تراجع الديمقراطيات الغربية [1-2]...خلط بريطاني بين التطرف وحرية التعبير

تراجع الديمقراطيات الغربية [1-2]... خلط متعمد بين التطرف وحرية التعبير في بريطانيا

21 يونيو 2020
خطوات متتابعة تستهدف الناشطين والمحتجين في بريطانيا (Getty)
+ الخط -
فوجئ الناشطون البريطانيون في "الحملة ضد تجارة السلاح"، والتي تأسّست قبل 40 عاماً لمعارضة صادرات السلاح البريطانية وتجارة السلاح الدولية، بوضع الحملة ضمن قائمة شرطة مكافحة الإرهاب لرموز وعلامات المنظمات اليمينية المتطرفة.

ما حدث كان بمثابة صدمة لأندرو سميث، الناطق باسم الحملة، ولزملائه، وسرعان ما فسروه ضمن سياق "تنامي الرقابة السياسية في بريطانيا خلال السنوات الأخيرة، إذ تلجأ الحكومة والشرطة إلى تنميط فئات محددة، وتميل لقمع حركات الاحتجاج"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مستدركا: "مجموعات الناشطين ليست أول من استهدفها برنامج بريفنت الحكومي المبني على (استراتيجية لتحديد الأفراد ذوي الميول المتطرفة)، بل كانت المجتمعات المسلمة بالأخص نقطة التركيز الرئيسية لتطبيقه. لقد صدم وضعنا على القائمة العديد من داعمينا، ولكنه الامتداد المنطقي لاستراتيجية بريفنت الرهيبة".




تقييد حرية التعبير

نشر مركز العمليات الوطني لشرطة مكافحة الإرهاب البريطانية دليلاً للرموز والعلامات الخاصة بعدد من المنظمات اليمينية للتحذير منها في يونيو/حزيران 2019. وتصنف الوثيقة المجموعات التي تتعامل معها شرطة مكافحة الإرهاب إلى عدة فئات تشمل منظمات اليمين المتطرف المحظورة، مثل "رابطة الدفاع الإنكليزية" إضافة إلى المنظمات النازية والعنصرية "العمل القومي". ولكنها أضافت أيضاً إلى الدليل رموز عدد من المنظمات السلمية، مثل "الحملة ضد تجارة السلاح" و"حملة التضامن مع فلسطين" وغيرها. ويقول القائمون على الوثيقة إنها لمساعدة العاملين في المؤسسات الصحية والتعليمية وغيرها إضافة إلى شرطة مكافحة الإرهاب، ضمن إطار برنامج بريفنت، من أجل تحديد الأشخاص الذين لديهم نزعة للتطرف والإبلاغ عنهم لشرطة مكافحة الإرهاب، والتي من المفترض أن تدرس الملف لتحدد رد الفعل المطلوب.



ومن بين المنظمات المدرجة على قائمة شرطة مكافحة الإرهاب حملة التضامن مع فلسطين، والتي تعد أكبر الجهات البريطانية المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، كما يوضح بن جمال، مدير الحملة، قائلا لـ"العربي الجديد: "الإيحاء بأن الحملات من أجل السلام أو العدالة الاجتماعية أو ضد العنصرية أو لصالح حقوق الإنسان للشعوب المضطهدة هي أنشطة متطرفة من قبل المسؤولين عن الأمن العام، أمر شنيع، وسوء عرض متعمد للحقائق ويسلط الضوء مرة أخرى على أجندة الحكومة البريطانية الخاصة بمكافحة الإرهاب والتي هي خطر على الديمقراطية وحرية التعبير، وفي حاجة ماسة لمراجعة مستقلة وشاملة".

ويتفق أندور سميث مع الرأي السابق قائلا: "لا نستطيع أن نعرف بشكل دقيق كيف تأثرت تصورات الأفراد تجاه الحملة بعد ما جرى، وبوجود الحكومة المحافظة حالياً هناك خطر حقيقي من رؤية المزيد من الخطوات التي قد تتخذ ضد مجموعات الناشطين والمحتجين".





تلاعب الشرطة بمفهوم التطرف


يقول كريستوفر تايلور، المتحدث باسم شرطة مكافحة الإرهاب، في رده على "العربي الجديد"، إن "إدراج رموز وعلامات حملات لا يعني أننا نظن أنهم متطرفون أو خطيرون، ولكن الوثيقة مجرد دليل لمساعدة أفراد الشرطة على فهم الرموز والعلامات التي قد تمر عليهم".

وأشار تايلور إلى بيان أصدرته شرطة مكافحة الإرهاب، جاء فيه "نريد أن تعرف شرطة مكافحة الإرهاب معاني المنظمات التي ينتمي إليها الأفراد، وأهدافها وأنشطتها، سواء كانت قانونية أم لا"، ويوضح تايلور أن الوثيقة ذاتها تشير إلى أن العديد من المجموعات المدرجة ليست في دائرة اهتمام مكافحة الإرهاب، وأن عضويتها لا تشير إلى عمل إجرامي من أي نوع، والإشارة لأي شيء عدا ذلك هو غير مفيد، على حد قوله.

لكن كيفن بلاو، المنسق في شبكة مراقبة الشرطة البريطانية (نيتبول)، والتي تعمل على مراقبة استراتيجيات الشرطة ورصد خروقاتها، يرى أن إصرار شرطة مكافحة الإرهاب على القول إن إدراج منظمات وحملات سلمية مثل "تمرد ضد الانقراض"، وهي حركة تطالب بتعديل سياسات الحكومات للتعامل مع التغير المناخي، وحملة نزع الأسلحة النووية، وحملة أوقفوا الحرب وغيرها في دليل المخاطر المحتملة لا يعني أنها متطرفة، ما هو إلا "أمر مضلل"، قائلا لـ"العربي الجديد"، إن الشرطة ببساطة توفر دليلاً لمجموعة متنوعة من الحركات التي يمكن للمتطرفين النشاط فيها، وهذا مبني على "حدس الشرطة".




تفويض استثنائي للمراقبة


يوفر تصنيف المجموعات على أنها متطرفة، تفويضاً استثنائياً للشرطة لمراقبتها دون أي حاجة للشفافية أو التنظيم، وفقاً لتوضيح بلاو، معتبراً أن هذه القائمة ستدفع المنظمة للتفكير مرتين قبل ممارسة حقها عندما تواجهها تكتيكات عنيفة أو تكون تحت مراقبة شرطية غير مبررة، فقط لأنها قررت المشاركة في مظاهرات شرعية، مشيراً إلى أن سنوات من الضغط أسفرت عن تخلي وزارة الداخلية عن تصنيف مجموعات وحملات الناشطين على أساس أنها "تطرف محلي"، لكن شرطة مكافحة الإرهاب ما زالت تتعامل مع حملات الناشطين بهذه الطريقة، رغم حقيقة عدم وجود أي تعريف قانوني متفق عليه لما يمكن أن يكون "تطرفاً"، وأن القرار حول من يشكل "خطراً" أمر يحمل العديد من التفسيرات وسياسي بامتياز.

ويكشف تقرير صادر في مارس/ آذار الماضي عن فيونوالا ني أولاين، المقرّرة الخاصة المعنيّة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة في سياق مكافحة الإرهاب، عن الخطر من التلاعب بتعريف التطرف، موضحة أن هذا "قد يقود إلى ضم مجموعات سلمية إلى القوائم التنفيذية للكيانات المتطرفة، وأحد أمثلتها الشهيرة مجموعات الاحتجاج على التغيير المناخي".

استحضار هذا المثال في تقرير أولاين، يراه بلاو إشارة خاصة لبريطانيا وموقفها من حملة تمرد ضد الانقراض، الذي يعد خرقا واضحا لالتزامات بريطانيا الدولية، مؤكداً أن جميع قوات الشرطة مطلوب منها الالتزام بمقاربة مبنية على حقوق الإنسان في كافة مراحل التخطيط والتحضير والإشراف على المظاهرات، أما المراقبة فلا بد أن تكون مبررة بناء على أسس أمن وطني، أو أمن عام مثبتة كلياً، وفقا لاتفاق البندقية الخاص بالمجلس الأوروبي، أما القرارات المبنية على "الحدس"، فليست مثبتة كلياً، مؤكداً على ضرورة التخلص التام من التصنيفات التي تشوه سمعة الحملات القانونية، بما في ذلك استخدام مصطلح "التطرف المحلي".



ويؤكد بلاو أن المراقبة يجب أن تتم فقط في الحالات التي تكون فيها ضرورة لمنع أو ملاحقة جرائم محددة، بمعنى أن يتم التعامل مع البيانات الخاصة بالأنشطة السياسية على أساس أنها "فئة خاصة" من البيانات، كما يعرفها قانون حماية البيانات الصادر في 2018، والذي يقيد معالجة هذه البيانات ويحدد الظروف التي يحدث فيها ذلك، وبوجود رقابة واضحة وشفافية عالية من قبل وحدات الشرطة التي تقوم بعملية المراقبة، وفقا لتوضيحه، مشيراً إلى الحاجة الماسة لفصل شرطة التظاهرات عن شرطة مكافحة الإرهاب، كون الأخيرة لا علاقة لها بالتعامل مع التظاهرات.


مراجعة استراتيجية بريفنت


دفعت الانتهاكات السابقة منظمة "أنيمال إيد" لحقوق الحيوان، التي تعنى بوقف العنف ضد الحيوان، إلى رفع دعوى قضائية ضد الشرطة، كما كشفت إيزوبل هاتشنسون، الإدارية في المنظمة، لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى البيان الذي أصدرته المنظمة، تصف فيه إدراج "أنيمال إيد" إلى جانب منظمات إرهابية ونازية بالأمر المدمر للمعنويات، كونها منظمة سلمية كليا، وبسياسة سلمية تماما، ونشطت سلميا ضد العنف تجاه الحيوانات لأكثر من 40 عاماً، مضيفة "إننا مصدومون حقاً بأن نرى منظمتنا مدرجة في تلك القائمة، ما هو الأمر الأكثر سلمية من حملتنا المطالبة بعالم خال من القسوة، ليمكن للحيوانات أن تعيش حياتها من دون استغلال أو قتل؟ إن إدراج اسم أنيمال إيد في هذا الدليل، مثلها مثل العديد من المنظمات السلمية، يعكس نقصاً أساسياً في فهم الحملة المطالبة بحماية الحيوانات".

وتطالب "أنيمال إيد" في بيانها بسحب "هذه الوثيقة الضارة، ومراجعة محتواها كليا بحيث لا تشمل منظمات سلمية تقدمية"، معتبرة أن الأولى أن تركز السلطات جهودها على المخاطر الحقيقية للأمن القومي، وليس على الناشطين السلميين الذين يسعون لعالم أفضل.

طلب إيزوبل هاتشنسون بإزالة منظمتها من القائمة، كرره سميث، مضيفاً أنه لا يجب على الشرطة إزالة اسم الحملة ومجموعات أخرى من قائمتها فقط، بل هناك ضرورة لمراجعة استراتيجية "بريفنت" كاملة بعدما انعكست آثارها على حرية التظاهر، وساهمت في ظهور لغة معادية للمسلمين، بعد استهدف المجتمعات المسلمة بالدرجة الأولى، لذلك يرى في بريفنت جزءاً من رغبة الحكومات المحافظة المتتابعة في الحد من حرية التعبير.

ويوافقه بن جمال برؤيته للأسباب الكامنة وراء هذا التصنيف، قائلا إنه يعد اعتداء متكررا على حرية التعبير، مضيفاً أن القيم التي بنت عليها الحكومة البريطانية استراتيجية مكافحة الإرهاب معاكسة لقيم التسامح والاحترام والحريات الفردية التي تزعم الدفاع عنها، ويجب قراءة الوثيقة الأخيرة الخاصة بمكافحة الإرهاب في سياق الهجمات الوطنية والعالمية المتكررة على حرية التعبير الخاصة بفلسطين، لافتاً إلى محاولة الحكومة البريطانية التقدم بتشريع يمنع الهيئات العامة من دعم حملات المقاطعة السلمية، ولا يهدد ذلك حقوق القائمين على حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني فحسب، بل أيضاً من يعملون في هيئات عامة أخرى، مثل العدالة البيئية.