تقرير للشرطة الفرنسية: فشل اندماج المسلمين

تقرير للشرطة الفرنسية: فشل اندماج المسلمين

14 ابريل 2014
+ الخط -

 

في كل مرة تخرج فيها الصحافة الفرنسية، وخاصة "لوفيغارو" اليمينية، بموضوعات عن المسلمين في فرنسا، تكون الغاية منها سيئة. فهي إمّا لتقول إن المسلمين لا يريدون الاندماج أو الذوبان في الجمهورية، وإما لأن الإسلام لا يتَوافَق مع العلمانية، وإمّا لظهور إرهابيين وسلفيين ومتطرفين وأصوليين بين أفراد هذه الجالية.

وإذا كان المسلمون الذين يعيشون تشتتا تنظيميا كبيرا، ينظرون بكثير من الريبة والحيرة إلى هذه التسريبات، وهم الذين لا يريدون سوى أن يعيشوا مثل الآخرين في سلام وأمن، لا أقلّ ولا أكثر، فلا شك أنهم يكتشفون أن مختلف السياسات الرسمية الفرنسية، منذ وصول أول مسلم إلى هذا البلد، تجاههم باءَت بالفشل.

ومن يتتبع تاريخ الهجرات إلى فرنسا لا بدّ أن يكتشف أنّ مُهاجِري الموجات الأخرى من المهاجرين البرتغاليين والإسبان والإيطاليين والأرمن تعرضوا لكثير من الصعوبات، ولكثير من الظروف العدائية، ولكن "مسيحيّتهم" خفّفت عنهم بعض الشيء، ويكفي أن يقرأ المرء سيرة الفنان شارل أزنافور ليعرف ظروف حياته والمسيرة الطويلة التي قطعها قبل أن يُعتَرَف به كفرنسيّ ويصبح أيقونة حيّة.

يَروقُ كثيرا لصحيفة "لوفيغاور" ولصحافة اليمين المتطرف العنصري، بشكل خاص، نقل "التسريبات" عن تحقيقات الشرطة الفرنسية عن الجالية الإسلامية في فرنسا، وكأنما يُرغَم المسلمون على أن يعيشوا دينهَمُ ويُمارِسوا شعائِرَهُم في سرية، تُذكّر "الإنسانويين" بظروف اليهود إبّان الحرب الكونية الثانية.

لقد أصبح الأمر مكرورا ومُملاّ، فماذا تقول آخر التسريبات، التي كرست لها صحيفة "لوفيغارو" صفحتين كاملتين مع عنوان على الصفحة الأولى؟

تقول إنه "بدأ يظهر في المؤسسات التعليمية الفرنسية الرسمية نوعٌ من الانطواء الهويّاتي!" وفي التفاصيل أنه إذا كان تطبيق قانون 2004 الذي يَحْظُر العلامات الدينية في المدارس "لا يبدو أنه يَخْلُقُ مشاكِلَ كبيرة" فإن "ارتداء الحجاب في توسع كبير خارج المؤسسات التعليمية، وهذا تقريبا في كل مناطق مارسيليا"، ويذهب التهويل إلى أشدّه حين يصف حالة مدرسة في مارسيليا، فنقرأ "حيث يأتي نصف ما تضمه المدرسة من النساء، وفي كل الفروع والتخصصات، وبشكل يومي، مرتديا الحجاب، أي ما يقرب من 600 شابة". ويُعلّق التقرير "بعض المراهِقات لا يتوقفن عن تحدّي السلطة".

ويُضيف هذا التقرير الذي أشرفتْ عليه الشرطة والدرك الوطني، أن آباء التلاميذ يتحملون جزءا من المسؤولية في هذه الحالة المقلقة، ويرى التقرير أن المشكل يزداد تفاقُما حين ندرك محدوديّة قانون 2004: "هكذا نجد بين المنتخبات من قبل أولياء التلاميذ لتمثيلهم نساءً محجبات، يدخلن إلى المؤسسات حيث مكانهن في مجلس الإدارة، برؤوس مغطاة، من دون أن يستطيع أيُّ إجراءٍ قانوني منعهن". وهنا "يستنجد" التقرير بالعلمانية، فنقرأ بأن هذا التصرفات جرّت "احتجاج الجِسم التعليمي المتعلق بِشدّة بالعلمانية"، في حين تحتجّ "الفتيات المحجبات اللواتي ينزعن حجابهن عند الدخول إلى المدرسة، ويُطالبن بمساواتهن مع أمهاتهن".

يخلط التقرير بشكل غريب بين كل الأشياء، وهو ما يؤكد أن فهم الإسلام والشرق لا يزال صعبا. فهو يتحدث أيضا عن "عائلات تعفي أبناءها من دروس علوم الحياة والأرض، حين يتم التطرّق إلى موضوع الإنجاب"، كما "تَظهر احتجاجات لدى نقاش مواضيع التاريخ والجغرافيا"، خصوصا المواضيع الحسّاسة مثل "حرب الجزائر وتفكيك الاستعمار والحَرْكيين وفلسطين والمَحْرقَة اليهودية".

كما يستعرض التقرير "تأثّر" مدير ثانوية مهنية في مدينة "نيم" متخصصة في الفَنْدَقَة ، من "رفض الطلبة تذوّق الأطباق التي تحتوي على لحم خنزير"، كما يرفضون " إعداد كل ما ليس حلالا".

وينتقد التقرير "نشر التلاميذ لسجاجيد صلاة في بعض أركان صالات اللعب حتى يؤدوا هذا الواجب الديني".

كما أن الأعياد الإسلامية وردت في هذا التقرير. حيث تم التركيز على تغيّب التلاميذ المسلمين في المدارس: "أثناء الأعياد الإسلامية وبشكل خاص في عيد الأضحى، حيث تكون الأقسام الدراسية مهجورة". ويذهب التقرير إلى أن "هذه الظاهرة تتجذر في الزمن وتأخذ أبعادا كبيرة." وتقول لغة الأرقام "إن 90 في المئة من تلاميذ مدينتي تولوز ونيم، يتغيبون أثناء الأعياد الدينية الإسلامية". ويتدخل شهر رمضان الكريم بدوره ليُعقِّدَ من مهمة التقرير، ويطرح واقعا حسّاسا: " لم يكن من النادر، سنة 2010، رؤية تلاميذ يطلبون، عبثاً، من المسؤولين وضع قاعات تحت تصرفهم أثناء الدراسة بهدف قراءة القرآن".

ماذا عن أوضاع المسلمين في دول أوروبا الأخرى؟

يقع هذا في فرنسا، بينما تأتي أخبار من النرويج عن سماح الدولة بتأسيس أول مدرسة إسلامية في هذا البلد الهادئ. وقد جاء هذا المشروع بفضل نضال آباء التلاميذ وخاصة الأمهات في "جمعية الأمهات من أجل مدرسة ابتدائية إسلامية".

كما أن موقف رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، قبل أسبوعين، حول "الحلال" كان واضحاً لا لُبس فيه: " ما دُمتُ رئيسا للوزراء في هذا البلد، فإن الحلال سيكون محميا في إنجلترا"، مشددا على مكافحة الإسلاموفوبيا. وهو ما يضع شرخا كبيرا بين الموقفين البريطاني والفرنسي. فقد أعاد رئيس الوزراء الفرنسي ايمانويل فالس التأكيد على التشدد "العلمانويّ" بُعْيد توليه المسؤولية. وهو موقف يذكر بمواقفه المتشددة القديمة في قراءته للعلمانية، حين كان لا يزال نائبا وعمدة لمدينة إيفري. فقد ألْزَم بائعا جزائريا بوجوب توفير الخمور ولحم الخنزير في متجره، وهو ما دفع البائع إلى إغلاقه.

تستنجد "لوفيغارو" في نهاية المقال بالمفكّرة كاترين كينتزلر التي تُبدي مخاوفها من تعددية قراءة العلمانية الفرنسية، بين "علمانية ليبرالية" و"علمانية جمهوريّة جديدة": " إن هذه الفُروق تخفي في واقع الحال، انحرافات. إنّ العلمانية هي الفكرة التي ترى أنّ القوة العمومية مرتبطة بالامتناع وباحترام مختلف أنواع الوعي. وتظل القاعدةُ، في كل مكان، وفي المجتمع المدنيّ، هي حرية التعبير. وانطلاقا من هنا، نُلاحِظُ انحرافَيْن اثنين. الأول الذي يَمنَحُ ضمانة "للمجموعاتية" التي تريد أن تُوسِّعَ نِظامَ المجتمع المدنيّ إلى ميدان السلطة العمومية. وهذا الانحراف يستعير أسماء العلمانية "المتعددة" و"المُلطَّفَة"، و"الإيجابية"... الانحراف الثاني يتعلق بالرغبة في إخضاع المجتمع المدني لمبدأ العلمانية، وفي "تنظيف" هذا الفضاء المدني، من كل علامة دينية، والعلامات الإسلامية، بشكل خاص".

وتختتم قائلة "إن هذين الانحرافين المتماثلين والمتواطِئَيْن يَصنَعان الإسلاموفوبيا ويُشكّلان لعبة اليمين المتطرف".

الشيء الإيجابي في الأمر هو فتح النقاش حول الإسلاموفوبيا، التي يُحاوِل الساسة الفرنسيون غض الطرف عنها، مكتفين بإدانة "كلّ أنواع العنصرية".