيل غرفة عمليات بالتنسيق مع الكنائس المصرية لحل أزمة المسيحيين المهجرين من العريش، وزارت وزيرة التضامن الاجتماعي بعض الأسر النازحة في الإسماعيلية، كما أصدرت دار الإفتاء تسجيلًا مصورًا للرد على تسجيل "داعش" الذي هدّدت فيه مسيحيي مصر.

في الوقت نفسه، لم يصدر المتحدّث الرسمي باسم القوات المسلحة بيانًا حول الأزمة، وانشغل البرلمان المصري بالحديث عن إمكانية تعديل الدستور لتمديد فترة حكم الرئيس السيسي، ولم توضح وزيرة التضامن الاجتماعي ماهية الإجراءات التي ستتّخذها الدولة لإعادة المهجّرين إلى منازلهم، ولم يرد أي مسؤول عن التساؤلات المطروحة حول تقاعس الدولة عن حماية المسيحيين في سيناء.


اللعب على وتر الطائفية
تزايدت، في الآونة الأخيرة، معدلات استهداف تنظيم "داعش" في مصر للمسيحيين، فيما يبدو أنها استراتيجية جديدة قرر التنظيم انتهاجها. ورغم أن اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي من السّمات الأساسية لـ "داعش" في العراق وسورية، إلا أن الأمر ما زال حديثًا في مصر.

يمكن التأريخ لبداية تطبيق استراتيجية جديدة، بتفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ تزايدت، منذ ذلك الحين، معدّلات استهداف المسيحيين، خاصّة في المناطق التي يوجد بها التنظيم في محافظة شمال سيناء، حيث قتل، في شهر فبراير/ شباط الجاري، سبعة مسيحيين أغلبهم في مدينة العريش عاصمة المحافظة.

وبالتزامن مع توسّع عمليات استهداف المسيحيين، أصدر تنظيم "داعش" مقطع فيديو يُنظِّر فيه لاستراتيجيته الجديدة ويهدّد مسيحيي مصر، كما ظهر في التسجيل المصوّر الانتحاري الذي فجّر الكنيسة البطرسية وهو يحض عناصر التنظيم في مختلف أنحاء العالم على تحرير الإسلاميين المعتقلين في مصر.

يرى بعض المحلّلين، أن الاستراتيجية الجديدة التي تبناها داعش مصر أخيرًا، هدفها تشتيت قوّات الأمن عبر إدخال أهداف محتملة جديدة في المعادلة بالإضافة إلى رجال الأمن والقضاء الذين كانوا الهدف الرئيسي في ما مضى، وأن محاولة التشتيت هذه ناتجة عن تصاعد هجمات قوّات الجيش والشرطة ضدّ التنظيم، ونجاحهم في حصر أماكن تواجده وقتل كثير من عناصره خلال الفترة الماضية.

قد يبدو الجزء الأوّل من التحليل - المتعلّق برغبة التنظيم في تشتيت قوّات الأمن- حقيقيّاً، إلا أن الحديث عن نجاح قوّات الأمن في حصر أماكن تواجد التنظيم والحدّ من قوّته محل شك، بعد تواتر الشهادات التي تتحدّث عن امتداد نفوذ "داعش" من مدينتي رفح والشيخ زويد إلى العريش، وهو ما بدا واضحًا من خلال استهدافهم المتزايد للمسيحيين المتمركزين في المدينة.

المساهمون