تفكيك دولة الأبارتهايد... الحرية والمساواة في دولة واحدة

تفكيك دولة الأبارتهايد... الحرية والمساواة في دولة واحدة

26 يوليو 2020
معظم أراضي الضفة الغربية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -

لم ينشأ برنامج حل الدولتين في دوائر منظمة التحرير الفلسطينية ولا في دوائر صنع القرار الأميركية بل كان، بشكله البائس الذي عرفناه، مشروعاً إسرائيلياً للتعمية على استكمال المشروع الاستيطاني - الاستعماري الهادف للسيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية. سمح هذا الحل "الوهم" بخلق سلطة فلسطينية محدودة السيادة وبأجهزة أمنية متعددة ومتنافسة تحولت لأداة غير مباشرة، ولكن ضرورية، تساعد قوى الاحتلال على استكمال مشروعها فيما راحت تدافع عن حل الدولتين وتهاجم الرؤى البديلة باعتبارها "غير واقعية". بمرور الوقت، اتضح أن "واقعية" الدولة الفلسطينية ما هي إلا أكذوبة تروج لها القيادة الفلسطينية باعتبارها، حتى في أسوأ صورها الحالية كمناطق معزولة ومقطعة الأوصال وتفتقد للسيادة، تناسب مصالحهم الفئوية. وبعدما سقطت ورقة التوت عن حجة "الواقعية"، يطرح من يتمسك بهذا الوهم حجة غياب البديل وانقسام الأصوات الناقدة بين برامج متعددة، كالدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة (والذي كان برنامج منظمة التحرير منذ العام ١٩٦٩ وحتى تعديله بإعلان الاستقلال عام ١٩٨٨)، وبرنامج الدولة ثنائية القومية أو الفيدرالية أو تحويل إسرائيل لدولة ديمقراطية بحقوق متساوية. ولكن الحقيقة أن تطوير رؤية تفصيلية للحل لن يحقق التقدم المأمول إلا عندما يجري العمل عليه بصورة جدية. لا يمكن لمسألة شديدة التعقيد كالمسألة الفلسطينية أن تشهد إجماعاً حول برنامج عمل بتفاصيل دقيقة للغاية وواضحة، ذلك أن تلك التفاصيل تتطور في خضم النضال وبحسب موازين القوى. 

ما يجمع الرؤى البديلة أنها تنطلق من الواقع بعكس ما يدعي أصحاب حل الدولتين الغارقين إما في الطوباوية أو في مصالحهم الضيقة. يظهر الواقع اليوم وجود دولة واحدة فقط هي دولة الأبارتهايد الإسرائيلي التي تقوم فيها مجموعة استيطانية باضطهاد السكان الأصليين وحرمانهم من أدنى حقوقهم الأساسية. هكذا، يصبح السؤال كيف نحول هذه الدولة إلى دولة ديمقراطية علمانية لجميع مواطنيها. 

لا يجب أن تتبنى الحركة الوطنية الفلسطينية برنامجاً بديلاً يقوم على "الواقعية" بل على كونه يمثل حلاً حقيقياً

الحقيقة أنه لا يوجد برنامج "واقعي" في هذه اللحظة من تاريخ النضال الفلسطيني. إن برنامج تحويل إسرائيل إلى دولة لجميع مواطنيها، أو إقامة فلسطين ديمقراطية علمانية، أو دولة ثنائية القومية أو فيدرالية هي خيارات غير واقعية ضمن موازين القوى الحالية. ليس المطلوب تبني الخيار "الأكثر واقعية" فهو غير موجود، بل الخيار الأقدر على تعبئة حركة شعبية فلسطينية - عربية - عالمية لإحداث تغيير حقيقي. بهذا المعنى، يبدو برنامج الحرية والمساواة في دولة واحدة، مقابل برنامج الاستقلال الوطني، الأقدر على تحقيق عدة أهداف مباشرة وعملية بما يخص النضال الفلسطيني فضلاً عن كونه الحل الأكثر عدالة وأخلاقية بمعالجته جذر المشكلة المتمثلة بالتطهير العرقي للسكان الأصليين وتحويلهم إلى لاجئين أو سكان درجة ثانية مضطهدين. يسمح برنامج تفكيك دولة الأبارتهايد وبناء دولة ديمقراطية واحدة بجذب شرائح واسعة من الدعمين لحقوق الفلسطينيين على المستوى العالمي لتشكيل قوى ضغط من أدنى تساعد على عزل إسرائيل باعتبارها نظام أبارتهايد عنصري ينتمي إلى زمن بائد ويظهر كـ"الزومبي" في العصر الحديث القائم على الحرية والمساواة لجميع البشر. ثانياً، يعيد هذا البرنامج الترابط مع قطاعات الشعب الفلسطيني المجزأة وبشكل خاص مع الداخل الفلسطيني الذي يطرح قضية الحرية والمساواة منذ زمن بعيد وتحديداً منذ تشكيل القائمة المشتركة في العام ٢٠١٥. واخيراً، يسمح هذا الخطاب بتحدي وبتفكيك المشروع السياسي الحالي الذي تتمسك به السلطة الفلسطينية والمتمثل بحل الدولتين والذي يحجب الوجه الأقبح لإسرائيل على المستوى الدولي. من شأن حركة شعبية على هذا المستوى أن تدفع نحو حل السلطة الفلسطينية، ذلك أن الأخيرة غير راغبة ولا قادرة على حل نفسها رغم التهديدات الفارغة التي يطلقها قادتها بين الحين والآخر بسبب ارتباط مصالحهم ومستقبلهم السياسي بوجودها. 

لا يجب أن تتبنى الحركة الوطنية الفلسطينية برنامجاً بديلاً يقوم على "الواقعية" بل على كونه يمثل حلاً حقيقياً من جهة، وعلى قدرته على حشد القوى الشعبية محليا وإقليميا وعالميا لمساندة حق الفلسطينيين بالحرية والمساواة من جهة أخرى. ولا ضير في أن تتعدد الأصوات والبرامج التي تنادي بخيار الدولة الواحدة في الوقت الحالي طالما أنها تتشارك نواة برنامج بديل قائم على الحرية والمساواة في مقابل أوهام الفصل الديمغرافي التي سادت خلال المرحلة الطويلة السابقة.