تعطيل مهمّة الأمم المتحدة في ليبيا... لإقصاء الإسلاميين

تعطيل مهمّة الأمم المتحدة في ليبيا... لإقصاء الإسلاميين

14 يونيو 2014
متري يتعرّض لحملة انتقادات ليبية (محمود تركية/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

عطّلت قوى ليبية مهمة بعثة الأمم المتحدة ومبادرة المبعوث الدولي طارق متري لجمع الأفرقاء على طاولة حوار، قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي في 25 من الشهر الحالي. واللافت أن القوى التي اعترضت على المبادرة، هي نفسها التي تسعى إلى إقصاء الاسلاميين عن السلطة.
وبدأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عملها في سبتمبر/ أيلول 2011 بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2009، ومُدد عملها ثلاث مرات بقرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي (2022، 2040، 2144)، على مدى عامي 2011 و2012.

وقدم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، طارق متري، خلال هذه الفترات، 15 إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي، تناول فيها تفاصيل تتعلق بالوضع الأمني والسياسي، ومراكز القوى وعلاقاتها البينيّة، ومقترحات خاصة لوضع آليات تضمن الانتقال السلمي والديموقراطي في ليبيا.

ولم تشهد تلك الفترة أي انتقادات تخلّ بحيادية مهمة بعثة الأمم المتحدة أو تشكك في نزاهة رئيسها متري، من قبل الأطراف السياسية الليبية، في حين كانت بعض الكتابات لناشطين تطرح أسئلة تتمحور حول حياد الهيئة الأممية، إلا أنها لم ترقَ إلى تصريحات وبيانات تندد بالبعثة.

وقبل أن يقدم إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن في التاسع من يونيو/ حزيران الجاري، دعا متري الأطراف السياسية الليبية الممثلة داخل قبة البرلمان الليبي وخارجه، إلى عقد حوارات في 18 و19 يونيو/ حزيران الجاري، ينتج عنها إعلان "اتفاق مبادئ" يساهم في دفع عملية الانتقال السلمي والديموقراطي إلى الأمام، ويوقف الاقتتال الدائر في الشرق الليبي.

وأهم ما جاء في مسودة "اتفاق المبادئ" المقترح من متري، التعهّد بحماية وحدة ليبيا الوطنية والترابية وسيادتها واستقلالها، وسيطرتها التامة على حدودها الدولية، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي.

كما تضمنت المسودة، ضرورة الالتزام بعقد الانتخابات في 25 يونيو/ حزيران، ودعم جهود المفوضية العليا للانتخابات بكافة الوسائل الممكنة، والعمل على توفير بيئة مناسبة لإجراء هذا الاستحقاق الديموقراطي في أفضل الظروف، ورفض أي شكل من أشكال العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، والتأكيد على حق الدولة الحصري في الاستخدام المشروع للقوة.

ولاقت دعوة متري، في حينها، ترحيباً من حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، وقال رئيس الدائرة السياسية في الحزب، محمد الحريزي، إن "دعوة متري للحوار، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها مهمة، ويجب أن تتفق الأطراف السياسية الليبية حول مبادئ عامة تخفف من حدة الأزمة السياسية".

من جهتها، أعلنت كتلة "الوفاء لدم الشهداء" في البرلمان الليبي، ارتياحها إلى جوهر ما تضمنه مقترح إعلان المبادئ الذي يمكن الاتفاق عليه لصناعة جو من التوافق، ولإنجاح الانتخابات البرلمانية المقبلة، ورسم إطار يحمي المرحلة الانتقالية الثالثة حتى الوصول إلى الدستور الدائم.

لكن الكتلة أبدت استغرابها من الهجوم الإعلامي على البعثة ورئيسها، معتبرة إياهم وسطاء يسعون إلى المساعدة في جمع المعنيين للتحاور والاتفاق على ما يدعم المسار السياسي، ويجنّب البلاد المزيد من العنف والفوضى.

واستغربت الكتلة رفض المبادرة من قبل أطراف يفترض أنهم شركاء سياسيون يدعمون كل ما من شأنه المحافظة على العمل السياسي السلمي.

وعلم "العربي الجديد"، من مصادر خاصة، أن إعلامياً ليبياً بارزاً اتصل هاتفياً بمتري، أثناء وجوده في نيويورك لتقديم إحاطته لمجلس الأمن، متهماً إياه بأنه يحاول أن يحفظ وجود طرف سياسي معيّن في العملية السياسية، حتى ولو لم يحقق نتائج في انتخابات مجلس النواب أواخر يونيو/ حزيران الجاري.

كما أعلنت حكومة عبد الله الثني، في بيان لها، تحفظها على طريقة تقديم مضمون "اتفاق المبادئ" ودعوة الأطراف السياسية للاجتماع، معتبرة أن الدعوة لم تُقدم لها، وأنها علمت بها عبر وسائل الإعلام، مفترضة أن يدعوها متري إلى هذا الحوار.

من جهته، انتقد النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام، عز الدين العوامي، "المبادرة من جهة الشخصيات المدعوة"، معتبراً أنه "لم تُدع لها كل الأطراف السياسية". ووجهت حركات سياسية مغمورة عدة، انتقادات تمحورت بمجملها حول الأطراف المدعوة للحوار، كحركة "9 نوفمبر" وحركة "إنصاف".

من جانبه، دعا رئيس حزب "تحالف القوى الوطنية"، محمود جبريل، المقيم في دولة الإمارات منذ قرابة العام، إلى "سحب وثيقة اتفاق المبادئ بسبب انعدام الثقة في مَن وضع ووزّع هذه الوثيقة"، مشيراً إلى "عدم حياد بعثة الأمم المتحدة في ليبيا".

واشترط جبريل، قبل إجراء أي حوار، أن "تعلن الميليشيات المسلحة استعدادها لإلقاء السلاح".

وأكدت مصادر "العربي الجديد"، من داخل بعثة الأمم المتحدة، أن الضغوط الأخيرة التي مارستها قوى سياسية وإعلاميون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي اتهمت فيها متري ودعوته للحوار بـ"عدم البراءة"، أثارت حفيظة متري، وبالتالي هذا ما دفعه إلى تأجيل موعد جلسات الحوار. وأشارت المصادر إلى أنه من المحتمل أن يقدم الوزير اللبناني السابق استقالته من البعثة الأممية لشعوره بالإحباط.

في المقابل، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، دعمه لبعثة الأمم المتحدة، الأمر الذي اعتبره مراقبون، مؤازرة من الأمين العام لمبعوثه الخاص بعد الحملة الشرسة التي تعرّض لها.

وقال محللون سياسيون إن "الحملة ضد متري جاءت من أطراف سياسية تشعر بنشوة الانتصار، وتسعى إلى محاصرة التيار الإسلامي في ليبيا عبر وسائل الإعلام الممولة من دول إقليمية، ورجال أعمال ليبيين لهم ارتباطات اقتصادية وسياسية بالنظام السابق"، واضعين إياها في إطار "الحملة العسكرية التي يقودها اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، منذ منتصف مايو/ أيار الماضي".
ويعتبر المراقبون أن رفض "تحالف القوى الوطنية" الليبرالي، وكل التيارات والأحزاب والشخصيات الدائرة في فلكه، جاء لتفويت الفرصة على تيارات الإسلام السياسي في ليبيا لتحقيق أية مكاسب سياسية قد تعزز من فرص النجاح بالحصول على مقاعد في انتخابات مجلس النواب المقبلة.

المساهمون