ترامب يغير قواعد اللعبة ويفتح صراعا علنيا مع إيران

03 يناير 2020
إدارتا بوش وأوباما عزفتا عن قتل سليماني (فرانس برس)
+ الخط -
كان لعملية مقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية، صباح اليوم الجمعة، وقعها المدوّي في واشنطن ليس من ناحية فظاعتها، بل من باب الخشية والتخوف من العواقب الخطيرة لاغتياله. 

وزاد من الشعور بخطر هذا التصعيد النوعي وتداعياته أن الإدارة الأميركية سارعت إلى إعلان مسؤوليتها عن مقتله، وكأنها أعلنت الحرب بذلك، أو على الأقل فتحت المواجهة مع طهران على مداها، بما في ذلك احتمال وقوع صدامات واسعة معها، وإن بقيت دون الغزو والاجتياح.

وبتصفية سليماني، انقطعت الشعرة بين واشنطن وطهران، إذ إن النظام الإيراني سيقرأ إزاحة سليماني من المشهد بأنها استهداف لوجوده، فالرجل ركيزة أساسية في النظام.
ويعرف الأميركيون أن سليماني صاحب المرتبة "رقم 2" في السلطة، والمعلوم أن الإدارات السابقة (بوش وأوباما) عزفت عن خيار اغتياله " في أكثر من مناسبة "كي لا تنسف الجسور مع طهران وتحرك ردود فعل عارمة ضدها هي بغنى عنها".
وتقاطعت الردود الأميركية الأولية حول عدة نقاط رئيسية، تراوحت بين الإعراب عن القلق من التبعات وبين التشكيك أو على الأقل طرح علامات الاستفهام حول الحيثيات التي قدمتها الإدارة في بيان البنتاغون الذي أعلن المسؤولية عن العملية، فهي تكاد تجمع تقريباً على أن طهران لا بدّ وأن تقوم برد أو ربما بردود " قاسية"، وقد لا تقتصر على ساحة الشرق الأوسط بحيث يمكن أن "تشمل أكثر من مكان في العالم" يمكنها فيه استهداف مصالح أو رموز أميركية، مدنية وعسكرية.
ويُضاف إلى ذلك أن أكثر من جهة، وخاصة في الكونغرس وبالذات في مجلس الشيوخ، قد أبدت تحفظها على الحيثيات التي حملت الرئيس على إعطائه أوامر بتصفية سليماني.

 
من الناحية القانونية، يحق للرئيس استخدام القوة العسكرية في الحالات الطارئة التي تستوجب السرعة في القرار لدرء أخطار "على وشك الوقوع".
ويزعم البيان توفر هذا الشرط لأن سليماني كان يخطط لضرب عناصر ومصالح أميركية وأنه "وافق" على اقتحام السفارة الأميركية في بغداد.

وأبدى عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، مثل كريس مورفي وريتشارد بلومنتول وكوري بووكر، ارتيابهم، وطالبوا بالكشف عن المعلومات التي تؤكد ذلك.
ويتضح أن البيت الأبيض "لم يضع رجال الكونغرس في الصورة " قبل الإقدام على العملية، كما جرت العادة عند اتخاذ قرارات حساسة، واكتفى فقط بإبلاغ "قلة" منهم، الأمر الذي عزز التساؤلات حول دوافع قرار قد يفجر تطورات خطيرة.

وسط هذا التشكيك والتخوف تبقى أسئلة مفتوحة ومحاطة بكثير من الالتباس، وأولها يدور حول ما إذا كانت الإدارة قد أقدمت على خطوة بهذا الوزن من دون التحضير للتعامل مع ارتداداتها؛ كما فعلت في قصف قواعد حزب الله العراقي من دون التحسب للعواقب الذي تمثلت في اقتحام السفارة، والسؤال الثاني: ما هي الغاية من تبني مقتل سليماني علناً؟ هل ترى الإدارة أن الإعلان عامل رادع أم أنها تعمدت العلنية لضمان تواصل التصعيد وتعميق المواجهة؟ فهل قررت المضي في خيار الإطاحة بالنظام الإيراني؟
ولا يقل أهمية عن ذلك السؤال المتعلق بآثار هذه العملية على العلاقات الأميركية العراقية، إذ إن بغداد التي وجدت نفسها أمس بين الدف والمسمار في عملية السفارة، سيكون وضعها أصعب بعد الآن في تأمين نوع من التوازن في موقفها من الشريكين اللدودين في الساحة العراقية؟ وثمة تساؤل آخر أكثر خطورة يتصل بمصير الملف النووي الإيراني المتوقع أن يعود حاله إلى ما قبل اتفاق 2015؟ كل هذه الأسئلة تنتظر أجوبة في ظل وضع دخل طور الانفلات.