تسليح إيران الجيش اللبناني: "شرعنة" الحضور في بيروت

21 أكتوبر 2014
تتباين المواقف اللبنانية من تسليح إيران للجيش (بلال جاويش/الأناضول)
+ الخط -
كان لزيارة وزير الدفاع اللبناني، سمير مقبل، طهران صدى كبير في الأوساط السياسية الإيرانية وحتى الإقليمية. فمقبل الذي أتى على رأس وفد من ضباط لبنانيين، بدأ زيارته بجولة محادثات مع العسكريين الإيرانيين لمناقشة تفاصيل المنحة العسكرية التي أعلنت طهران، عن نيتها تقديمها للجيش اللبناني خلال زيارة لرئيس مجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني، لبيروت أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.

لم يفصح الإيرانيون بداية عن ماهية هذه المنحة، أو عن نوع الأسلحة التي تنوي طهران تزويد اللبنانيين بها، ولكن التصريحات التي خرجت من هناك، تفيد بأنها جاهزة لتلبية طلبات الجيش اللبناني وسد ثغرات احتياجاته العسكرية كلها.

وقال وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، خلال اجتماعه بمقبل، إن "بلاده تريد تقديم استشارات عسكرية وتأمين احتياجات الجيش كلها". فيما كان رأي مقبل يصبّ في سياق، أن "الجيش في لبنان بحاجة للتطوير، وهو ما سيساعده في معركته ضد الإرهاب". واعتبر أن "بيروت تنظر لهذه الهبة العسكرية على أنها عرض من بلد صديق".

واعتبر الإيرانيون صراحة، أن "عرضهم هذا، يأتي في وقت تمرّ فيه المنطقة بظروف حساسة للغاية". ففي الوقت الذي وضع فيه الجيش اللبناني في المقدمة، لمواجهة التحركات والهجمات الإرهابية على الأراضي اللبنانية، وبوجود تهديد تنظيمي "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية" (داعش)، تريد طهران "تدعيم الجيش في حربه ضد الإرهاب والتي من المتوقع أن تمتد وتتسع"، بحسب تصوّرها.

ويرى المسؤولون في إيران أيضاً، أن "دولاً غربية ودولاً أخرى في المنطقة، هي التي دعمت التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، بالمال والسلاح، وهو ما أدى لتقدّم التنظيم على الأرض في سورية والعراق مع الوقت".

ويطرحون بالتالي أنه "لا يُمكن لهذه الدول التي انضمت للتحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة، القضاء على الإرهاب من جذوره، في وقتٍ يستمر فيه هذا الدعم من قبل بعض الأطراف. فترى طهران أن "هناك مؤامرة تحاك لتستهدفها وتستهدف محور المقاومة في سورية ولبنان معها".

ولهذا يُطرح في الوقت الحالي سيناريو إيراني يقوم على "تشكيل تحالف إقليمي على غرار التحالف الدولي، ويحقق لإيران أهدافاً عدة رغم المعوقات الصعبة التي تعترضه". وبدأ المسؤولون الإيرانيون منذ مدة يطلقون تصريحات علنية تتحدث عن دعم الحكومتين السورية والعراقية في حربهما ضد الإرهاب، وإن كان بعضهم يقول إن "هذا الدعم يتلخّص في تقديم استشارات عسكرية، إلا أن بعضاً آخر في إيران تحدث عن وجود مستشاريهم على الأرض في كلا البلدين، ولبنان بلد مهم بالنسبة لإيران، والسعي إلى ضمه إلى خيار التحالف الإقليمي لا يتحقق بدعم حزب الله، وإنما بدعم مؤسسة أمنية عسكرية رسمية هي الجيش اللبناني".

فتكون طهران في هذه الحالة، قد خففت الضغط قليلاً عن حزب الله من جهة، ووجدت مكاناً مشروعاً لها في لبنان يعطيها ثقلاً إقليمياً جديداً. ويدرك كثر هذه المعادلة، في وقت تعددت فيه أقطاب المتنافسين في المنطقة، والمعركة الآن ليست بين صورة التحالف الإقليمي والتحالف الدولي الواقعي، بقدر ما هي معركة بين إيران وتركيا والسعودية، كما يرى مراقبون.

ولكن يوجد أمام السيناريو الإيراني والمنحة العسكرية التي ستقدم للجيش اللبناني عثرات إقليمية، وداخلية لبنانية، قد تعقّد على طهران مهمتها. فدستورياً، لا يستطيع وزير الدفاع اللبناني قبول الهدية الإيرانية، حتى لو كان الجيش يحتاج إليها، فعليه أن يحمل ما سيناقشه مع المسؤولين الإيرانيين إلى طاولة مجلس الوزراء اللبناني، ليتم الإقرار بالإجماع على قبولها، ورفض وزير واحد كفيل برفض الهبة الإيرانية.

وفي الداخل اللبناني، تتفرّع المشكلة بين ممثلي قوى 14 و8 آذار، فيعتبر المعترضون من قوى 14 آذار وغيرهم من بعض السياسيين اللبنانيين، أن "إيران تبحث عن موطئ قدم رسمي ومشروع لها في لبنان".
ويجيب المتحمسون للمنحة من قوى 8 آذار والمؤيدون لإيران، بأنه "لا يعتبر هذا الأمر خرقاً للعقوبات، فالحظر يمنع طهران من بيع وتصدير الأسلحة بمقابل، ولكن المنحة العسكرية هي هبة من دون مقابل، ويعتبرون ثانياً أن المهم الآن هو توحيد الصفوف، بعيداً عن اختلاف الأفرقاء السياسيين للوقوف في وجه الإرهاب، الذي قد يشعل لبنان في أي لحظة".

إقليمياً، قد تظهر اعتراضات سعودية، وهي التي قدمت في السابق هبة مماثلة للجيش اللبناني، فضلاً عن توقعات باعتراضات أميركية في وقت ستقلق فيه واشنطن على حليفتها إسرائيل المجاورة للبنان. ولكن بكل الأحوال، لن تكون المهمة الإيرانية سهلة بتاتاً، فطهران هذه المرة تبحث عن دور مشروع رسمي، سيعطيها ثقلاً حقيقياً، وسيدخلها إلى ساحة الحرب علناً، وهو ما لا يريده كثر.

زيارة مقبل الحافلة بلقاءات مع الرئيس حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، ورئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني، ستنتهي بتأكيد ضرورة تطوير العلاقات الثنائية الإيرانية اللبنانية على كل المستويات، ولكن عند وصول مقبل إلى بيروت سيفتح جدل داخلي لبناني، وسيشتد السجال الإقليمي مع طهران، في وقت تزاحمت فيه الملفات في المنطقة، والتي يطل اسم طهران في العديد منها.