تركيا: تحرير الرهائن تمهيداً للمشاركة في التحالف؟

تركيا: تحرير الرهائن تمهيداً للمشاركة في التحالف؟

21 سبتمبر 2014
داود أوغلو يقطع زيارة لأذربيجان لاستقبال المحتجزين(آدم آلطان/فرانس برس)
+ الخط -

تمكنت تركيا، أمس السبت، من استعادة مواطنيها الذين كان قد احتجزهم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، منذ نحو ثلاثة أشهر، لتثير عملية "تحرير الرهائن" أسئلة عدة عما إذا تضمنت نوعاً من التسوية بين "داعش" والسلطات التركية.

وفي الوقت الذي تنفي فيه الأخيرة دفع أيّ فدية مالية للتنظيم وتعلن أن عودة الرهائن تمت من خلال عملية استخبارية، فإن تفاصيل كثيرة لا تزال طي الكتمان، ما يفتح باب التخمينات حول "الثمن" الذي تم تقديمه لإطلاق سراح المحتجزين من جهة، والموقف الجديد لتركيا من التحالف الدولي ضد "داعش" من جهة أخرى، ولا سيما أن قضية "الرهائن" شكلت حجر الزاوية في الموقف التركي الرافض للانضمام إلى التحالف الدولي ضد "داعش".

وحملت التصريحات التي أطلقها المسؤولون الأتراك، عقب وصول المحتجزين إلى الأراضي التركية، أمس السبت، جملة من التناقضات التي تؤكد على أن السلطات التركية ليست بصدد تقديم "رواية متماسكة" حول المسألة.

رئيس الحكومة التركي، أحمد داوود أوغلو، قال من خلال رسائل نشرها عبر "تويتر": "لقد استلمنا مواطنينا الرهائن في وقت مبكر من صباح اليوم واصطحبناهم إلى بلدنا سالمين". وكرر داوود أوغلو الذي قطع زيارته لأذربيجان والتقى المواطنين الأتراك المحررين في مطار شانلي أورفا الحديث عن "استلام" المواطنين عبر تغريدة أخرى قال فيها "أخذنا الرهائن وجئنا بهم إلى تركيا"، ولم يقل أبداً إنه تم إنقاذهم، ما يشير إلى احتمال إطلاق التنظيم لسراح المحتجزين.

في المقابل، نشر موقع الرئاسة التركية بياناً قال فيه إن "إنقاذ الرهائن الأتراك جاء نتيجة لعملية ناجحة، تم التخطيط لها مسبقاً، ونفذت بسرية تامة طوال ليلة الجمعة".

من جهته، أدلى النائب عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، شامل طيار، بتصريحات بدت متعارضة تماماً مع "رواية" كل من داوود أوغلو وأردوغان، إذ قال إن "عملية إطلاق سراح الرهائن الأتراك جاءت نتيجة حملة ومبادرة قادتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية".

وكرر طيار القول إن احتجاز الرهائن كان أحد مبررات تركيا لعدم المشاركة في التحالف ضد "داعش"، وأضاف أن "الإفراج عنهم في هذا التوقيت الحساس جاء في أعقاب حملة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية".

وبغض النظر عن مدى دقة رواية طيار يؤكد مصدر مقرب من الاستخبارات التركية، رفض الكشف عن هويته لـ"لعربي الجديد"، أن "عملية تحرير الرهائن تمت بقيادة فرع العمليات الخارجية في الاستخبارات من دون تلقي أي مساعدات من أي جهاز استخبارات آخر".

ويضيف المصدر تعليقاً على ما تردد عن مشاركة الاستخبارات الأميركية قائلاً: "كيف يمكن لأحدهم أن يتحدث بهذه الطريقة مع أن الولايات المتحدة فشلت بإنقاذ صحافيين أميركيين من قبل"، مشيراً إلى "خبرة الاستخبارات التركية بتحرير الرهائن التي اكتسبتها أثناء تعاملها مع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية"، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني. ويكرر المصدر ما قاله المسؤولون الأتراك حول عدم دفع أي فدية أو عقد أي اتفاق مع "داعش" لتحرير الرهائن.

ويكشف عن أنه تم تغيير موقع تواجد الرهائن أكثر من سبع مرات، وكان هناك أكثر من خمس فرص لتحريرهم "غير أن الاشتباكات الجارية على الأراضي السورية هي التي حالت من دون ذلك". غير أن المصدر يوحي بإمكانية حدوث صفقة حينما يتحدث عن قيام "مجموعة من الجهاديين بجلب الرهائن الأتراك إلى مدينة تل أبيض السورية ومن ثم تم إدخالهم عبر معبر أكجاكالة الحدودي بين البلدين، ليتم الانتهاء من العملية في الساعة الواحدة من صباح اليوم". ويقوم بعدها رئيس جهاز الاستخبارات التركي، حاقان فيدان، بإخطار كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بإتمام "العملية".

ولم تختلف تسريبات جريدة "ستار" التركية، المقربة من الحكومة، عن رواية المصدر سوى أن تسليم الرهائن تم في الموصل، إذ كانوا محتجزين في بناء من ثلاث طوابق، وهو الأمر الذي تم بمساعدة عدد من العشائر العربية، لتقوم بعد ذلك مجموعة تابعة للاستخبارات التركية بنقل الرهائن إلى تل أبيض ومنها إلى الأراضي التركية.

وكان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، قد أكد خلال زيارته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن "تحرير الرهائن الأتراك كان من الممكن أن يتم قبل اليوم (أمس)، لكن تنظيم الدولة الإسلامية لم يستطع الإيفاء بوعوده".

وأضاف جاووش أوغلو، أن المحادثات السابقة مع التنظيم، والتي جرت عبر وسطاء كانت قد فشلت، مؤكداً أن يوم 20 سبتمبر/ أيلول كان آخر موعد لتسليم الرهائن.

من جهته، قال القنصل التركي المحرر، أوزتورك يلماز، أثناء حديثه لقناة "سي إن إن تورك" عند سؤاله عن تعرضه والرهائن الأتراك إلى أي تعذيب أو سوء معاملة، "هذا ما أستطيع أن أقوله: نحن جميعاً بخير وكلنا فرحون".

في هذه الأثناء، لم تنتظر المعارضة التركية استكمال الاحتفالات الحكومية بتحرير الرهائن. فقد عبر زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، عن فرحه بتحرير الرهائن وترحيبه بعودتهم إلى وطنهم. لكن النائب عن الحزب نفسه، مسلم ساري، أكد عبر تغريدة على "تويتر"، أنه بعد انتهاء تركيا من تحرير رهائنها المحتجزين لدى "داعش"، فإنه لم يعد لها أي حجة لعدم المشاركة الفاعلة في التحالف الدولي ضده. ودعا إلى تغيير موقع تركيا في التحالف نحو مشاركة أكثر فاعلية في القضاء على التنظيم.

وفي المحصلة، فإنه مهما كانت حيثيات عملية تحرير الرهائن فإن ما حدث يعتبر إنجازاً كبيراً للحكومة التركية، ففي الوقت الذي فشلت فيه الإدارة الأميركية في تحرير اثنين من رهائنها الصحافيين، استطاعت تركيا أن تحرر أكثر من 49 رهينة لها من دون أن يصاب أي منهم بأي أذى، ليبقى موقع تركيا في التحالف الدولي موضع التساؤل.

ولا يبدو أن هذا الموقع سيتغير لأن موضوع الرهائن لم يكن السبب الوحيد لعدم المشاركة الفاعلة، لكن هناك مخاوف أمنية أخرى منها قيام التنظيم بالانتقام عبر شنّ عمليات داخل المدن التركية الكبرى، فضلاً عن مخاوف من أن يؤدي ضرب التنظيم إلى تعزيز مواقع كل من النظام السوري والأحزاب الكردية، فضلاً عن الميليشيات في كل من العراق وسورية.

المساهمون