يتحوّل مقر الأمم المتحدة ومحيطها في نيويورك هذا الأسبوع إلى خلية نحل تضج بلقاءات واجتماعات قيادات الدول التي تحضر للمشاركة في افتتاح الدورة العادية للجمعية العمومية، وعادة يكون الرئيس الأميركي محور الحركة المكثفة، على اعتبار أنها فرصة تتيح لكبار المسؤولين الأجانب الاطلاع عن قرب على توجّهات ومواقف الإدارة الأميركية من القضايا التي تهمهم، والملفات التي تتطلب مواجهتها تضافر الجهود الدولية والتنسيق في ما بينها، خصوصاً الأميركية منها. حراك متنوع تحت مظلة تعزيز الالتزام بالعمل الجماعي الذي تجسّده المنظمة الدولية ولو أن معظم قراراتها تبقى حبراً على ورق، لكنه عمل يبقى مطلوباً كأفضل آلية دولية ضرورية متاحة حتى الآن.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قال في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي بي إس" قبل أيام، إن الرئيس "سيؤكد في كلمته على القيم... مع التركيز على كوريا الشمالية وإيران والإرهاب الدولي". ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك قبل أيام، عندما انقلب على موقفه وطالب بدعم المنظمة الدولية "لتمكينها من حل أزمات مثل كوريا وسورية وغيرهما". فجأة صار للمنظمة الدولية دور ينبغي تعزيزه، لكن بشرط أن يأتي مفصّلاً على قياس نظرة البيت الأبيض وأولوياته. التضامن الدولي بمفهومه، أحادي الجانب، صحيح أن الولايات المتحدة عملت باستمرار وأكثر من غيرها على توظيف المنظمة لتكون أحد أذرع دبلوماسيتها، لكن الإدارات المتعاقبة كانت تقدّم في المقابل التزامات أميركية دولية معيّنة، مثل الدور الذي قامت به إدارة أوباما في قضية المناخ.
وعد ترامب بفك التزامات بلاده في العالم، والقضاء على خصومها بالضربة القاضية، لكنه سرعان ما اكتشف بأن ذلك خيالي أكثر مما هو واقعي. وهو يزمع التحدث اليوم بلغة التوفيق، أمام منظمة لا يؤمن بدورها المناقض لمقاربته الدولية. لكن لغة الفعل أقوى وهي راجحة على التوفيق، بما يجعل علاقة ترامب مع المجتمع الدولي بعد مخاطبته له لأول مرة، أكثر ضبابية وارتياباً.